سهير بشناق
في الوقت الذي تلجأ فيه الامهات العاملات الى خيار الحضانات لاطفالهن خلال فترات العمل الا ان هناك اطفالا يقضون اكثر من عشر ساعات يوميا يتنقلون من حضانة الى اخرى او يبقون في ذات الحضانات هذه الفترة الزمنية الطويلة الامر الذي يؤثر سلبا على هؤلاء الاطفال الذين لا يزالون دون سن المدرسة.
احد الاطفال يبلغ من العمر اربع سنوات يذهب صباحا الى روضة ينتهي دوامها الساعة الواحدة ظهرا ويبقى في صف الانتظار للساعة الثالثة عصرا ثم ينتقل بعدها الى حضانة شقيقته البالغة من العمر عاما واحدا لينضم اليها حتى الساعة الرابعة عصرا موعد قدوم والدتهما لاصطحابهما من الحضانة .
عشر ساعات يقضيها اطفال ما بين الحضانات والروضات التي يجب ان يعود بعدها الطفل الى بيته ليجد الرعاية التي يحتاجها واهمها شعوره بالحنان من قبل والديه ، لكن هؤلاء الاطفال الذين يقضون هذه الفترة الزمنية الطويلة بالحضانات او الذين ينهون روضاتهم ليذهبوا بعدها الى ساعات انتظار اخرى يعانون كما يؤكد الاخصائيون النفسيون من فقدان حنان كبير قد لا يستطيعون التعبير عنه بلغتهم الطفولية الى ان سلوكياتهم تدل على ذلك .
تقول مديرة احدى الحضانات - فضلت عدم الاشارة لاسمها - ان هناك اطفالا لم يبلغوا العام الواحد من اعمارهم يقضون عشر ساعات يوميا بالحضانة بسبب طبيعة عمل امهاتهم .
واضافت : هؤلاء الاطفال يحضرون للحضانة الساعة الثامنة صباحا ويذهبون لبيوتهم الساعة الرابعة عصرا ويقضون اوقاتا طويلة بالحضانة مما يؤثر سلبا عليهم مشيرة الى ان الحضانات وجدت لمساعدة الامهات العاملات في الاعتناء باطفالهن لكن الطفل يحتاج لوجوده بجانب والدته خاصة في مراحل عمره الاولى وغيابه عنها هذه المدة الطويلة لا بد ان يؤثر عليه لانه يفتقدها ولا يستطيع التعبير عن غضبه لابتعاده عنها سوى ببعض السلوكيات .
واكدت اهمية ان يعود الطفل لاسرته في وقت محدد بحيث لا يقضي ساعات طويلة بالحضانة وفي حالة تعذر وجود الام في المنزل فقد يذهب الطفل الى بيت اجداده ان امكن ذلك .
وتقول ام زيد - ام لطفلين - تعمل في احدى البنوك - انها لطبيعة عملها وانتهاء دوامها الساعة الثالثة عصرا لا تجد خيارا سوى وضع طفليها بالحضانة .
واضافت : اعلم ان ساعات وجودهم في الحضانة ساعات طويلة فنحن لا نصل المنزل قبل الساعة الرابعة عصرا لكن لا خيارات اخرى امامي. واشارت الى ان طفلتها البالغة من العمر عاما واحدا ترفض كل يوم الخروج والذهاب للحضانة وتبدا بالبكاء عند الخروج من المنزل وتبقى على بكائها بعد فترة من وضعها بالحضانة.
وبينت انها عندما تعود الى المنزل تبقى طفلتها متمسكة بها رافضة تركها للقيام بواجبات المنزل مبينة انها تشعر بالحزن كل يوم لانها تترك طفليها لكنها في ذات الوقت لا تستطيع ان تتخلى عن عملها .
وتشير منال - ام عاملة في احدى الوزارات - انها ترسل طفلها البالغ من العمر خمسة اشهر الى الحضانة لانه لا يوجد من يعتني به فترة غيابها عنه لكنها تؤكد انها عندما تعود للمنزل تحاول قضاء وقت كاف معه لانه بالرغم من صغر عمره الا انها تشعر بانه يفتقدها ولا يهدا الا عندما يكون بحضنها .
وان كان خيار الحضانات هو الخيار الاكثر تداولا بين الامهات العاملات الى جانب خيار ابقاء الاطفال في المنزل برفقة الخادمات الا ان بقاء الطفل في الحضانات لفترات طويلة وخاصة الاطفال الذين ينهون ساعات في الروضات ويكملون يومهم بالانتظار بحضانات اخرى يترك اثارا نفسية سلبية عليهم .
الدكتورة اوجيني مدانات اخصائية تربية طفل اكدت ان الطفل يشعر بوجود والديه حتى في بداية حياته فهو يشم رائحة والدته عندما تقوم بارضاعه بعد ساعات من ولادته ويشعر بحنانها فهذه العلاقة و الرابطة التي تربط الام باطفالها تبدا وهو لا يزال جنينا في رحمها .
واضافت : ان الاطفال الذين يقضون اوقاتا طويلة بالحضانات يتاثرون لغياب امهاتهم عنهم ويحتاجون لرعاية مضاعفة عندما تعود الام الى بيتها في الوقت الذي تكون به اغلب الامهات العاملات منشغلات بامور المنزل ليعود الطفل الى وحدة جديدة تبدا بذهابه الى الحضانة ولا تنتهي بعودته الى بيته .
وتشير الاخصائية الاجتماعية سوزان رضوان ان الاطفال يتاثرون بغيابهم عن امهاتهم فترات طويلة ويظهر هذا التاثر من خلال سلوكياتهم في حالة كون الطفل في عمر صغير لا يستطيع به الكلام .
واضافت هناك اطفال يلجاون الى البكاء وعدم القدرة على النوم بشكل مريح فهم يفيقون خلال الليل مرات كثيرة ويبداون بالبكاء بسبب خوفهم وقلقهم من ابتعادهم عن امهاتهم مشيرة الى انه ان كان من الضروري بسبب طبيعة عمل الام ان تضع طفلها بالحضانة وان يقتصر هذا على ساعات محددة لا ان يبقى الطفل اكثر من عشر ساعات بعيدا عنها .
واكدت اهمية اشراك الاسرة الممتدة من الاجداد والعمات والخالات في رعاية الاطفال فهم يساعدون من خلال ابقاء الطفل عندهم بعد انتهاء ساعات الحضانة الرسمية لحين عودة امه اليه مما يسهم في تخفيف العبء النفسي على الطفل لشعوره بانه بين اناس اعتاد عليهم فيشعر بالامن .
واشارت الى ضرورة ايلاء الطفل العناية الكاملة بعد عودته الى المنزل بحيث تحاول الام ان تقضي وقتا كافيا معه من خلال اطعامه و مداعبته والحديث معه وهذا الامر ينطبق على الاطفال دون سن المدرسة فمشاركتهم اللعب والحديث معهم واصطحابهم الى اسرتهم قبل النوم والبقاء معهم فترة من الوقت يسهم في التعويض عن الساعات التي يغيبون بها عن امهاتهم .
ويرى اخصائيون في تربية الطفل ان ابقاء الطفل برفقة والدته - غير العاملة - اكبر وقت ممكن قبل سن المدرسة ، فيما يرى اخرون ان الطفل في عمر الثلاث سنوات من الضرورة ارساله الى الحضانة ليتعلم مشاركة الاخرين في اللعب ويتعلم سلوكيات ومفاهيم جديدة تؤهله لمرحلة المدرسة .
لكن الطفل الذي يقضي ساعات طويلة بالحضانة بعيدا عن والديه وخاصة الامهات يحتاج للحنان المضاعف والرعاية التي لا تنتهي عند حدود تلبية احتياجاته الاساسية فقط فالاطفال هم الاكثر حاجة للشعور بالحنان والعطف فبقاؤهم بعيدين عن امهاتهم ساعات طويلة لا بد ان يشعرهم بالغضب الداخلي والافتقاد لحضن الام التي بسبب طبيعة عملها تبتعد عن اطفالها هذه الفترات الطويلة .
جريدة الرأي