داليا الشيمي
لفتت واحدة من صديقاتي نظري إلى معلومة ربما لم أتوقف عندها كثيراً حين تحدثت لي صديقة صحفية شابة وبعد إنتهاء مكالمتي معها قالت صديقتي : على فكرة إنتي عندك صديقات كتير من الصحفيات الشابات وحينما جلسنا نعددهن أكدت لها المعلومة أنهن بالفعل عدد كبير إضافةً إلى عدد أيضاً من الشباب الصحفيين وأقدر نشاطهم جميعاً وبما أن أفضل أنواع التعبير عن التقدير هي الفعل فقد رغبت في التعبير عن هذا الإمتنان بتوضيح لأمر يحدث فيه أخطاء تكاد تكون شائعة في تناول بعض من هؤلاء الشباب والشابات لكلمة (أشارت دراسة) أو (أوضحت دراسة) والتي يبدأ الجميع في التحرك على أثرها وسؤال المختصين حول مضمون الدراسة وتعليقهم عليها ورؤيتهم لها ... إلخ
لكن يغيب عنهم جميعاً بعض النقاط التي لابد أن ينظروا لها قبل الدخول في إجهاد البحث عن تفسير لها أو مختصين يعلقوا عليها وهذه النقاط هي :

أولاً – إن كلمة دراسة تعني مجتمع بحثي وأولى خطوات نشر أي دراسة أو التعليق عليها هو معرفة المجتمع البحثي للدراسة من حيث البيئة والعدد والنوع والمستوى الإجتماعي والإقتصادي ومرحلة النمو التي يمر بها المجتمع وشروط إختيار العينة.

فما ينطبق على المرأة المصرية لا ينطبق على المرأة الأمريكية أو السعودية أو القطرية والعكس وبالتالي إذا ما جاءت نتيجة دراسة على المرأة الأمريكية فمن الصعب بمكان تطبيقها على المرأة المصرية أو العربية، بل أن ما ينطبق على المرأة المصرية في الحضر لا يمكن أن ينطبق على المرأة المصرية في الريف أو في المناطق العشوائية ، وهكذا فإن التعرف على بيئة الدراسة أمر هام ولا غنى عنه.

ثانياً – أدوات الدراسة أيضاً من الأمور شديدة الأهمية، وحتى أوضح ذلك سأروي لكم عليه موقف طريف حتى يتضح الأمر، كنا ندرس في السنة التمهيدية للماجستير عام 98 وحينها دخلت طالبة لتطرح بحث على أستاذنا دكتور لويس مليكه فقيد علم النفس العظيم وقالت له سأسعى يا أستاذي إلى فهم سمات المجتمع المصري وسوف أحدد العوامل النفسية خلف ما وجدته في دراسة قامت بها صديقة لي في الجامعة الأمريكية والتي خرجت منها بأن الأطفال المصريين أصحاب أعلى الدرجات العدوانية في العالم !! وأيضاً لماذا ينتشر اضطراب الجنسية المثلية – اللواط – في المجتمع المصري، وأخذت تشرح وتشير لخطورة الأمر وكيف لمجتمع كذا وأين الفضيلة ..... فأوقفها أستاذنا العزيز .. إيه يا بنتي التخريف ده؟؟ أنا لم أسمع بهذه الدراسة فقررت الطالبة الدفاع عن موقفها واتفقنا معه على أن البينة ستظهر بإحضارها الدراسة وبالفعل جاءت بها، وأول ما قرأها أستاذنا قال لها " لو كنت أملك أسحب منك الإبتدائية كنت سحبتها" وتغير كثيراً وبدأ يشرح لنا ما يلي – وهو ما جعل الموقف طريف بالفعل – أن العينة استخدمت إختبار أمريكي لم يتم إعداده للبيئة المصرية وكانت درجة العدوان تتوقف على تعامل الطفل مع البيئة فمع سؤال الطفل المصري : ممكن تمشئ بين الأشجار على الأرض الخضراء؟؟ فأجاب : أه عادي!!!

وسؤاله : ممكن تجرح الطبيعة وتقطف زهرة من مكانها الطبيعي لتقتلها؟ فأجاب : أه وبلعب بيها وبعضهم أجاب: باكلها وبيبقى طعمها وريحتها حلوة!!!

وعند سؤاله : ممكن تعدي الشارع والسيارات متحركة؟؟ فأجاب : أيوة وببص كده وكده وبجري!!!

بالطبع تم تصنيف الطفل المصري – تبعاً للإختبار الأمريكي – بإعتباره  مجرم وفي أقسى درجات العنف فهو يمشي على الأرض الخضراء ( طب هو لقى غيرها)؟! ولإنه بيقطف الزهور ويقتلها ( هو حد علمه إن ده كائن له حياة، ثم إن الولد لم يكذب وقال أحياناً باكلها، طب تعيش الزهرة ولا يعيش هو)؟! وأخيراً هو يعبر الشارع والسيارات متحركة (طب هو في إشارة مرور العربيات تحترمها عشان هو يقف ويتعلم قواعد الحركة)؟!

وما سيتحفكم أكثر هو نتيجة أن المصريين يعانون من الجنسية المثلية بأكبر نسبة ، فقد جاء ذلك من أسئلة مثل : لو دخلت على مجموعة نساء ورجال وأنت رجل هل تُقبل النساء أم الرجال؟؟ فمن يقول الرجال وتتجمع درجات له في نفس الإطار هو شخص مريض يعاني من جنسية مثلية لأن الرجل يُقبل الرجل والمرأة تُقبل المرأة!!

وجاءت هذه النتائج المضحكة - حيث جميعاً لم نتمالك أنفسنا حتى صاحبة الموضوع نفسه – نتيجة لإستخدام أدوات غير مناسبة للمجتمع المصري وتركيبته الدينية والإجتماعية الأخلاقية والإقتصادية وغير ذلك..

لذا من المهم يا أعزائي أن نتأكد من الأدوات المستخدمة في الدراسات التي ننقل نتائجها.

ثالثاً – في حالة أخذنا لدراسة لمقارنة المجتمعات بعضها ببعض يجب علينا أن ننوه في بداية الموضوع لإختلاف الثقافات فيما يتعلق بموضوع الدراسة لنوضح للقارئ لماذا لا تنطبق هذه النتائج علينا مثلاً وربما نحذر من أن عامل كذا الذي انتشر في مجتمع كذا أدى إلى هذه النتيجة بحيث يكون نشر الدراسة له دلالة ومفيد بالنسبة للناس.

رابعاً - لابد أن يكون لك أنت رؤية في الدراسة التي تنقلها، فهناك دراسات يبدو لمن يتعمق فيها قليلاً أنها متحيزة لمجموعة ما ضد أخرى، والعلوم ليست ببعيدة عن هذا التحيز، ففي علم النفس كانت هناك فضيحة كبيرة وشهيرة – كما يطلقون عليها – حينما أصر عالم على إظهار كل دراساته في إتجاه البيض ضد السود وقت التمييز بينهما، فسخر علمه لترسيخ هذا التمييز بل وتبريره بأن يؤكد من خلال كل دراساته أن السود أقل ذكاء، وأنهم خلقوا أقل في الإستعدادات الخاصة وغير قادرين على الإبداع، ومن هنا كانت أهمية رؤيتك وبحثك قبل نشر دراسة لم يراعي فيها القائم عليها أخلاقيات العمل العلمي التي قد تُسقط العمل بأكمله.

لن أطيل أكثر من ذلك في هذه المرة، وربما أكتب مرة أخرى عن الأرقام والإحصائيات وكيف نقرأها، تقديراً للأعزاء ليس من يكتبون على الصحف فقط ولكن أيضاً هؤلاء الرائعين الذين قدموا حالة رائعة في الصحافة الإلكترونية والتي تسعى الصحفية المجتهدة علياء عبد الفتاح بعمل إتحاد يجمعهم أتمنى أن يحقق لهم مزيد من النضج.

 

موقع عين على بكرة

JoomShaper