يقظة فكر /إباء أبو طه
إنَّ الرسالات السماوية وعلى رأسها الدين الإسلامي، جاءت لتضبط السلوك، وتهذب الأخلاق، وتوجه قيم الإنسانيّة، والتي هي جزء مركب من منظومة القيم المجتمعيّة التي أُلغيت فيها كافة الحدود الزمانيّة والمكانية لصالح الحدود الكونية.
إنّ وقوع السلوكيات خارج إطار الأخلاق يؤدي إلى إبطال فعاليّة ما جاء به الدين الإسلامي الحنيف، وهذا ما يجعل سلوكيات الكثيرين منّا، تُؤخذ على محمل الصواب واليقين دون تمحيصها للكشف عنها تحت قبس النور، الأمر الذي يؤدي إلى تشويه فكرةٍ صحيحةٍ وسليمة قد فقدت طريقها إلى الصواب، لا لأنها غدت غير صالحة بل لأن أفرادها غيّروا بسلوكهم معالمها، وشوّهوا منهجها، وأدرجوها في أرشيف” أفكار انتهت صلاحيتها” فتراها تُعرض على العامة، ليس كما يجب أن تكون، بل كما هي موجودة. إن أزمتنا في الوقت الراهن هي أزمة مسلمين لا إسلام، فغير المسلمين يتفقون مع المسلم في عقيدته، ولكن اختلافهم معه يكون في رسالته، والتي باتت مشتتة الأهداف، مشوّهة المعالم، لم تعد الرسالة بثبوت أصلها، وسماوية فرعها قادرة على رسم معالم الطريق، وتوجيه الأمم إلى بناء حضارة قد غدت أمجاد وبطولات يُسمع عنها، أو تُقرأ في أحد كتب التاريخ بفعل تقاعس المسلمين .
إنّ واقع المسلمين يزداد تطرفا نحو الركود والانكفاء والانهزامية، والتي تدفع بالعديد منهم إلى القول بأن نصر الله قريب، وأنّه لن يأتي إلا بكثرة الدعاء؛ فإن كان الأمر كذلك فلم لم ينصِّب المسلمون من رجالهم من يتفرغ لوظيفة الدعاء بعد قرون من الانهزامات المتوالية، ولو كان الأمر كذلك لكان الأجدر بأن يفعل ذلك هو رسولنا الكريم (محمد صلى الله عليه وسلّم) فهو أحق بأن يدعو وأوجب بأن يستجاب له، ولكنه كان يأخذ بالأسباب ويمتطي ركاب الخيل، ويعد العدة للقاء عدوّه! ، حيث قال الله عزوجل “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”
إنّ الأخذ بأسباب إعداد القوة وتكوين الجند، لهو حق الحق في النهوض بأنفسنا وواقعنا، فالبلاد الأوروبية والأسيوية بقوتها ورقيها، لم تبن حضارة وإنما بنت مدنية رثّة، فالحضارة تقوم على الجوانب القيمية والأخلاقية، وهم بلا دين يبنون مدنية بأسلحتهم القويّة!!
إن الروح الانهزامية التي يحملها المسلمون بين جوانحهم، تتطلب منّا الوقوف وقفة جادة لإعادة تنظيم شبكة أفكارنا ومعتقداتنا وقيمنا، والتي تجعنا بدورنا نكشف الستار عماّ كنا نعتقده يوما بأنه حق الصواب وعين البصيرة والسؤدد، ونتناولها كمسلمات غشتها أوجه التصلب الفكري وروح القدسية؛ وهذا ما دفع البعض منهم للجوء إلى الحلول السماوية السحرية السريعة، التي لا تحتاج إلى صعود القمم، وبذل جهد مشقة التخطيط والاستعداد، أو حتى التأمل والتفكر وتشخيص مشاكل المسلمين وواقعهم؛ فالتمني هو ذاك الفن الذي يجعلنا شغوفين بانتظار البطل السماوي المنتظر، لعلّه يفك قيداً أو يحرك عجلات مصنع، أو حتى يضع موازين الحق في نصابها؛ فهذه هي عقلية المشلول الذي بات يضع الأحجار الثقيلة في عنقه، ويضع بينها صفار إنذار ينعق كلما سار واتجه لقصور معرفته برسالته وغاياته.
يقول علماء التنمية البشرية، لن يتم حل أي مشكلة بنفس العقل الذي أوجدها، فعقولنا وأنفسنا هي ما يجب أن تتغير، لا مكاننا ولا زماننا، قال تعالى “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” فالموجود هو طريق إلى المقصود، فالمسلمون يرون بأن الموجود غير مفيد، وأن المقصود هو مفقود، وبهذا يبقى المسلم يعيش ما بين الكسل والتمني منتظرا الحلول ذات الوجبات السريعة للنفوس التي لم تعد تشبع من الاتكاء على أريكة التقاعس والانتظار؛ فلا يمكن للمسلمين أن يحلّوا مشكلة واقعهم ما لم يقتنعوا أن مشكلتهم تخضع لقوانين وسنن ربانية مصداقا لقوله تعالى “فهل ينظرون إلى سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا، أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم”
إن فكرة انتظار البطل بحد ذاتها، تعرقل فكر المسلم وتجعله مكبل الهمة، خانع الإباء، يعيش على فتات ساعات الانتظار، يعرقل عجلة تحريك الإسلام بصلابة رحاه، وبمسلماته الفكريّة، لذا لا تنتظر من يبني لك كن أنت البنّاء، ولا تنتظر من يصنع لك البطل كن أنت البطل الذي تبحث عنه؛ ففكرة انتظار البطل هي ابنة الظلم القهر.
كن البطل المنتظر!
- التفاصيل