حليمة مظفر
"يا لي ظلمتوا الحب.. وقلتوا عليه.. قلتوا عليه مش عارف إيه
العيب فيكم.. يا في حبايبكم.. أما الحب يا روحي عليه.. يا روحي عليه
في الدنيا ما فيش أبدا أحلى من الحب
نتعب آاااه .. نغلب آاااه ..نشتكي منه لكن بنحب .."
إنها من "سيرة الحب " إحدى أهم "كلثوميات الست" التي صبّ لحنها بليغ حمدي في كلمات الشاعر مرسي عزيز؛ ولا أنسى أيضا رائعتها "أنت عمري " فمعهما بشكل خاص أمضي استراحاتي الكلثومية؛ وحتما يشاركني بعضكم؛ أنه مع "الست" لا تطيق صبرا إلا أن تدخلك دهاليز تلك الأودية السحيقة التي يسلكها "ضميرك" في شرايين قلبك، لتجرّ معها قافلة الذكريات أو الأحلام في حالة سلام وتصالح عاطفي مع الذات؛ ومحاولة لاستعادة حكايات الوهم "اللذيذ" أو الحقيقة "الماتعة" مما عشناه في أولى نبضاتنا المراهقة ونحن نفكر بـ"الحبّ"؛ هذا الكائن العجائبي الذي انغرس داخل آدميتنا منذ أن رضعنا حليب أمهاتنا .
ولكن وكما تقول "الست" أسال هؤلاء الذين ظلموا "الحب" واتخذوا منه موقفا متطرفا إما أقصى اليمين؛ فأنكروه واستنكروه كعاطفة نبيلة؛ وبدلا من الاعتراف به وتهذيبه واحترام لغته الإنسانية؛ حولوه لـ "خطيئة " بل كائن "عفريتي" لا نعرف له ملامح أو مكانا؛ حتى جعلونا نحن "السعوديين" نستعيذ منه إذا ما مرّ بجانبنا؛ وكأنه "شبح" نخشى اقترابه؛ ومن أصابه كمن أصابه "مس عفريتي" يحتاج إلى "عصا" الريبة والشك والحذر للعلاج منه؛ وتناسى هؤلاء أنه فطرة الله تعالى في أبناء أرضه؛ كي ينعموا بسلامه وأمانه وطمأنينته؛ وقد جعل منه المودة والرحمة بين الزوجين المتحابين؛ لكن بعضنا الكثير عجز وفقد قدرته بسبب هذا "التلوث العاطفي" على تحسس "وجه الحبّ " والتعبير عنه حتى لشريك / شريكة حياته؛ نتيجة تربية اعتبرته "معصية" عظيمة نحتاج لـ"كفارة" منه لتُقبل توبتنا في السماء؛ فكيف بالله يعرف طعم هذا الحب من عرفه بادئ أمره أنه "رجس" يحتاج التطهر منه !؟
آخرون من "عفاريت الإنس" اتخذوا موقفا منه في أقصى اليسار؛ وحولوه إلى "مسخ نمرود" متعفن؛ حين تلبسوا بطولتهم في دور "ذئب " مفترس أو "ثعلب " ماكر؛ وكلاهما يقتاتان على أحلام المفطورين على الحب؛ فكانوا ضحايا حكاياته التي ستر وجعها ليل أدهم.
ويتوسط هؤلاء وهؤلاء قلة أجدني منهم؛ ينسكبون مع حنجرة "الست" تصدح بصوتها : "يا سلام ع القلب وتنهيدو في وصال وفراق
يا سلام على الدنيا وحلاوتها في عين العشاق
وأنا خذني الحب لقيتني بحب ..
وأذوب في الحب صبح وليل .. على بابه "
جريدة الوطن