من يعرف "جيمس فون برين" وقصته؟
بعضكم قد يلوي شفته، ويهزّ كتفه، تعبيراً عن عدم معرفة وعدم اكتراث .. أما أنا فلم أكن أعرفه بالاسم قبل كتابة المقال ..
من هي "روكسانا صابري"؟
أعتقد أنه يعرفها أكثر الصحفيين والإعلاميين، والمهتمّين بحقوق الإنسان وحرية الرأي ..
أما السؤال عمّن هم علاء مرتجى، باسل فرج، جلال نشوان ... فهذا سؤال تعجيزي لا أتوقّع أن يعرفهم سوى ذويهم، وزملائهم، وقد تكون أسماؤهم مدوّنة لدى منظمة "صحافيون بلا حدود".

ولكن ربما أكثرنا يعرف "مروة الشربيني"، وقبلها "ندى آغا سلطاني" ..
الأولى أطلق عليها (المحبّون بغفلة) اسم "شهيدة الحجاب!"، والأوْلى أن تسمى "ضحية العنصرية الغربية"، والثانية أطلق عليها (السياسيّون الخبثاء) اسم "أيقونة الحرية"، "وملاك إيران"، وأصبحت رمزاً لما يسمّى بـ(الثورة المخملية الخضراء) في إيران.

الثانية ارتبط اسمها بفيلم صوّر بدقة متناهية وبكاميرا عالية الجودة لحظات احتضارها المفجعة وعملية قتلها المشبوهة -لمن لا يعرف التفاصيل- التي عُرضت على الفضائيات العربية والأجنبية مئات المرّات لتُحفر في الذاكرة ولا تُنسى أبداً، والأولى لا تكاد ترى لها صورة سوى تلك التي يعلو وجهها السمح ابتسامة عريضة يوحي -لمن لا يعرف قضيتها- بالراحة والاطمئنان، ولكن لم نشاهد أي مقطع من فيلم مصوّر عن حادثة قتلها وجنينها بثمانية عشر طعنة (!) ومحاولة قتل زوجها المتعمّدة، الفيلم الوحيد الذي يُبثّ عن قتلها هو تشييع جنازتها والصلاة على جثمانها!! الثانية تثير في المُشاهِد كلّ مشاعر الحنق والغيظ والكراهية والرغبة في الثورة والانتقام ممن تسبّب في قتلها، والأولى لا تدعو إلاّ إلى التسليم والحزن والترحّم والشفقة وقراءة الفاتحة على روحها.

السبب لهذا التفاوت في تغطية الخبرين المفجعين أنّ الثانية قُتلت في دولة (إسلامية) بأيدٍ ملوّثة خفيّة فتبنّاها الإعلام الموجّه ليظهرها كضحية للاستبداد والقمع (الإسلامي)، والأولى قُتلت في دولة غربية بيد بيضاء - يسري في عروقها دم أزرق - فخفّف الإعلام من وطأة الحدث، لننسى مع ابتسامة "مروة" جريمة الغرب، ونتذكر مع دماء "ندى" إرهاب الإسلام .. هذا ببساطة ما يريده (المخرج) المهيمن على الإعلام.

أما روكسانا صابري فهي صحفية، شابة، جميلة، إيرانية الأصل (وهنا بيت القصيد) تحمل جنسية أمريكية (وهنا الشطر الآخر من بيت القصيد)، احتُجزت قبل عدة شهور بتهمة التجسس، فاهتزّت أعمدة عروش الأحرار والديمقراطيين ومدافعي حقوق الإنسان، وكادت الدنيا تطبق علينا لولا تدَخَُل الرحمة الإلهية، وربما المصلحة السياسية الإيرانية للإفراج عنها، فقد تدخّل في قضيتها أوباما، وكلينتون، وبراون، وساركوزي، وميركل، وبان كي مون، والمنظمات الحقوقية، والإعلاميون، وأخيراً نجاد، فروكسانا الصحفية الأمريكية (المدلّلة) ليست كزملاء المهنة: علاء مرتجى، باسل فرج، جلال نشوان، ومئات الصحفيين الشهداء وغيرهم ممن قُتلوا بآلة الحرب الغربية أثناء أدائهم واجبهم المهني في فلسطين والعراق وأفغانستان .. فـ(المخرج) الإعلامي المهيمن يريد لتلك أن تكون بطلة، ولهؤلاء النسيان.

أما "جيمس فون"، فرغم أنه أمريكي أبيض إلاّ أنّ (المخرج) الإعلامي لم يجد في قضيته مادّة إعلامية (سمينة) لأجندته الخاصة، فجيمس - بالمناسبة – هو الشخص الذي اقتحم متحف الهولوكوست (المحرقة النازية) في واشنطن الشهر الماضي فقتل ضابط الحراسة فيه، وبدأت التكهّنات بشأنه تشرّق وتغرّب بظنّ أنه مسلم أو عربي، وعندما عُلم أنه أمريكي أُسدل الستار على القضية، رغم أنّ هناك جريمة قتل، وفي متحف الهولوكوست، ولكن بما أنّ القاتل أمريكي فبرداً وسلاماً.

ختم المفكر فهمي هويدي مقاله "مفاجأة .. إرهابي ليس مسلماً" بقوله: "حمدتُ الله وتنفستُ الصعداء حين عرفت هذه التفاصيل، لكنّ شعوراً بالخجل غمرني، لأنني أدركت أنّ التعبئة الإعلامية المضادة، التي ندينها ونقاومها حقّقت نجاحا في اللعب بمشاعرنا، حتى أنّ واحداً مثلي تصوّر للوهلة الأولى أنّ الفاعل عربي أو مسلم، ولم يخطر على باله أنه يمكن أن يكون أميركياً «قحاً» ولا شأن للعرب أو المسلمين به".

المشكلة تكمن في الثقافة التي تُبث فينا وتُبرمجنا باختيارنا ولكن بلا وعي منّا، فكل مقلوب اليوم يمكن أن يكون مقبولاً في المستقبل .. اليوم لم تنطلِ عليّ قصة ندى ولكن ما أدراني كيف يُلعب بمشاعري لكي ينطلي عليّ ما هو أوضح منها في المرة القادمة، الآن أرفض التعتيم الإعلامي على قضية مروة "ضحية العنصرية الغربية"، وأرفض تسميتها الساذجة بـ(شهيدة الحجاب) لأنها لم تكن خارجة لتجاهد في سبيل الحجاب لكي يُطلق عليها هذا الاسم، فربما غداً يستهويني فأعتبر من يرفضه معادياً للإسلام، اليوم نرفض التطبيع مع العدو الصهيوني .. وغداً سيُحذف من مناهجنا كل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي وسينبري من يدافع عن هذا القرار بحجة أنه تمهيد للسلام الشامل، وهكذا فنحن سائرون بخطى حثيثة نحو عالم يصبح فيه المعروف منكراً والمنكر معروفاً.

يحذّر كبار علماء النفس من تأثير الدعاية والإعلانات والأفلام التي تُبث من وسائل الإعلام ودور السينما والإنترنيت على عقل المشاهد - والشباب منهم بصفة خاصة – لأنّ المرء عندما يجلس مسترخياً أمام الشاشة يكون كمن يسلّم مفاتيح عقله وقلبه لمُخرج تلك الأفلام، فيُبرمَج عقله الباطن، ثم يتصرّف كالمُنوّم مغناطيسياً يتلقى تعاليمه مما لُقّن من البرامج التي كان يشاهدها مستسلماً لها ثم يفعّلها في حياته.
فيا ويح قلوبنا على ما ينتظر هذه الأمة من طغيان الهمجية الغربية التي تكشّفّت وتكشّرت أمام بوادر تشي بعودة بعض الروح لقوّة أمة الإنسانيّة وعزّتها.

 

أ. رابحة الزيرة

جمعية التجديد الثقافية - مملكة البحرين

JoomShaper