عمر إبراهيم
"لا يزال الطفل يحتفظ ببراءته وفطرته حتى يعرف النقود"
أطلق هذه العبارة أحد الآباء الفضلاء معبرًا بها عن استيائه من تعامل الأطفال مع آبائهم بعد تعرفهم على النقود.
فالطفل في وجهة نظره يظل محتفظًا ببراءته وفطرته وسماحته وأخلاقه الحسنة وكرمه حتى يعرف أن هناك نقود وهذه النقود تجلب الحلوى.
ومن هنا انطلقت الشكاوى المقدمة تباعًا من كثير من الآباء؛ بسبب عدم تقدير الأبناء لقيمة النقود، فالنقود عند الأبناء هي السبيل لتحصيل الحلوى أو الألعاب أو ما خلافه مما يشبع رغبتهم وحاجاتهم.
المال نعمة يجب الحفاظ عليها:
ونحن بلا شك نتفق معك أيها المربي الفاضل أن المال نعمة من الله جل وعلا ينبغي شكرها وعدم الإسراف فيها فالمال زينة الحياة كما قال تعالى في سورة الكهف: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].
وشرع لنا تبارك وتعالى أن نتمتع بهذا المال بالحلال فقال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32].
ولأن هذه النعمة عظيمة كان لابد من المحافظة عليها ورعايتها حق الرعاية، والحرص على الادخار والاقتصاد في إنفاق المال فقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
ولكن لماذا لا يدرك الأبناء قيمة المال لماذا لا يحافظون عليه لماذا يرهقون الآباء دائمًا بالطلبات والاحتياجات؟؟
لماذا كل هذا ؟؟
لأننا لم نعلم أبناءنا قيمة المال!!
لقد عودنا أبناءنا أن كل مطلوب مجاب بل وفي كثير من الأحيان تجلس الأم باكية إذا كان طفلها يريد شيء وهي لا تستطيع أن تجلبه له، وتتقطع حزنًا إذا نظر طفلها إلى طفل آخر واشتهى شيئًا مما في يده، وهي لا تستطيع أن تجلب هذا الشيء لطفلها، وصار الآباء يلهثون ليل لنهار لجلب هذه الأموال التي تنفقها الأمهات لتلبية حاجات أطفالهم والآباء معهم كثير من الأحيان، ويظل الطفل ينفق عليه من جيب أبيه وأمه حتى يكبر بل ربما حتى بعد أن يتزوج، وبدلًا من أن يساعد الابن أباه بعد أن يكبر أصبح الأب دائمًا هو الذي يقدم المساعدات ولقد رأينا بيوتًا فتحت وأربابها لا يبذلون أي جهد لكسب المال بل يعتمدون على جيوب آبائهم.
لقد تعبنا نحن الآباء في تحصيل الأموال، ولذلك لم نحب أبدًا أن يتعب أبناؤنا هذا التعب ولذلك رغبنا في تلبية حاجاتهم لنعوض هذا النقص الذي شعرنا به ونحن في عمرهم.
فنحن "لا نريد أن نتعب أولادنا" وهنا تكمن المشكلة، لأنه بغير تعب لن يستشعر الطفل قيمة المال لأن من وجد كل شيء في هذه الحياة يأتي بسهولة ويسر فلن يكلف نفسه أي جهد، أما من عرف أن العسل لا يذاق إلا بعد لعق الصبر فسيبذل كل جهد ويقهر هوى نفسه.
وانظر أيها الوالد الحبيب إلى خطر التبذير، فيقول تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].
وقد جاءت أقوال التابعين في تفسير هذه الآية على النحو التالي: (قال ابن مسعود: التبذير: الإنفاق في غير حق، وكذا قال ابن عباس، وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق، لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مدًا في غير حقه كان تبذيرًا) [تفسير ابن كثير، (5/69)].
كيف نعلم أبناءنا قيمة المال؟!
1. علمه المسئولية:
أول شيء يجب أن يتعلمه ابنك، هو تحمل المسئولية وذلك بأن يشعر الابن أن هذا المال قيمة يجب الحفاظ عليه وعدم تضييعها، (فالتخلي عن المسئولية الشخصية يجعل تقدير الذات، وكذلك العلاقات الاجتماعية المهذبة والمحترمة والطيبة شيء مستحيل، ويتحول هذا التخلي في أسوأ مظاهرة إلى تصريح بالقتل، فإذا كنا نريد أن يكون عالمنا عالمًا ناجحًا وفعالًا، فإننا بحاجة إلى ثقافة تعتمد على المسئولية والمحاسبة) [المسئولية واستحقاق الثقة، ميشيل بوربا، ص(25)، بتصرف يسير].
فالطفل حينما يعلم أن المال مسئولية وليس شيئًا هينًا، يعرف بعد ذلك متى يصرف؟ وفي شيء يدفع ماله؟ (ولا شك أن الطفل لن يظل طفلًا، بل سيأتيه اليوم الذي فيه يبلغ ويصير مكلفًا مسئولًا فإذا كان يعمل في مال أبيه فهو راع ومؤتمن ومسئول أمام الله عز وجل يوم القيامة عن هذا المال، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) [متفق عليه].
إذًا فالولد أمين في مال أبيه، وهو مسئول عن حفظه وعدم التفريط فيه) [أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، جمال عبد الرحمن، ص(159)].
2. ادفع طفلك للعمل.
وهذا العمل يختلف على حسب سن الطفل ففي صغر سنه اطلب منه العمل ببعض مهام البيت وعندما ينتهي من عمله أعطه المال كمكافأة على هذا العمل، فيتعلم الطفل أن المال لا يأتي إلى بعد الجهد والتعب ولكن لا تعطه المال في كل عمل يؤديه ليستشعر الطفل أن كل أفراد الأسرة مطالبون بالتعاون والمشاركة، وكذلك عندما يكبر الطفل لا مانع أن تدفعه للعمل خارج البيت كأن تصطحبه في عملك إن كنت تعمل عملًا خاصًا وتطلب منه المساعدة في بعض الأعمال وتعطه على ذلك أجرًا، فلقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم في صغره في التجارة وفي رعي الغنم، فمن المفيد جدًا أن يعمل الطفل في الأجازة الصيفية مع والده، فهذا يعلمه الاعتماد على النفس، ولقد رأينا نماذج من هؤلاء الأطفال الذين كان يدفعهم آباؤهم إلى العمل في صغرهم يصنعون المشاريع في كبرهم بل وحتى قبل تخرجهم من جامعاتهم، ورأينا النماذج الأخرى الذين لا يحب آباؤهم اتعابهم في عمل ما فتراهم بعد حين يأخذون من هذا وذاك ليكملوا مصروف بيتهم.
واعلم أيها الوالد (أن أفضل الطرق التي يمكن من خلالها تعليم الطفل كيفية كسب النقود في أن يحصل على وظيفة مستقلة عندما يبلغ السن القانونية، لذا عليك بمساعدته في الحصول على وظيفة آمنة، والتي يعمل بها لوقت كاف وفي الوقت ذاته تتضمن أشخاصًا ودودين، فحصول الفرد على دخل خاص به يعد وسيلة رائعة لتقييم الذات) [كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، سال سيفير، ص(269)].
3. لا تعط طفلك المال بدون سبب.
لا تدفع مالًا للطفل بدون سبب، بل ابحث عن سبب كلما أردت أن تدفع له، قل له أنت نظيف، لذلك خذ هذا المال، أو أنت تنام باكرًا، لذلك خذ هذاالمال..إلخ.
وبعد دخول المدرسة تكثر الأسباب، ومنها حصوله على درجة ممتازة، أوحفظه جزءًا من القرآن الكريم، أو محافظته على الصلاة في أوقاتها، وقد نطلب منه أنيعلم أخاه الصغير بعض الدروس في الإملاء أو التجويد أو الرياضيات، وندفع له مقابلذلك، والهدف من وراء ذلك كله أن نعوده منذ الصغر على كسب المال بعد الكد والجهدليعــرف قيــمة المال، ودوره في الحياة.
4. إعداد قائمة بالاحتياجات الخاصة بهم:
ومن الطرق المجدية أن (تساعد أطفالك على البدء في إعداد قائمة للاحتياجات الخاصة بهم، والتي يريدون الادخار من أجل تلبيتها والحصول عليها، وفي وقت التسوق من المتجر إذا قال طفلك "هل لي أن أشتري هذه؟" قل له "هل لك أن تضعها في قائمة متطلباتك؟") [التهذيب الإيجابي من الألف إلى الياء، جان نيلسن وآخرون، ص(43)].
5. عود طفلك على الادخار:
أحضر له حصالة نقود يضع فيهابعض ما يأخذه وراقبه بحيث لا يصرف كل ما يأخذه مهما كان قليلًا، فإن تعود الطفل علىصرف كل ما يملكه فهذه عادة قبيحة، وكي نشجع الأطفال على التوفير ، فلنجعلهم يشترون ألعابًاوأشياء مهمة لهم مما وفروه.
6. علم طفلك درسًا عن الاستهلاك:
وهنا تجد طريقة عملية تعينك على تعليم طفلك درسًا في الاستهلاك (فاجعل طفلك يقارن بين الأسعار وأخبره عن الحجم الذي يعطي للسلعة أفضل سعر وأوضح لطفلك سبب اختيارك لشراء بعض المنتجات المحددة وسبب تركك للمنتجات الأخرى.
وأخبره عن مفهوم التضخم من خلال التردد على المكتبات والتطلاع على الإعلانات المعلنة بالصحف القديمة، فهذا ممتع بالنسبة له) [كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، سال سيفير، ص(268)، بتصرف يسير].
كذلك إذا بعثت طفلك لشراء بعض الحاجيات، فاسأله بعد أن يأتي عن الأسعار وراجع معه الحساب واجعله يطلب من البائع ورقة بأسعار المشتريات.
7. علم طفلك البدء في فتح حساب خاص بالبنك"لإسلامي":
من الرائع أن تعلم ابنك هذا، فهذا يعلمه الطريقة الجيدة في الادخار حيث أن الادخار في البيت من المكن أن يكون أقل نجاحًا عن الادخار في البنك فالمال المتاح معرض للاستهلاك.
8. علم طفلك إذا أتته هدية أو عيدية أن يصرف جزء ويدخر الجزء الآخر.
9. علم طفلك كيف يدير مصروفه.
سواء أعطيته هذا المصروف بالأسبوع أو بالشهر، ولا نرجح المصروف اليومي لأنه لا يعلم الحرص والادخار.
وننصحك أن تقدم له هذا الجدول ليقوم من خلاله بمتابعة مصرفه والتخطيط له:
خطة مصروف الشهر:
قيمة المصروف الإجمالي:..................
ما يتم إنفاقه يوميًا:.....................
· مواصلات:..........
· شراء حلوى:..........
· شراء أدوات مكتبية:......
ما يتم ادخاره:...................
ما يحتجز منه لشراء هدية:.......................
ما يحتجز منه للصدقة:...........................
لا نقصد البخل.
لا نقصد بالطبع ونحن نعلم أبناءنا قيمة المال أن نعلمهم البخل والحرص الزائد عن الحد بل الحق دائمًا وسط بين طرفين أحدهما مفرط والآخر مفرط، فكما أننا ننهى عن الإسراف فنحن أيضًا نحذر من البخل والحرص الزائد عن الحد بحيث يصير الطفل فيه لا يكاد يتمتع بأي شيء مما يمتلك، فلقد ذم الله تبارك وتعالى البخل فقال سبحانه: {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
ولقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا فقال: (إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا) [صححه الألباني في صحيح الجامع، (2678)].
ولذلك من المقترح وهو جدير بالاهتمام أن نعلم أبناءنا شراء الهدايا للآخرين والإنفاق في سبيل الله وذلك كما رأينا في خطة الشهر عن طريق تعليم الطفل أن يحدد جزءًا من مصروفه الخاص لأجل ذلك كأن يكفل طفل يتيم مثلًا وكذلك من الممكن أن ندفعه لأن يشتري هدية لأمه بجزء من مصروفه وهكذا.
وختامًا عزيزي المربي نسأل الله العظيم أن يبارك لك في مالك وفي ولدك وأن يرزقك أبناءً يعرفون قيمة المال ولا يبخلون به على المحتاج.
وإلى لقاء قريب ومستقبل راق لأبنائنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر:
· تفسير ابن كثير.
· كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك سال سيفير.
· التهذيب الإيجابي من الألف إلى الياء جان نيلسن آخرون.
· أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلى الله عليه وسلم جمال عبد الرحمن.
· المسئولية واستحقاق الثقة ميشيل بوربا.
نقلا عن مفكرة الإسلام