معتز الجعبري - الأردن

ساءت علاقتنا في الفترة الأخيرة، واتجهت من طرفي نحو اللوم والتوبيخ وأحيانا عقابه وحبسه خمس دقائق على ذمة مشاكسة. أما من طرفه فقد جمع في الفترة الأخيرة بين سلوكين متناقضين فبات كثير الحركة مشاغباً على غير عادته، وفي نفس الوقت ساهم التفكير وذاهل العقل يبدو عليه التوتر واضحاً من حركات أصابعه ويديه.


شعرت ببعض القلق أن تنحدر علاقة الصحبة المتينة مع طفلي الأول ذي الثمانية أعوام إلى هذا الصعيد من المخاصمة، وأن يخبو بريق ذهنه إلى شرود وتوتر. كنت أذكّره كثيراً بأننا نريد أن نعيد أيام الصداقة بيننا ونتعاهد على ذلك، فلا ألبث أن أفقد أعصابي أمام خطأ ارتكبه وبعد تراكمات وتقارير عن أخطاء ارتكبها يستقبلني بها شقيقه (الحمامة الزاجلة) لدى دخولي البيت.

بعد صلاة فجر كان أمامي إنجاز بعض الأعمال الكتابية على الحاسوب، واسترعى انتباهي على سطح مكتبه وجود مجلد باسم "قصص"، ولا أذكر أني استحدثت مجلداً بهذا الاسم ولما فتحته وجدت أنه لطفلي البكر، ذلك أنه أخبرني في وقت سابق عزمه على كتابة بعض القصص واتصل بي ذات مرة يسألني عن تفاصيل في قصة أصحاب الأخدود. محتويات المجلد دلت على حسن تصنيفه وتفريقه بين أنواع القصص فقد حملت ملفاته العناوين التالية: قصص مرعبة، قصص مضحكة، قصص أطفال، قصص دينية، قصص أنبياء، قصص خيالية.

شعرت بفرح وفخر غامرين وأنا أفتح ملفات ولدي وأقرأ ما كتبت أنامله الصغيرة، ووخزني شعور بالألم والإحباط لأني اتبعت أسلوب توبيخي تجاه أخطائه في الفترة الأخيرة.

واكتشفت في لحظات الصفاء تلك، الوجه الآخر للحقيقة، فقد أظهر في الفترة الأخيرة تناقضا سلوكيا يجمع بين الشراسة والاضطراب والخوف الليلي كنوع من الاحتجاج على إهمالنا له، وتحميلنا له بعضاً من تبعات وهموم الكبار.

تذكرت أنني أواجه كثيرا من أخطائه الطفولية بتقييم خاطىء نابع من شعوري بأنه هو الكبير الذي يجب أن يكون القدوة لإخوته متناسياً أنه طفل مهما تصنّع جدية الكبار وتحدث بأحاديثهم.

واسترجعت نقطة أخرى رصدتها زوجتي وكنت أستبعدها، وهي غيرته، فمن حقه أن يغار من الحضور الطاغي لأخته ذات الستة أشهر، تلك الغيرة المحمودة التي لا تتنافى مع حبه له واهتمامه بها.

تذكرت أمراً آخر وهو أن انشغالي بين عملي ودراستي وضيوف الصيف الكثيرين قد أضرّ كثيراً بالالتفات لأحبائي الصغار والالتفاف حولهم ومصاحبتهم للمساجد والجلوس على مائدة القرآن الكريم.

إن كل العوامل السابقة تمتزج لتشكل تفسيراً لسلوكيات طفلي الأخيرة، وتحمل له الكثير من العذر، وتفرض عليّ وعلى زوجتي الكثير من رحابة الصدر والتفهم المقرون بالاهتمام والتفهم والاحتضان.

عدت لملفات طفلي القصصية وكتبت في كل واحد منها عبارات إطراء لصنيعه، وكتبت بعض الملاحظات اللطيفة والمقدمات الخفيفة لقصصه، وحرصت في نهار ذلك اليوم على الاتصال به وطلبت إليه أن يفتح ملفاته.

بعد عشاء تلك الليلة، وبعد انفضاض سامر الصيف جلس ثلاثتنا فقط؛ أنا وزوجتي وأحمد وكان يصنع فراشات من ورق، وكنت أشاركه الاهتمام والحبور بفراشاته ويبدو أنه لم يكن حاضر الذهن ولا رائق المزاج فحسب، بل إن روحه حلّقت مع فراشاته إلى آفق الشعر الذي قرضه لأول مرة:
فراشتي البيضاء
تطير في الفضاء
تحلّق عالياً في السماء

 

JoomShaper