كاميليا حسين
لطالما ارتبطت مفاهيم التفوق والنجاح الدراسي والأكاديمي بمهارات مثل القدرة على البحث والإبداع، واستعادة المعلومات واستذكارها، والقدرة على حل المشكلات. ولكن مع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة لم يعد الطلاب بحاجة إلى قضاء ساعات طويلة من البحث في المراجع، أو قراءة عشرات الكتب والأبحاث، أو حتى إعداد العروض التقديمية والأبحاث المطلوبة منهم، بل بات بإمكانهم الحصول على الإجابات وتلخيص عشرات البيانات بضغطة زر. وهو ما أدى لتزايد اعتماد الطلاب على أدوات الذكاء الاصطناعي في دراستهم.
ووفقا لاستطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث عام 2024 على مجموعة من المراهقين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما، استخدم نحو 26% منهم أدوات الذكاء الاصطناعي في أداء واجباتهم المدرسية.
ومن الناحية الإيجابية يمكن أن تفتح أدوات الذكاء الاصطناعي آفاقا جديدة أمام الطلاب، عبر اختصار الوقت اللازم لأداء المهام الروتينية أو الرتيبة مما يوفر لهم فرصة للإبداع والابتكار، كما يمكنها مساعدتهم في التعامل مع البيانات الضخمة وتنظيمها، وكذلك في شرح المفاهيم المعقدة.
لكن للأسف هناك جانب سلبي واضح للذكاء الاصطناعي يتمثل في تحوله أحيانا إلى أداة للغش الأكاديمي وبديل عن المذاكرة والاجتهاد، حيث يستخدمه الكثير من الطلاب في عمل الواجبات المدرسية وكتابة الأوراق والأبحاث العلمية مما يؤثر على عملية التعلم.
هل يُحرم أبناؤك من مهاراتهم؟
يحذر الخبراء من الاعتماد المفرط على أدوات الذكاء الاصطناعي والذي قد يؤدي بمرور الوقت إلى تراجع الدافع لمحاولات الحل والتجريب، وهو ما يضعف قدرات العقل البشري ويتسبب في إيجاد نوع من الكسل المعرفي، حيث تشبه هذه القدرات العضلات بشكل أو بآخر في الاحتياج إلى التمرين كي لا تضمر بمرور الوقت.
ومن بين الجوانب السلبية الأخرى لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الدراسة ما يطلق عليه "هلوسة الذكاء الاصطناعي" حيث تجيب أدواته في كثير من الأحيان بمعلومات خاطئة، وهو ما يعني أن أبناءك يحتاجون للتحقق من صحة المعلومات التي يحصلون عليها من خلال مقارنتها بمصادر أخرى موثوقة.
ويحذر الخبراء أيضا من الناحية الاجتماعية حيث قد يتعامل بعض الصغار والمراهقين مع الذكاء الاصطناعي باعتباره شخصا حقيقيا، وهو ما قد يشجع على الانخراط في أحاديث حميمة مع نماذج دردشة الذكاء الاصطناعي، أو الحصول على نصائح غير مناسبة، أو استخدامه بديلا للعلاقات مع البشر الحقيقيين وهو ما يؤثر على مهاراتهم الاجتماعية.
تطور طبيعي أم خطر كامن؟
لكن هل يعني هذا أن علينا عزل أبنائنا عن أدوات الذكاء الاصطناعي لتجنب مخاطرها؟ وتبدو هذه الفكرة بعيدة عن الواقع خاصة مع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، وظهورها أمامهم في كل مكان، وقد أصبح التعامل معها جزءا من التطور التكنولوجي الطبيعي، وهو ما يعني أن حرمان أبنائك من هذه الأدوات قد يؤدي لنوع من العزلة التكنولوجية في المستقبل. وفي المقابل يوصي الخبراء باتباع النصائح التالية:
التركيز على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي كأدوات للمساعدة في التعلم لا للحصول على الحل النهائي. وعلى سبيل المثال، يمكن استخدامه وسيلة لشرح المفاهيم الصعبة أو مناقشة الأفكار وتبادلها، لا وسيلة للتفكير أو الإجابة.
الحديث مع أبنائك عن الهدف من التعلم وتنمية القدرات العقلية كأهداف أساسية، وهو ما يعني أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الغش أو كتابة الواجبات المدرسية يحرمهم من فرصة التعلم.
الاتفاق مع الأبناء بشكل مسبق حول حدود استخدامهم لأدوات الذكاء الاصطناعي، والتحقق بانتظام حول التزامهم بالقواعد.
التأكد من وضع ضوابط زمنية كي لا تتحول هذه الأدوات إلى بدائل للحياة الاجتماعية الواقعية.
التأكد من ألا يشارك أبناؤك معلومات شخصية مع أدوات الذكاء الاصطناعي، وألا يتعاملوا معها كوسيلة للحصول على حلول للمشكلات الشخصية.
كيف يستفيد أبناؤك من الذكاء الاصطناعي؟
رغم مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي، هناك تطبيقات يمكن أن تكون عونا أكاديميا حقيقيا للطلاب إذا استخدمت بذكاء، ومنها على سبيل المثال:
الترجمة للاطلاع على مصادر ومراجع بلغات مختلفة.
تعلم اللغات عبر المحادثات التفاعلية.
تبسيط العلوم وشرح المفاهيم الصعبة.
استخدام أدوات المساعدة في البرمجة والأكواد والتي تشرح خطوات الحل ولا تمنحهم نتائج جاهزة.
وعلى غرار مختلف أدوات التكنولوجيا فالذكاء الاصطناعي أشبه بسلاح ذي حدين، والأمر يتوقف على طريقة استخدامه، إما أن يفتح الأبواب أمام مساحات أرحب من الإبداع، أو يخلف جيلا كسولا يعتمد على الآلات ويتجاهل الاجتهاد وفرص النمو.