ديمة محبوبة
عمان – شعرت أم سليم بالعجز حينما استمعت لشكوى ابنتها الصغيرة من موقف مؤلم تعرضت له من إحدى صديقاتها في المدرسة. تقول: "كنت أريد تهدئتها وإيقاف بكائها، وفي الوقت نفسه، أردت أن أقدم لها نصيحة تساعدها على تجاوز الموقف بأقل الأضرار".
وتضيف أم سليم، وهي والدة لطفلين يتمتعان بشخصيتين مختلفتين رغم تقاربهما بالعمر؛ أن ابنتها شعرت بضيق شديد بعد أن وجهت لها صديقتها عبارة جارحة: "كنت أتمنى أن تبقي بعيدة وألا تعودي إلى المدرسة". وقد قيلت هذه الجملة لابنتها بعد عودتها إلى المدرسة إثر غيابها ثلاثة أيام بسبب المرض.
تبين الأم أن هذه الكلمات تركت اثرا كبيرا وعميقا في نفس ابنتها، التي حاولت كبت مشاعرها إلى أن وصلت إلى المنزل، حيث انفجرت بالبكاء وبدأت تشكك في ذاتها. تساءلت الطفلة بحزن: هل أنا صديقة سيئة؟، هل أنا لا أستحق وجود صديقة جيدة في حياتي؟".
وعندما اقترحت والدتها عليها بأن توصل هذه الشكوى إلى المدرسة كي تتعامل المرشدة النفسية مع صديقتها كان الرفض هو جواب ابنتها، وأنها لا تريد أن تتعرض لإساءة أكبر أو أن تنتهي صداقتها بشكل كامل معها. وتؤكد أن الحيرة والعجز هما مشاعرها تجاه هذا الموقف، وكل ما فعلته هو فقط دعم ابنتها وتقديم النصح وإعطاؤها ردودا هادئة لمثل هذه الحالات إن واجهتها مرة أخرى.
اختصاصيو التربية والارشاد النفسي يؤكدون أن الثقة بالنفس تعد من أهم الصفات التي يحتاجها الطفل للتفاعل بشكل صحي مع بيئته الاجتماعية، سواء في المدرسة أو خارج المنزل.
ويتعرض الأطفال إلى مواقف يومية تتطلب منهم مهارات للتعامل مع الزملاء والأصدقاء، إلا أن بعض هذه المواقف قد تكون مؤذية وتؤثر سلبا على مشاعرهم وثقتهم بأنفسهم وفي هذا السياق، يتصدر دور الأهل والمدرسة لدعم الطفل وتعزيز ثقته بنفسه.
وحول دور الأهل في بناء الثقة بالنفس لدى الأطفال، توضح التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني أهمية توفير بيئة آمنة يشعر فيها الطفل بأنه مسموع وكلامه ذات اهمية كببرة. تقول: "عندما يشارك الطفل مشكلاته أو يروي تجاربه، على الأهل الاستماع إليه دون إصدار أحكام مسبقة، مع تقديم الدعم العاطفي اللازم".
وتشدد الكيلاني على ضرورة تعزيز الإيجابيات والتركيز على نقاط القوة في شخصية الطفل بدلا من تضخيم نقاط الضعف لبناء ثقة الطفل بنفسه. وتضيف: "مدح جهود الطفل في حل مشكلته، أو تهنئته على إنجاز بسيط، يمكن أن يكون له أثر كبير في رفع معنوياته".
ووفق الكيلاني فإن مهارات التعامل مع الإساءة يمكن اكتسابها بالتعلم، ويمكن للأهل تدريب الطفل على كيفية الرد على التعليقات السلبية أو السخرية بطريقة غير عدوانية. على سبيل المثال، تعلميه أن يقول: "رأيك لا يؤثر في شخصيتي"، أو أن يتجاهل التعليقات المسيئة بدلا من الدخول في جدال أو نزاع. هذه المهارات، تمنح الطفل أدوات ذات فاعلية للتعامل مع المواقف التي يتعرض لها بثقة بالنفس.
وتلفت الكيلاني إلى أن الكثير من الأهل يتحدثون عن أهمية استقلالية الأبناء، لكنهم غالبا ما يعجزون عن تطبيقها بسبب حرصهم الزائد على حمايتهم. تعزيز استقلالية الطفل يتطلب السماح له باتخاذ بعض القرارات الصغيرة، مما يساعده على الشعور بالمسؤولية والاعتماد على نفسه وتوضيح فكرة أن التعليقات السلبية أو الإساءة من الآخرين تعكس شخصية المسيء نفسه.
وتضيف أنه من الضروري أن يزود الأهل والمدرسة الأطفال بأدوات للتعامل مع مشاعرهم، مثل تعليمهم التعبير عن مشاعرهم بالكتابة، أو التحدث مع شخص موثوق، أو ممارسة نشاط محبب. هذه الأساليب تساعد الطفل على تجاوز المشاعر السلبية بطريقة بناءة. واذا تكررت الإساءة أو تعرض الطفل للتنمر، ينبغي أن يتواصل الأهل مع المدرسة للتعاون في حل المشكلة وحماية الطفل.
وبحسب اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي فإن المدرسة تلعب دورا كبيرا في مرحلة معينة من عمر الطفل في تشكيل شخصيته وصقلها. واحيانا يكون المعلم أو المعلمة أقرب إلى الطفل من الوالدين، ما يجعل تأثيرهم على حياته أكبر.
من هذا المنطلق، يشدد خزاعي على ضرورة أن تهيئ المدرسة بيئة قائمة على الاحترام المتبادل بين الطلاب، وتعزيز قيم التعاون والتفاهم، ورصد السلوكيات السلبية، بحيث يكون على المدرسين والإدارة ملاحظة أي تصرفات تنم عن التنمر أو تعليقات مؤذية، والتعامل معها بشكل سليم.
ويضيف خزاعي أن المدرسة عليها تطوير مهارات الأطفال الاجتماعية وبناء صداقاتهم من خلال تنظيم أنشطة رياضية وفنية تعزز التفاعل الإيجابي بين الطلاب. كذلك دعم الطلاب عاطفيا من خلال تخصيص وقت للمناقشات الصفية حول احترام مشاعر الآخرين وطرق التعبير عن المشاعر بشكل صحي.
بحسب خزاعي، فإن دور الأهل يظل اساسيا في حياة أبنائهم، فهم حجر الزاوية في بناء شخصية الطفل ودعمه. وعند علم الأهل بتعرض طفلهم للإساءة، يجب عليهم تهدئته والتأكيد على وقوفهم بجانبه لدعمه ومساندته. وإذا وقعت الإساءة داخل المدرسة، فمن الضروري التواصل مع المعلمين أو الإدارة لضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الطفل.
وينوه خزاعي إلى أن بناء مجتمعات صحية يتطلب تربية أبناء يتمتعون بعاطفة سليمة وقدرة على التفاعل الإيجابي، وأن يدرك الطفل كيفية التعبير عن نفسه بثقة وقوة، مع الحفاظ على الاحترام في حديثه، سواء من خلال مواجهة الشخص الذي أساء إليه أو بطلب المساعدة عند الحاجة.
اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، يبين ان الأطفال بحاجة إلى دعم متواصل يساعدهم على مواجهة التحديات بثبات، فالأهل والمدرسة شركاء في هذه العملية، والتواصل المستمر يضمن نمو الطفل في بيئة صحية وآمنة تعزز ثقته بنفسه وتجعله قادرا على التفاعل مع العالم بثقة.
المواجهة الإيجابية هي ما يجب تعلمه للأبناء، وهي مهارة حياتية أساسية تساعد الطفل على التعبير عن نفسه بثقة واحترام، دون اللجوء إلى العدوانية أو الاستسلام، وتتطلب هذه المهارة توجيها مستمرا من الأهل وتدريبا عمليا يساعد الطفل على فهم كيفية التعامل مع المواقف الصعبة بشكل بناء."
ويذكر الغزو مثالا "إذا تعرض لموقف مزعج من زميل، يمكنه أن يرد بثبات وهدوء بدلا من الرد بغضب أو الانسحاب." وضرورة تعليم الطفل التعرف على مشاعره وفهم ما يشعر به عند التعرض للإساءة، مثل "أشعر بالحزن عندما يسخر مني أحد"، وهذا يساعده على التعبير عن مشاعره بطريقة مباشرة.
ويفضل تدريب الطفل على استخدام عبارات بناءة بدلا من الهجوم أو الصمت، مثل "لا أحب هذا التصرف، أرجو أن تتوقف، وهنا مهم لرسم حدوده مع الآخرين، أو"لم يعجبني ما قلته لي، لأنه أزعجني"، وأحيانا حسب الغزو تجاهل الإساءة إذ إن ليس كل موقف يستدعي الرد خصوصا إذا كان التعليق سخيفا أو الهدف منه الاستفزاز، يمكن تعليم الطفل أن يتجاهله ويمضي قدما.
وينصح الأهالي أن يتواجدوا مع أطفالهم بشكل دائم وأن يكون اللعب تحفيزا لهم ومؤثرا كاللعب التخيلي. ويشرح الغزو " إذ يمكن للأهل أو المعلمين تقديم سيناريوهات محتملة للطفل مثل التعرض للسخرية من شكله أو ملابسه، والتدرب على كيفية الرد بطريقة إيجابية."
وبعد اللعبة يمكن مناقشة ما قام به الطفل، وتعزيز النقاط الإيجابية وتصحيح النقاط التي تحتاج إلى تحسين مع تهدئة الطفل وفهم موقفه عندما يتعرض الطفل لموقف صعب أو جارح.
ويتحدث الغزو عن حالة أم سليم بأن من الضروري أن يتعلم الأهل هنا أن الحياة تعلم الكثير واكتشاف الحياة مع الأبناء مختلف عن ذي قبل، فمثلا تعليم طفلتها التنفس العميق وهي تقنية بسيطة لكن تساعد على الهدوء وتقليل التوتر، وتشجيعها على تطوير ذاتها من خلال رسم حدود بين ابنتها وبين من يسيء لها حتى وإن كانوا أصدقاء، مما يساعدها على احترام ذاتها وتعزيز ثقتها وأن تكون قادرة على التحكم في نفسها.
وأخيراً، يرى خبراء أن الحياة تحمل الكثير من الدروس التي يتعلمها الأطفال مع مرور الوقت، لكنها تتطلب أيضا دعما كبيرا من الأهل والمدرسة بإكسابهم مهارات التعامل مع الإساءة بطرق إيجابية تعزز من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على المواجهة.