نبيل حاجي نائف: الخوف شعور طبيعي لدى الناس، بل لدى جميع الكائنات الحية، وكل إنسان يستجيب لهذا ‏الشعور بطريقة مختلفة، ولكن قد يزيد الخوف عن حده الطبيعي فيصبح عندئذ غير طبيعي، ‏وهو ما يطلق عليه "الرهاب".

قد يصاب الشخص بالرهاب من أشياء عديدة مثل الخوف من ‏الأماكن المرتفعة، أو الأماكن العامة أو الحيوانات والزواحف إلى حد لا يتناسب مع خطورة ‏تلك الأشياء بحيث يتحول من إنسان طبيعي إلى شخص لا يمكنه أداء وظائفه بشكل طبيعي. ‏


ومن أنواع الرهاب التي تصيب الإنسان الرهاب الاجتماعي وهو: خوف وارتباك وقلق ‏‏"وخجل" الشخص عند قيامه بأداء قول أوعمل ما، أمام مرأى الآخرين أو مسامعهم، وهو ‏يؤدي به إلى تفادي المواقف والمناسبات الاجتماعية التي يمكن أن تسبب له هذا الارتباك. ‏ويعتبر الرهاب الاجتماعي من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً، وتصل نسبة انتشاره إلى ‏‏14 بالمئة من السكان.‏

إن الخوف من الغرباء يبدأ مع الطفل منذ الشهر السادس، وذلك بشكل غريزي، ويتعلم الطفل ‏أثناء نموه كيف يفهم الآخرين ويعرف نواياهم فهو يطمئن لهذا وينزعج من ذاك أو يخاف ‏منه، وكثيرا ما يعتري الفرد خوف من الرفض أو الانتقاد من قبل الآخرين.

وبالتالي فالتجارب ‏السلبية والإيجابية التي يعيشها في بدايات حياته ستترسخ في فكره. ومن خلال تفاعله مع ‏الآخرين وكونه مفرض الحساسية، وفهمه موقفهم السلبي تجاهه تتكون لديه نظرة سلبية أو ‏عدائية عن الآخرين، وأيضاً تهتز ثقته ونظرته لنفسه.

ويلعب الضغط الاجتماعي دورا مهما ‏في ذلك، قد يحدث بأن يحاول الفرد أن يكون متميزا عن الجماعة وتكون أفكاره انضج من ‏أفكار الآخرين، وعندها يقوم الآخرون بمهاجمته ونقدة بسبب الغيرة.

في هذه الحالات يمكن ‏أن يتكوّن لديه الرهاب الاجتماعي نتيجة القلق والخوف والخجل من تقيم الآخرين السلبي لـ ‏‏– قدراته - شكله وملبسه - تصرفه وأدائه، ويصبح يتحاشى التواصل مع الغرباء .

فهو ‏يخاف أن يظهر أو يتصرف بطريقة يمكن أن تؤدي إلى إهانته أو التقليل من شأنه. والضعف ‏وعدم القدرة على الرد على الإهاناة أو النقد بالإضافة لعدم الثقة بالنفس هو ما يزيد الأمور ‏صعوبةً، والخوف منها.

وإذا كانت الجماعة المتحدث إليها صديقة ومشجعة فعندها يمكن أن ‏لا يظهر الرهاب الاجتماعي.‏

يشكو غالبية الناس من الخوف من الاتصال مع جماعة ، فالاتصال مع شخص واحد دوماً ‏يكون أسهل، لقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن 90% من الناس يشعرون بقليل من الرهبة أو ‏الخوف من الاتصال بالآخرين الأفراد.

فجميع الناس يشعرون بالارتباك أمام الجمهور في ‏الدقائق الأولى من إلقاء محاضرة أو كلمة أو خطبة. ويعتمد طول فترة الارتباك على الموقف ‏وحالة الفرد النفسية آنذاك، وغالباً ما يكون هذا لفترة قصيرة ثم يزول تدريجيا عند الأشخاص ‏العاديين. ويلعب التدريب دورا مهما في التقليل من مثل هذا الارتباك.

ويقول المثل "إذا خفت ‏لا تقل وإذا قلت لا تخف". أما المصاب بالرهاب الاجتماعي فهو يخاف بشكل غير طبيعي ‏عندما يتواصل مع جماعة، فهو يتصور أن الجميع ينظرون إليه بتمعن وانتقاد ويراقبون ‏حركاته وسكناته.

وهذا الخوف الشديد يؤدي إلى استثارةٍ قوية للجهاز العصبي غير الإرادي ‏حيث يتم إفراز هرمون "الادرينالين" بكميات كبيرة تفوق المعتاد مما يؤدي إلى ظهور ‏الأعراض البدنية على الإنسان الخجول في المواقف العصبية، كالتلعثم في الكلام وجفاف ‏الريق، تسارع نبضات القلب واضطراب التنفس، ارتجاف الأطراف وشد العضلات، تشتت ‏الأفكار وضعف التركيز، وهذا ما يصعب الأمر عليه ويزيد من احتمال فشله. ‏

يصنف الرهاب الاجتماعي ضمن أمراض أو اضطرابات القلق والتي هي عبارة عن زيادة في ‏معدل القلق لحد أعلى من الطبيعة، والقلق نوع من المشاعر الطبيعية فبسبب أفكار معينة ‏عنوانها الخوف وعدم التأكد مما صار أو سيصير يبدأ الجسم بالاستجابة لهذه الفكرة بافراز ‏مادة "الادرينالين" وهي المادة المحفزة التي تجعل كل الجسم يتحفز للدفاع عن نفسه أو الهروب ‏من مكان الخطر.‏

ولظروف النشأة، دور في ظهور القلق عموما والرهاب الاجتماعي خصوصا، فهناك اشياء ‏كثيرة تجعل الثقة بالنفس مهزوزة ما يجعل الانسان لا يجرؤ ولا يستطيع التعبير عن نفسه أمام ‏الآخرين بسهولة ، بسبب شكه في قدراته أو بسبب قسوة من حوله فيهينونه. فيقلق ويتوتر إذا ‏اضطر للتحدث أمام الناس أو مقابلتهم، فمن يعيش ظروفا في طفولته بهذا الشكل فإنه قد ‏يصاب بالقلق أو الرهاب الاجتماعي تحديدا.

والقلق يمكن أن يكون متوارثا والدليل على هذا ‏ان القلق ينتشر في عائلات معينة، وان المصاب بالرهاب الاجتماعي هناك احتمال أكبر ان ‏أحد أقاربه مصاب بهذه الحالة، وقد ظهر أن للوراثة دور في تشكل الرهاب الاجتماعي، فقد ‏وجدت إحدى الدراسات أن التوائم الحقيقية إذا كان هذا الاضطراب موجود لدى أحدهما غالباً ‏ما يوجد لدى الآخر، مما يدل على وجود عوامل وراثية كيميائية تساهم في ظهور ‏هذاالاضطراب، وكذلك دلت دراسات على انتقاله من جيل لآخر ضمن العائلة.‏

‏ وفي دراسة متميزة أجريت بجامعة ستانفورد الأميركية وشملت عشرة آلاف شخص من ‏مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية والعرقية، تبين أن حوالي 15% من الأفراد الذين شملهم ‏البحث مصابون بمرض الحياء الشديد، كما وأن حوالي 40% أيضا من الذين لم يصنفوا ‏ضمن المصابين بالمرض، أكدوا أنهم كانوا يعانون من الخجل الشديد ولكن تمكنوا من الشفاء ‏منه بعد استخدام وسائل وسلوكيات معينة ساعدت على تخلصهم من مشكلة الخجل والحياء ‏الزائد .

وقد رأت إحدى النظريات أن المصابين به لديهم إثارة غير اعتيادية طويلة الأمد أو ‏شديدة، تبقى بعد التعرض لموقف مقلق أو مخيف .

فالخجل والقلق الشديد في المواقف ‏الاجتماعية اضطراب نفسي اجتماعي يعاني منه الكثير من أفراد المجتمعات الإنسانية ، ومن ‏أسبابه:‏
‏- الوراثة - فقدان المهارات الاجتماعية - نظرة سلبية للنفس والذات.

ان تفاعل كل منا مع المجتمع ينبني على مجموعة تجاربه التي تولد عنده نمط تفكير معين، ‏فمن يفشل مرة ويتأذى بسبب ذلك، قد يفشل المرة التالية ليس بسبب عدم قدرته لكن لأنه ‏ترسخت عنده فكرة انه سيفشل، فيفشل.

وكذلك من تعود على ان يقوم الآخرون بتخويفه ‏واهانته عند طلبه شيئا ما، فإنه عندما يعيش في مكان آخر تصاحبه هذه الفكرة فيخشى طلب ‏شيء بسبب الفكرة التي ترسخت عنده انه سيهان أو يخوف عندما يطلب شيئاً . وهكذا الرهاب ‏الاجتماعي قد يكون استجابة لفكرة خاطئة ان ما حوالي الفرد مخيف أو انه لن يقدر عليه أو ‏أنه سيفشل فيقلق زيادة ويتحقق ما يتوقعه بسبب ذلك .

ما يراه الباحثون عموماً: ان الانسان يرث موروثا يجعل مستوى قلقه في الإطار الطبيعي ‏وهذا الطبع الموروث يزيد أو ينقص بحسب الظروف التي يمر بها الانسان فإن مر بتجارب ‏صعبة متكرر ونقد جارح فإن الأفكار القلقة ستترسخ عنده ويزداد معدل القلق ليصل إلى حالة ‏مرضية تؤثر على أداء الإنسان وحياته، فيفشل في بعض الأمور المهمة بسبب تجنبه هذا القلق ‏الناتج عند مواجهته للمجتمع وحاجته للتفاعل معه.‏

وتؤكد النظريات السلوكية على حدوث تعلم شرطي وارتباط سلبي بين تحقيق الفرد لشخصيته ‏ووجوده مع الآخرين، وأن هذا التعلم حدث خلال بدايات الحياة في عمر 4-6 سنوات، وهو ‏يؤدي إلى حساسية مرضية قلق وخوف من المواقف الاجتماعية الشبيهة لمواقف قديمة عانى ‏الفرد منها.

وتؤكد أيضاً على أهمية المهارات الاجتماعية وضعفها في حالات الرهاب ‏الاجتماعي، ويؤدي نقص فرص التعبير عن الذات ونقص التشجيع وازدياد التنافس والعدوانية ‏إلى المساهمة في نشوء الرهاب الاجتماعي، وكل ما يساهم في تكوين صورة سلبية عن الذات ‏وعدم التعبير المناسب والتشجيع يمكن أن يساهم في استمرار الرهاب الاجتماعي.‏

وأشهر المواقف التي يظهر فيها هذا الاضطراب:‏
التقدم للإمامة في الصلاة الجهرية. إلقاء كلمة أمام الطابور الصباحي في المدرسة. التحدث ‏أمام مجموعة من الناس لم يعتد الشخص عليهم. المقابلة الشخصية. الامتحانات الشفوية. ‏الحديث مع المسؤولين. إلقاء نكتة. إعادة بضاعة تم شراؤها. الحديث مع الجنس الآخر. ‏الحديث على الهاتف أمام الآخرين.

القيام بالواجبات الاجتماعية كتقديم الشاي والمشروبات أو ‏مقابلة الضيوف، فمثلا عندما يقوم احدهم بأخذ فنجان الشاي والقهوة لايستطيع او قد تسقط ‏منه. وقد تمتد هذه الحالة إلى تجنب المجتمعات عموما والهروب خشية الاحراج.‏

مضاعفات الرهاب
يُصاب بالرهاب الاجتماعي الشخص في الصغر وتظهر نتائجه في المراهقة والشباب، فتظهر ‏تأثيراته السلبية والمعاناة منها بالظهور بشكل واضح في أواخر المراهقة وأول سنوات ‏الشباب. فيؤدي الرهاب الاجتماعي إلى صعوبة التحدث مع الأشخاص الجدد والحرمان من ‏التعرف بهم.

ويؤدي هذا النوع من الخوف إلى صعوبة في الإجادة في الكلام بحيث لا يستطيع ‏الفرد التعبير عن ملاحظاته وقيمه، وسوف يلاقي الشخص المصاب به صعوبة في مادة ‏القراءة، وهذا يؤدي غالباً إلى ضعفه لغويا. ويجعل الشخص سلبياً ومعرضاً عن المشاركة في ‏المواقف والمناسبات الاجتماعية. ويمنعه من تطوير قدراته وتحسين مهاراته. ويؤدي إلى ‏ضياع حقوقه دون أن يبدي رأيه، ويؤدي به إلى مصاعب حياتية، وصراع نفسي داخلي قد ‏يؤدي إلى مضاعفات نفسية مثل الانطواء والاكتئاب.‏

علاج المشكلة
مفتاح التغلب على الرهاب الاجتماعي هو تحدي الأفكار الخاطئة التي تسيطر على الذهن عند ‏التعرض للمواقف الاجتماعية فإذا تمكن الإنسان من تحدي تلك الأفكار والتغلب عليها فسوف ‏تصبح الأمور أسهل.‏

تعلم المهارات التي تمنعك من الوقوع في الحرج في المواقف الطارئة.‏
الاهتمام بلباسك ومظهرك فهو يساعد بتعزز ثقتك بنفسك وبقدراتك.‏
التدرج في مقابلة الآخرين والتحدث أمامهم بصوت مرتفع ، ويمكن أن يبدأ بمجموعة صغيرة ‏ممن يعرفهم ويشجعونه ، فيحضر كلمة قصيرة تحضيراً جيداً وتتدرب على إلقائها مسبقاً ثم ‏يلقيها عليهم وتكرار ذلك.‏

يمكن الاستفادة من البرامج النفسية والسلوكية للتغلب على الخجل وهي تجرى تحت إشراف ‏مختص في هذا الأمر ولها نتائج باهرة.‏
كما تلعب المظاهر المختلفة مثل: التعزيز والاطمئنان والإدراك والدوافع دورا مهما في نمو ‏الذات. يتعلم الفرد تلك المظاهر خلال التنشئة الاجتماعية ، عن طريق العائلة والأصدقاء ‏والمعلمين ورجال الدين.

وهناك جلسات علاج سلوكي ومعرفي تقوم على دعم الفرد وتعريضه لمواطن القلق مع ‏مساندته وحسب خطة مسبقة ، وكذلك تقوم على مراقبة الأفكار السلبية ومحاولة تغييرها . ‏وهذا المحور مهم جداً لتخفيف انتكاسات الحالة لكن لا بد من أن يكون من يعالج بهذه الطريقة ‏متدرب بشكل كاف. لأننا للأسف نرى انتشاراً للاخصائيين النفسيين الذين لا يعرفون كيف ‏يقومون بهذه الجلسات العلاجية ، مما يفقد الناس الثقة في هذا التخصص وفي العلاج النفسي ‏عموماً.‏

وهناك العلاج الاجتماعي وهو مهم لتخفيف الضغوط على الفرد وتصحيح ممارسة كثيرمن ‏الأفراد الذين يعانون منه.‏
إن حالات القلق بطبيعتها حالات مزمنة تخف بشكل كبير نتيجة المعالجة ، لكن قد تعود بسبب ‏استقرار الضغوط النفسية، وهذا يتفاوت من شخص إلى آخر، لكن الانتكاس ليس معناه فشل ‏العلاج لكن معناه ان شدة الرهاب عالية، وأن الفرد قد يحتاج لعلاج أقوى أو علاج مستمر أو ‏علاج نفسي فعال ومركز. أيضاً يحدث الانتكاس بسبب ارتباط الرهاب بأمراض أخرى فيرجع ‏مع الاكتئاب مثلاً.‏

العلاج الدوائي ‏
مضادات السيتينين الحديثة، فهي العلاج الأساسي للرهاب الاجتماعي،
المهدئات من زمر بنزوديازيبام ويمكن إعطاؤها قبل المواقف المزعجة بساعة.‏
هناك أدوية هي علاج لا مهدئ، ولا تبدأ في إحداث أثر إلا بعد أسابيع، وهي مثل سيروكسات ‏سبرام فارفارين بروزاك ريمرون لسترال وهذه لابد من استعمالها تحت إشراف طبي سواء ‏من طبيب نفسي أو طبيب العائلة.‏

وهناك أدوية مهدئة سريعة للقلق: استعمالها محدود ومؤقت لكن تفيد وقت الأزمات للتغلب ‏على القلق . وهناك أدوية تخفض الأعراض العضوية للقلق ولا تخفف القلق ذاته وهذه الأدوية ‏تمنع الارتعاشة وجفاف الريق وزيادة النبضات مما يعطي الفرد قدرة أكثر على مقاومة القلق ‏نفسه لقلة الأعراض العضوية.‏

 

 

العرب أون لاين

JoomShaper