نعيم السلاموني
تصيبنا الدهشة والحيرة عند قراءة الحوادث المؤسفة عن العلاقة الأخوية، تلك العلاقة التي تعد من أجل وأسمى العلاقات الإنسانية، والذي أثار الدهشة أن هذه السلوكيات غريبة عن المجتمع الإسلامي، فكيف يتحول الأخ إلى خصم، أو إلى عدو؟ لماذا اختفى مشهد الأخوة الذين يتبادلون المشاعر الجميلة والأسرار، ويلجأون إلى بعضهم البعض في الأزمات، ويلتقون في المسرات، هل اختفى كل ذلك عند البعض؟ فكيف يمكن أن نتصور أو نصدق هذه الجرائم البشعة التي تتثمل في أن الأخ يقتل أخاه!
لن تندهش حين نسمع أساتذة الصحة النفسية يقولون: إن العيادات النفسية الآن زاخرة بمرضى لا يشكون من الآخر الغريب، بل من الأخ القريب.
وأصبح مفهوم ظلم ذوي القربى من الحالات المتكررة في العيادات النفسية.
والخلل في علاقات الأخوة هو انعكاس لما يحدث في الأسرة وما أصابها من شروخ.
1-إن من الأساليب الخاطئة التفرقة بين الأبناء، حيث يتعامل الآباء والأمهات مع أبنائهم بدون عدل، فيفضلون طفلًا لذكائه، أو جماله، مما يزرع في نفس أخوته الإحساس بالغيرة والحقد.
2- هناك علاقة وطيدة بين السلوك العدواني للأبناء وأساليب معاملة الوالدين لهم حيث إن الأساليب القائمة على عدم المساواة في معاملة الوالدين لجميع الأبناء تزيد من السلوك العدواني للأبناء.
3- عدم وجود مجموعة من القيم والمعايير الايجابية في الأسرة كالحب والخير والأمانة والصدق ومساعدة الآخرين.
4- سقوط ما يسمى باحترام الكبير داخل الأسرة، أي احترام الأخ الأكبر من الأصغر.
5- أصبح تقييم الأخوة الآن بمدى الانجازات الاقتصادية، فالأخ الغني هو القوي الذي له الكلمة العليا عن بقية الأخوة، بصرف النظر عن تعليمه ونضجه وكفاءته، وعندما تسود القيم الاقتصادية بين الأخوة تتوارى بقيمة القيم خجلاً، فيحدث الخلل بين الأسرة.
6- دور الأب في الأسرة أصبح هامشيًا، فهو إما غائب أو مطحون في توفير احتياجات الأسرة، وبالتالي غياب الأب القائد يسمح للعدوان بأن يتحرك بين الأخوة بدون ضوابط.
7- ضعف انتماء الأخ لأسرته، فنجد الأخ أنانيًا لا يهمه الآخر، يهرب منه ولا يقترب إلا في حالة المصلحة والأخذ.
8- التفرقة بين الأخوة بداية من التفرقة بين الولد والبنت، والابن الأكبر له كامل السيطرة والتسلط، والأخ الصغير مدلل طلباته كلها مجابة، أما الطفل الأوسط فهو حائر بين الأول والأخير.
وكذلك التفرقة بين الطفل السليم والآخر المعاق، الذي يجد قدرًا من الرعاية والحنان أكثر من السليم.
9- التذبذب في معاملة الأبناء ما بين القسوة الشديدة إلى التدليل لنفس السلوك الواحد أي معاملة الأبناء حسب الحالة المزاجية.
10- معاملة الأطفال وفق معايير التفوق الطاعة، فالطفل المتفوق له من الرعاية والحنان أكثر من الابن الأقل تفوقًا.
11- زيادة الضغوط الحياتية التي تجعل الفرد ينشغل بأحواله عن كل من حوله، فالكل يلهث وراء لقمة العيش، وهذا ليس مبررًا، بأن يجعل الشقيق لا يسأل عن شقيقه لفترة زمنية طويلة، أو يتشاجر معه.
12- غياب الحب والعلاقات الحميمة، فإذا لم تمنح الأم ابنها الحب، فلا يستطيع أن يمنحه للآخرين.
للمحافظة على رباط الأخوة وغرس المحبة بين الأبناء يجب:
1- إعطاء الطفل قدرًا من الحنان والاهتمام، لأن الذي لا يتلقى الحب والحنان لا يستطيع إعطاءهما لأحد، والحرص على غرس روح الود بينهم منذ الصغر.
2- يجب أن يعدل الوالدان بين أولادهم، فلا يفضلان أحدهم على الآخر، بل يساويان بينهم في الحب والعطف والمعاملة، وخصوصًا بين الذكور والإناث.
3- إذا أخطأ أخ بحق أخيه الأصغر لا نعاقبه، بل نحاول اتهامه بالخطأ الذي قام به ليتداركه في المرات المقبلة.
4- على الآباء ألا يقارنوا أبناءهم، لأن لكل إنسان شخصيته وظروفه وإمكانياته التي تميزه عن غيره، فالمقارنة كارثة، والمطلوب هو العدالة والتوازن.
5- العلاقة بين الأخوة والأخوات خاصة في السن الصغيرة ممكن أن تتحول بفضل الأسرة إلى نواة لعلاقة قوية، أوعلاقة سيئة تربط بينهم طوال العمر، فالتناغم في العلاقة مسؤولية الأبوين.
6- إذا تخاصم الأبناء على الآباء شرح لكل منهما خطأه وتركهما معا ليتصافوا دون تدخل منك.
7- ترغيب الأبناء في توقير الكبير، ورحمة الصغير وحب المساكين، وحبب لهم ما يقومون به من أمر بالمعروف ونهي عن منكر.
8- الإسلام يدعو إلى صلة الأرحام، فإنه بذلك يدعو إلى تزكية النفس وتقوية الروح ويعمل على الترابط والتعاون والتلاقي وعدم التنافر، كما يدعو إلى نشر العدل والرحمة، ولهذا يعيش أفراده في وئام وسلام، فلا يبغي بعضهم على بعض، ولا يقسو بعضهم على بعض، مجتمع يرحم الكبير فيه الصغير، ويوقر الصغير فيه الكبير.
9- إن الطفل حين يجد من أبويه ومربيته القدوة الصالحة في كل شيء، فإنه يتشرب مبادئ الخير، ويتطبع على أخلاق الإسلام، والولد الذي يرى من أبويه القسوة والجفاء لا يمكن أن يتعلم الرحمة والمودة، والولد الذي يرى من أبويه الغضب والانفعال لا يمكن أن يتعلم الاتزان، إن أفضل التربية هي التربية بالقدوة.
10- المجتمع الإنساني في نظر الإسلام هو ما كانت فيه العلاقات بين أفراده علاقات إنسانية تقوم على الأخوة والمودة والتعاون، وتنأى بأفراده عن الأنانية، وترتفع بهم فوق المادية.
11- يجب أن نعلم أولادنا منذ نعومة أظفارهم كيف يتسامحون، لأن هذا التسامح يغرس فيهم التواصل والود والمحبة.
12- يجب أن نعلمهم كيف يتحاورون، وتؤدي المحاورة إلى علاقات ودودة بعيدة عن التشاحن والمنازعات.
ويجب أن نغرس فيهم حب العدالة في المعاملة، وفي التعامل، فإن العلاقة الحميمة بين الأخوة تؤسس الأسرة على السكينة والأمانة.
13- ضرورة غرس الخلق الحميد في الأبناء بالقدوة الحسنة، التي تتمثل في الأقوال والأفعال.
14- إن العلاقة الأسرية التي يسودها الوفاق بين الأب والأم تنعكس بدورها على الأبناء فيشبوا متعاونين على البر والتقوى والإحسان.
15- عدم انتقاد الطفل أو معايرته أمام الغير.
وخلاصة القول:
1- إن الأخوة غير معصومين، ويتعرضون للخطأ، ويقعون في الخلل، وتصدر عنهم الهفوة، ويقعون في الكبيرة، فإن بدر منهم شأن من ذلك فلنلزم جانب العفو معهم، فإن العفو من شيم المحسنين، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
وقبول عذرهم إذا أخطئوا، فلقد فعل أخوة يوسف مع يوسف ما فعلوا، وعندما اعتذروا قبل عذرهم، وصفح عنهم الصفح الجميل، ولم يوبخهم، بل دعى لهم وسأل الله المغفرة لهم قال تعالى: {قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف: 92).
2- على الأخوة المداومة على صلة الرحم، حتى لو قاطع أحدهم الآخر، وأن يكون الأخ جواد النفس كريم العطاء مع أخيه.
قال تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (75: الأنفال).
العفو والصفح من الوصايا الإلهية مصداقًا لقوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(الحجر: 85)، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا..} (النور:22)،{خُذِ العَفْوَ..} الأعراف: 199).
ويقول الرسول " صلى الله عليه وسلم" : (الكلمة الطيبة صدقة) متفق عليه عن أبي هريرة "رضي الله عنه" «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» (رواه مسلم عن أبي ذر.
«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (رواه البخاري عن أنس "رضي الله عنه" .
«من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» (متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وعلى المسلم أن يحسن إلى أخوته قدر استطاعته، كأن يزوره، ويتفقد أحواله حينا بعد حين، حتى يوسع الله في الرزق، ويزيده في العمر.
يقول الرسول " صلى الله عليه وسلم" : «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنان صدقة وصلة» (رواه الترمذي).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الوعي الإسلامي
علموا أولادكم محبة الأخ
- التفاصيل