سحر محمد يسري
وكيف يصلون بالأبناء إلى الطريقة المثلى في الإنفاق من الاعتدال بين البخل والتقتير والإسراف والتبذير؟
أعزائي المربين.. إنه موضوعنا اليوم إن شاء الله تعالى، فإلى هذه السطور نتعرف على مفردات التربية الاقتصادية للطفل.
أعزائي، لا شك أن المال عصب الحياة، وهو مع الولد زينة الحياة الدنيا كما قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:46].
وهو أيضًا أحد الكليات الخمس التي أمرنا الشرع الحنيف أن نحافظ عليها (الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال) حتى أن من قتل دفاعًا عن ماله يعد شهيدًا عند الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد) [رواه أحمد وقال الألباني: حديث صحيح].
وفي منهج التربية الإسلامية للأولاد تتميز عملية التربية بالتوازن والشمول فلا إفراط ولا تفريط؛ حتى ينشأ الطفل نشأة صالحة سوية ليس فقط في العقيدة والأخلاق بل أيضًا في السلوكيات المنضبطة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ومنها السلوك الاقتصادي في الإنفاق والكسب والادخار والاستثمار.
أهمية التربية الاقتصادية للطفل:
إذا تربى الطفل منذ نعومة أظافره على النظرة الصحيحة إلى المال و التعامل معه وحسن إدارته بطريقة صحيحة كان لذلك أثرًا طيبًا على مستقبل حياته كلها، وللتربية الاقتصادية عدة أهداف وفوائد تتركز في إيجاد جيل يعتمد على نفسه، وعندما يتخرج الطالب من المرحلة الثانوية، لا ينتظر الوظيفة أو الانتهاء من الحياة الجامعية للتعيين، بل يستوعب درس الحياة والنجاح فيها وهو على مقاعد الدراسة، ويتعلم مبكرًا كيف يدير ماله بشكل صحيح.
كيف تؤثر التربية الإيمانية على سلوك الطفل الاقتصادي؟
لا شك أن هناك علاقة قوية بين التربية الإيمانية والتربية الاقتصادية للطفل، حيث يجب أن نغرس في معتقدات أبنائنا منذ الصغر بعض المفاهيم الإيمانية ذات الطابع الاقتصادي منها على سبيل المثال:
- أن المال الذي معنا ملكٌ لله، وهبة منه، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي رزقنا إياه، لذلك يجب أن نحب الله ونعبد صاحب هذا المال.
- أنّ هناك ملائكة تراقب تصرفاتنا ومنها الاقتصادية والمالية، ولذلك يجب أن نتجنب أن تسجل الملائكة في سجلاتنا شيء لا يرضاه الله .
- أنّ هناك آخرة سوف نقف فيها أمام الله سبحانه وتعالى ليحاسبنا عن هذا المال من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟
- أن النقود التي في أيدينا وسيلة نهيء بها لأنفسنا حياة كريمة، ونستغني بها عن الاحتياج للآخرين، ونتعفف بها عمّا في أيدي الناس، ونتقرب بإنفاقها في وجوه الخير إلى الله تعالى، وليست غاية في ذاتها.
- أنّ هناك الكثير من الأشياء العظيمة لا تستطيع النقود أن تشتريها، وهناك أشياء لا تباع ولا تقدّر بمال، مثل الفضيلة والشرف والصدق.
وهذه المفاهيم الإيمانية الاقتصادية تنمي عند الأولاد منذ الصغر: الرقابة الذاتية، والخشية من الله والخوف من المساءلة في الآخرة، فإذا شَبَّ الولد على هذه القيم وطبقها في جوانب حياته كان فردًا مستقيمًا منضبطًا بشرع الله في كل معاملاته ومنها الاقتصادية ويعتمد عليه فيما بعد لإدارة اقتصاد بيته واقتصاد بلده على أسس إيمانية [د.حسين حسين شحاتة: بحث بعنوان:كيف نربى أولادنا على السلوك الاقتصادي الإسلامي؟].
عزيزي المربي
هناك العديد من المحاور الرئيسة التي يجب أن تركز على غرسها في نفوس الأبناء وتدريبهم عليها لكي يكون سلوكهم الاقتصادي ومفاهيمهم نحو المال والإنفاق صحيحة منضبطة، ومن أهم تلك المحاور:
- تربية الأبناء على التوسط والاعتدال في الإنفاق:
وأن هذه هي الصورة التي ارتضاها الله تعالى لنا، قال تعالى: {وآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا،إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:27ـ26]، وأرشدنا إليها في القرآن الكريم، ومدح عباده المحافظين عليها، قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]، وعن ابن عباس رضي الله عنه: (من أنفق درهمًا في غير حقه فهو سرف).
ومن ناحية أخرى يجب أن نربيهم على القناعة والتقشف وقت الأزمات وأن هذا كله بقدر الله سبحانه وتعالى، وَنَقُصُّ عليهم كيف كان سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الأزمات، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: لما حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرًا من الجوع) [رواه الإمام أحمد].
- تعويدهم على الربط بين الأخلاق الفاضلة والتعامل الصحيح مع المال:
يجب أن ننمي عند الأولاد منذ الصغر الأخلاق الفاضلة، ونبرز لهم آثارها الاقتصادية على سلوكهم، ومن هذه القيم : الصدق والأمانة، والاعتدال والقناعة، والوفاء وحسن المعاملة والسماحة والبشاشة وطلاقه الوجه، كما نحذرهم من السلوكيات المنهي عنها شرعًا ومنها: الإسراف والتبذير، والإنفاق الترفي والبذخ، وتقليد الغير فيما نهى الله عنه، والغش والتدليس، وكل صور الاعتداء على أموال الناس.
كما يجب أن نفهم أولادنا أنّ الالتزام بهذه القيم جزء لا يتجزء من الدين، وعبادة لله سبحانه وتعالى وطاعة، وأن من يلتزم بالأوامر ويتجنب ما نهى الله عنه يكون له ثواب، ومن لم يلتزم له عقاب.
كذلك نبين للأبناء أن الالتزام بالأخلاق الفاضلة له أثر مباشر في تحقيق البركة في الأرزاق وتحقيق الأمن النفسي، والرضاء الذاتي، بالإضافة إلى الثواب العظيم المدخر لنا يوم القيامة، وهكذا حتى نصل بهم إلى أن يؤمنوا إيمانًا راسخًا أنه لا يمكن الفصل بين الأخلاق والاقتصاد.
تعويد الأبناء على العمل والكسب الحلال الطيب:
يجب أن ينشأ الولد الصغير على الكسب الحلال الطيب من عمل يده خلال فترات الأجازات وهذا يتطلب من والديه وأخواته الكبار تدريبه على بعض الأعمال التي تناسب سنه، ومن ثم يتعود على الادخار، وأن يعطي للفقراء والمحتاجين جزء من ماله الخاص، وكذلك من أشيائه وملابسه [محمد سعيد مرسي، مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب المشكلات، ص:143 بتصرف].
- ادخار الفائض لوقت الحاجة والفقر
من الأهمية أن نربي أولادنا على أن الله سبحانه وتعالى هو الباسط والمقدر للأرزاق، أحيانًا يكون هناك سعة في الرزق، وأحيانًا يكون هناك ضيق في الرزق، وتأسيسًا على ذلك يجب على الأولاد عدم الإسراف وقت السعة ويجب عليهم الادخار لوقت الحاجة، ففي وقت الرخاء ندرب الأولاد على الادخار للمستقبل، وأن نزودهم بالوسائل والأساليب المشجعة على ذلك.
- ترتيب النفقات وفق الأولويات الإسلامية
وهى الضروريات فالحاجيات فالتحسينات، فعندما يطلب الولد شيئا في مجال الكماليات وهو في نفس الوقت محتاج إلى شيء آخر في مجال الضروريات، فنعطي الأولوية للضروريات ونبين له أن هذا أولى من ذاك.
- تدريب الأبناء على الإنفاق في أوجه الخير ابتغاء مرضاة الله تعالى:
إنّ كثير من خصال الخير يتوارثها الأبناء عن والديهم، والعكس أيضًا صحيح، ومن ذلك الصفات المتعلقة بالمال، مثل الكرم والبخل، لهذه الخطوة أكثر من فائدة فمنها تخليص الطفل من الشح والبخل، وهذا لا يكون إلا بالقدوة والتدريب العملي، وأيضًا تعويده على أخلاق التكافل وكرم النفس وحب العطاء.
ومن أروع ما يروى في ذلك: عن عروة بن الزبير قال: (أدركت سعد بن عبادة، ومنادٍ ينادي على أطمة - صخرة على باب بيته- من أحب شحمًا ولحمًا فليأت سعدا، ثم أدركت ابنه قيسا ينادي بمثل ذلك قال: وكان سعد بن عبادة يقول: اللهم هب لي حمدا، وهب لي مجدا، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلح لي القليل، ولا أصلح عليه) [رواه الطبراني].
وبإمكان الوالد أن يسأل أبناءه بين الحين والآخر:من منكم تصدق اليوم على مسكين؟ ربما في المرة الأولى لن يجيبه أحد منهم، ولكن عندما يعلمون أن أباهم سوف يسالهم ثانية فإنهم عند ذلك سيسارعون في الإنفاق والبذل، ويتسابقون في ذلك [د.عدنان حسن باحارث:مسئولية الأب المسلم في تربية الولد، ص:169].
وأخيرًا عزيزي المربي
إنّ من يتدبر أحوال الأولاد الفاسدين يجد في كثير من الأحوال أنّ السبب يرجع إلى وفرة المال في أيديهم بلا رقيب، إضافة إلى رفقاء السوء من المبذرين، الذين يزينون لهم إنفاق هذا المال في طرق الغواية والفساد، الأمر الذي يجعلنا نهتم أشد الاهتمام بالتربية الاقتصادية المبكرة للأبناء.. حتى يشبوا راشدين و يكونوا من عوامل ازدهار أمتهم إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــ
المراجع:
- مسئولية الأب المسلم في تربية الولد، عدنان حسن باحارث.
- كيف نربى أولادنا على السلوك الاقتصادي الإسلامي؟ د.حسين حسين شحاتة.
- مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب المشكلات، محمد سعيد مرسي.
مفردات التربية الاقتصادية للطفل
- التفاصيل