أ.د. ناصر أحمد سنه

الإنسان والحيوان .. رفقاء درب طويل. لعل اقتناء بعض الحيوانات قد يضفي نوعا من المتعة  والبهجة والجمال والإثارة، لكن أن تثبت الأبحاث الطبية الحديثة أن رعايتها والاهتمام بها وببيئتها يُلبى احتياجات ضرورية، كما أنه ـ في ظل شيوع "أمراض العصر"ـ يُحسن من الصحة البدنية  والنفسية، فكيف يكون ذلك؟.

منذ فجر التاريخ ارتبط الإنسان بعلاقة وثيقة بالبيئة الحيوانية، علاقة أحاطتها هالات من الرهبة والرغبة.. رهبة من الحيوانات وصلت لحد تقديسها خشية بأسها، ورغبة في استئناسها ومصاحبتها بغية الانتفاع بها، فالخيل ـ والتي يفترض العلماء أنها قد وُجدت مع القطط في نفس الوقت تقريباً ـ دخلت مصر مع الهكسوس (القرن الثامن عشر ق.م.) بيد أنها لم تصبح حيوانات مقدسة لأي من الأرباب، لكن ظهرت في الرسوم الدينية مع الربات المحاربات القادمات من كنعان.
اهتم العرب ـ قديماً وحديثاً ـ بالخيل وبيئتها اهتماماً كبيراً، فأول من اعتنى بها وروضها هو "إسماعيل بن إبراهيم" عليهما السلام. ثم أفردها العرب برعاية غامرة، ومحبة وافرة، ومنزلة عالية، فتغنوا بها في أشعارهم، وحفظوا أنسابها بقدر ما حفظوا أنسابهم، واحترموها وصانوها من الهجنة ما استطاعوا، ووفروا مستلزماتها وما تعتاش عليه، وكان أشراف العرب لا يجدون غضاضة في القيام بخدمة الخيل ورعايتها بأنفسهم:" ثلاثة لا يأنف الشريف من خدمتهم: الوالد والضيف والفرس". كما يذكر الجاحظ:" لم تكن أمة قط اشد عجباً بالخيل، ولا أعلم بها من العرب"، وفي شانها يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم:"الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (صحيح  البخاري برقم:2637).

كذلك نجد نبي الله سليمان عليه السلام يعلن عن حبه للخيل وحدبه عليها ورعايته لها: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ. إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ. فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ  رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) (صّ:30ـ31). تشير الدراسات ذات الصلة إلى أن ما فعله سيدنا سليمان هو من طرق فحص الخيل والحدب الواجب عليها:" فللحيوانات الأهلية أمزجة متباينة، وطباع تتقلب بين الدعة والشراسة لذلك يتطلب الاقتراب منها حرصاً وانتباهاً كبيرين، خصوصاً للغريب، ففي الخيل يجب أن يظهر فاحص الحصان كثيراً من العطف فيربت على رأسه ورقبته و ظهره فيطمئن إليه،، ولما سيفعله من رفع قوائمه أو قياس نبضه أو دفعه للعدَو من ثم مراقبته أثناء ذلك" (الشبكة الدولية للمعلومات، www.55a.net).

للخيل والفروسية فوائد وأخلاقيات وجماليات واقتصاديات عديدة، والحديث عنها في الثقافة العربية والإسلامية القديمة والحديثة اكبر من أن يحصى في هذه العجالة. فالفروسية وسباقات الخيول من أرقى ضروب الرياضة التي نالت التشجيع:"علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا".

حديثا تؤكد الدراسات الطبية أن ممارسة المرء لنشاط عضلي بصفة منتظمة يساعد على إنقاص وزنه، مما  يحميه صحياً من أمراض السمنة، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب. من النادر أن نجد فارسا مترهل العضلات، بدين الجسم، معتل البدن، مضطرب النفس. إن الرياضة تساعد الإنسان علي الوقاية من الإصابة بالقلق والتوتر والاكتئاب، كذلك تحميه من الإصابة ببعض أنواع السرطان، كسرطان القولون وسرطان الثدي (مجلة العربي: 565، ديسمبر 2005م، ص 94-97، الكويت). من الناحية النفسية نجد الفروسية تصبغ الفرسان بآداب وطباع: الشجاعة والفتوة والنخوة والشهامة والشرف والصلاح والكرامة والحمية والرحمة ورقة الشمائل والنصرة للضعيف. كما تُكسبه: القوة والمهارة والمقدرة على التحكم في الخيل عبر قفز السدود والحواجز والعدو، ومن اشهر ألعاب الفروسية لعبة الكرة والصولجان والتي تطورت إلى "البولو" الحالية.

لا يغيب عن البال أن في النفس البشرية حواس وحاجات ماسة لتذوق الجمال والشغف به. حاجات تغلغل فيها لتحمى سلامتها، الباطنة والظاهرة، من طغيان مظاهر القبح. لذا نجد الجمال ومظاهره في الكون، جماداته وأحياءه، عنصر أصيل مبثوث لإشباع تلك الحواس، وتلبية تلك الحاجات علي حد سواء. عند التأمل في تكوين ومظهر الحيوانات، كل الحيوانات بلا استثناء حتى ولو بدا للبعض قبحها أو وطأة منظرها، نجد أمرها ليس موقوفا على تلبية وظيفتها، بل لتضفي علي الطبيعة لمسات من الجمال والروعة:"والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تـُريحون وحين تسرحون. وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق النفس إن ربكم لرءوف رحيم. والخيل والبغال والحمير لتركبوا وزينة ويخلق ما لا تعلمون" النحل:5ـ8. كذلك لا يجد القرآن غضاضة من إطلاق أسماء بعض الحيوانات والحشرات على  بعض سوره: البقرة والأنعام والنمل والنحل والعنكبوت والفيل، كما نراه يضرب ببعضها الأمثال للاعتبار، وهو بذلك يرفع من شأنها ومكانتها، ويوجه النظر لتأمل خصائصها وفوائدها، ومن ثم العناية بها وببيئتها.

للخيل والفروسية فوائد صحية وأخلاقيات وجماليات واقتصاديات عديدة

ومازال للخيل فوائدها المتعددة في السلم والحرب وحراسة الحدود وحفظ الأمن العام الداخلي والخارجي في آن معا:"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(الأنفال:60).

رعاية الإبل.. وصحة الإنسان البدنية والنفسية

عرفها الإنسان منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام ق. م.،ولفتت الأنظار لتأملها، والتدبر في خلقها:{أَفَلا يَنظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَت} الغاشية:17. هي وسيلة للسفر وحمل الأثقال عبر الصحارى والجبال والزراعات، ومصدر غذائي للألبان واللحوم والجلود والأوبار. تم إجراء العديد من البحوث على أنواعها وسلوكياتها، واقتصادياتها، وكيفية تأقلمها مع بيئتها وظروف معيشتها، ومقاومتها للأمراض، وخصائص ونوعية لحومها، وكمية ومكونات ألبانها وأبوالها.

خلصت الدراسات إلى الإبل تقاوم معظم الأمراض المعدية التي قد تصيب نظرائها من الأبقار والغنم، لذا فلحومها وألبانها اكثر سلامة وهما يساعدان في تحسين صحة الإنسان وغذاءه، كما ونوعًا.  استفاد العرب قديما من لبن الإبل في علاج كثير من أمراضهم كالجدري والجروح وأمراض الأسنان وأمراض الجهاز الهضمي ومقاومة السموم:" فلبن الإبل محمود يولد دما جيدا ويرطب البدن اليابس وينفع من الوسواس والغم والأمراض السوداوية، وإذا شرب مع العسل نقى القروح الباطنية من الأخلاط العفنة، ويشرب اللبن مع السكر يحسن اللون جدا ويصفي البشرة وهو جيد لأمراض الصدر وبالأخص الرئة وجيد للمصابين بمرض السل، ولبن اللقاح جلاء وتليينا وإدرارا وتفتيحا للسدد وجيدا للاستسقاء". يقول الرازي:" لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج''، ولابن سينا في القانون: ''إن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق وما فيه من خاصية، وان هذا اللبن شديد المنفعة فلو أن إنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام شفي به، وقد جرب ذلك قوم دفعوا إلى بلاد العرب فقادتهم الضرورة إلى ذلك فعفوا''. فاللبن ليس مانحاً للقوة فقط ولكن للصحة أيضاً.

أثبتت الدراسات الحديثة أن حليب الناقة يحتوي على كمية قليلة من الدهن المشبع واللاكتوز، وشربه يخفض من مستوي الجلوكوز في جسم الإنسان وله دور في علاج السكري (سكري البالغين)، عبر احتوائه على مستويات عالية من بروتينات شبيه بالأنسولين، وهذه المركبات تنفذ إلي الدم من غير أن تتحطم. إضافة إلى احتوائه على كمية كبيرة من الأحماض الأمينية مثل: ميثونين والأرجنين والليسين، وكذلك فيتامين ج، والكالسيوم والحديد، مما يجعله ملائما للأطفال الذين لا يرضعون، كما هو ملائم لمن لا يتمكن جهازه الهضمي من هضم سكر الحليب، ومن يعانون من الجروح، وأمراض التهاب الأمعاء، ومرضي الربو، ولمن يتلقون علاجا كيماويا لتخفيف حدة العوارض الجانبية مثل التقيؤ.

نشرت مجلة العلوم الأمريكية في عدد أغسطس 2005م: أن عائلة الجمال وخصوصا الجمال العربية ذات السنام الواحد تتميز بامتلاكها ـ في دمائها وأنسجتها ـ أجســـاما مضادة صغيرة تتركب من سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية على صورة حرف V تسمي الأجسام المضادة الناقصة أو النانوية   Nano Antibodiesأو اختصارا Nanobodies، فضلاً على وجود الأجسام المضادة الأخرى، والتي على شكل حرف  Y، وأن حجم هذه الأجسام المضادة هو عشر حجم المضادات العادية، وتمر بسهولة عبر الأغشية الخلوية وتصل لكل خلايا الجسم، وأكثر قدرة على أن تلتحم بأهدافها وتدمرها. وتمتاز هذه الأجسام النانوية بأنها أكثر ثباتا في مقاومة درجة الحرارة ولتغير الأس الأيدروجيني، وتحتفظ بفاعليتها أثناء مرورها بالمعدة والأمعاء، مما يعزز من  آفاق ظهور حبات دواء تحتوي أجساما نانوية لعلاج مرض الأمعاء الالتهابي وسرطان القولون والروماتويد وربما مرضى الزهايمر أيضاً. نالت هذه الأجسام المضادة اهتماما بحثيا لعلاج الأورام منذ حوالي 2001م، وأثبتت فاعليتها حيث تلتصق بكفاءة عالية بجدار الخلية السرطانية وتدمرها، وقد نجحت بعض الشركات في إنتاج دواء مكون من مضادات شبيهة بالموجودة قي الإبل لعلاج السرطان والأمراض المزمنة. وطـُورت هذه الأجسام النانوية لتحقق اهدافاً علاجية تغطي بعض الأمراض المهمة التي يعاني منها الإنسان كالسرطان، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والالتهابات.

في دول الخليج يكثر الاهتمام برعاية الإبل ـ وهي تشارك بكثرة في بعض الرياضات كسباقات الهجن، (وإن كان سيستبدل الراكب بـ "روبوت" مدرب على هذه السباقات). من الناحية النفسية  نجد بإمكان المرء أن يتعلم الكثير من الصفات والطباع التي تتحلى بها الإبل مثل: التحمل والصبر والعمل الدؤوب والقناعة والاقتصاد في المأكل والمؤونة، والادخار لما هو قادم، والعطاء حتى في اقسي الظروف.

رعى الغنم.. مهنة الأنبياء
لقد كان رعى الغنم مهنة كل الأنبياء، فما من نبي إلا ورعي الغنم، فنبي الله موسى عليه السلام يشير لعصاه قائلا:"وأهش بها على غنمي.." طه: 18، ففي رعاية الغنم فترات طويلة الرياضة والمشي، وكذلك التأمل والصفاء الذهني والتوحد من الكون، مما أثمر عن كبير الأثر في بناء شخصية الأنبياء الكاملة القائدة.

القطط والكلاب وأعشاش الطيور واسماك الزينة..هل من فوائد تعليمية وبدنية ونفسية؟

ترجع أول إشارة للقطط الأليفة في أدبيات قدماء المصريين إلى حوالي 2100 ق. م، وقد عدّوها ـ إضافة إلى الكلاب التي تم استئناسها منذ ما يقرب من 8 ـ 12 ألف عام ـ ضمن "الحيوانات المقدسة Sacred animals"، وفى هذا يقول المصري القديم:" أعطيت خبزا للجائع، وماءً للظمآن، وثيابا لمن ليس لديه ثياب، واعتنيت بأبي قردان والصقور والقطط والكلاب المقدسة، ودفنتها تبعا لما تقضى به الطقوس الدينية ، فدهنتها بالزيت ولففتها في أكفان من الكتان المنسوج".  ولقد مثلت القطة "الربة باستت Bastet.. رمزا للخصوبة والجمال والشفاء"، ونُـظر للقط الذكر كمرادف لقداسة وقوة إله الشمس "رع"، وفى معجم الحضارة المصرية القديمة (ط 2، 1996م)، يقول هيرودوت:" إن المصري ليترك أمتعته تحترق ويخاطر بحياته لينقذ قطاً من الحريق، بينما قتل العامة مواطناً رومانياً لأنه قتل قطا". في حين مثـّل ابن آوى" انوبيس":الإله الجنائزي المتجسد في صورة حيوان اسود من الفصيلة الكلبية.

لم يتم إغفال رفقة الكلب للفتية "أصحاب الكهف" بل عدّه القران الكريم ضمن عددهم و"كواحد" منهم، ولذا نجد السيرة العطرة تؤكد أن رعاية الحيوانات المنزلية  ـ ومن خلفها قيم الرحمة والتراحم واحترام الحياة والأحياء ـ  تصبح سببا لدخول الجنة جراء سقيا كلب يلهث من العطش، أو الخلود في النار لحبس هرة دون طعام أو سقاء.

وقد تكون القسوة نحو تلك المخلوقات سببا في عواقب وخيمة كالتي أوربا في القرون الوسطى، من مأساة "الطاعون الأسود" الشهير الذي اجتاحها وتسبب في هلاك  نحو ثلثي سكانها، وكان من أسبابه ـ كما يكر المؤرخون ـ  تلك الإبادة والمجازر التي ارتكبت بحق القطط (رمز الهرطقة والشعوذة والسحر)، فكان أن انتشرت بكثافة الفئران الناقلة للبراغيث المسببة لعدوى الطاعون.

الحيوانات المنزلية الأليفة كائنات حية، يراقبها ويهتم بها ويسعد بها الكبار و الصغار على حد سواء، فهي تعد من مباهج حياة شبابنا التي تعطي أقرب الوسائل وأيسرها للتعود على أخلاق ومعاملات وعادات قد تُـفتقد في غيرها من الوسائل، فعندما يتولون المسئولية عن رعايتها وإطعامها ونظافتها ومتابعة نموها، يتم تقدير معنى الحياة، والوعي بقيمتها وقيمها وفى اللب منها قيم تحمل المسئولية والعطاء.

كما أن وجودها يحفز دوافع التعلم والاستكشاف والإبداع لدى أبنائنا، فهم يشاهدون عمليا كيف يستخدم الحيوان الأليف حواسه المختلفة في التعرف على البيئة المحيطة واستكشافها ومعرفة مخارجها وأماكن الهروب منها، وبخاصة عندما يدخلها للمرة الأولى. ومازالت الحيوانات الأليفة مُعلِم ماهرٌ في فنون الصيد والقنص فلديها مهاراته وإمكانات التحكم في الجسد الرشيق (كالقطط) أو المساعدة والمشاركة فيه وإحضار الفرائس (كالكلاب) فيتعلم الأبناء تلك المهارات الهامة.

للكلاب فوائد عدة تساعد الإنسان بدنياً وصحياً: كحراسة الماشية والمنازل والحدود والأفراد، وإنقاذ المفقودين والمسافرين، وقيادة فاقدي البصر، وفى إغلاق مصابيح الإنارة والغسالات والأبواب وخدمة توصيل بعض الأغراض للمقعدين وذوي الاحتياجات الخاصة، ووسيلة للجر والنقل، ووسيلة للاتصال أيام الحروب والأزمات، ومهمة استكشاف المخدرات والمواد المحظورة، واستكشاف المناجم كأبرع جيولوجي، وفوائد جليلة  للبحث العلمي والطبي  والجراحي والدوائي كحيوانات للتجارب (وإن كان ذلك يلقى معارضة كبيرة من جمعيات الرفق بالحيوان). وأضف إلى ذلك احدث وظيفة تم تدريب الكلاب عليها وهي عملها "كجرس إنذار" يتنبأ بقدوم نوبات الصرع   epilepsy من خلال نبرات وتعبيرات وجوه مخدوميها، ومن ثم تقفز وتنبح وترقد عند أقدامهم مما يعمل على إيقاظهم  وتنبيههم.

الحيوانات الأليفة تمثل رفقة جيدة للجميع (صغارا وكبارا، شبابا وشيبة)، فهي "خير صديق" يتم التواصل والتناغم معه والاحتكاك به واللعب والتريض معه، فلعبٌ  وادعٌ من صغيرك مع أرنب، أو لمسة دافئة لشعر قط " شيرازي"، أو ربطة حانية على رأس ورقبة كلب الحراسة أو الصيد  أو "راعى الغنم الألماني"، أو نظرة لعصافير الزينة الجميلة المغردة.. كفيل بتخفيض مستوى الضغوط اليومية الواقعة على أفراد الأسرة بعد قضاء ساعات طوال في المدرسة والدرس والجامعة والعمل والمنزل والمطبخ والمقهى والشارع، ونشرات الأخبار و" إدمان" الكومبيوتر. ومن ثم تتحول إلى أوقات من الراحة والهدوء، وما عليك ألا أن تجرب.

من الصعب تفسير الحياة النفسية للحيوانات الأليفة أو التعبير عنها بلغة إنسانية، فإذا كانت الكلاب مضرب المثل في الوفاء والإخلاص والحب لصاحبها، فتضرب عن الطعام إذا ما مرض، وقد تضحي بحياتها في سبيل إنقاذه من أزماته، تُـظهر القطط ملامح"الاعتداد بالنفس والاستقلالية" بصوره أكبر، فالقطط من الحيوانات المعدودة التي نادرا ما يسودها "النظام الأبوي" أو نظام القطيع فهي لا تعيش إلا منفردة، مستقلة، مغرورة، أبية، هانئة بتأملاتها الذاتية، محتفظة ببعض صفاتها البرية، لا تبدى مشاعرها كثيرا، وقد لا نحتاج ـ عادة ـ لوظيفتها الأساسية (صيد الفئران)، ومع ذلك تبقى مدللة محبوبة‍‍‍‍‍‍‍‍، فهي تمثل نموذجا يحتذي في النظافة العامة وفى التجمل، فهي تقضى ساعات طوال في تنظيف نفسها، والعناية بشعرها.

أشارت دراسة للمجلة الأمريكية لعلم القلب، والمجلة الطبية الأسترالية إلي أن: من يمتلكون حيوانا أليفا يبتعدون كثيرا عن الإصابة بنوبات قلبية، لأنهم مضطرون للمشي اليومي مع كلابهم ورعايتها، فيمارسون بذلك الرياضة المنتظمة مما يخفف من ضغوطهم، ويقلل من مستوى الكوليسترول وضغط الدم لديهم. تضيف الدراسة: إن مجرد مشاهدة اسماك الزينة في حوضها الزجاجي كفيل بتهدئة يومك الحافل بضغوط العمل والبيت والأولاد الخ. مما يخف من تعرضك لأمراض العصر ومنها مرض القلب. أوضحت دراسة فى جامعة ايرلانجن بألمانيا: أن المسنين الذين يحتفظون بأعشاش للحمام والطيور المنزلية يتمتعون بحياة افضل: سعداء ودودون ولديهم الرغبة في التحدث، والشعور بأنهم ما يزالون مرغبون.

في دراسة ميدانية تناولت:"بعض جوانب ظاهرة اقتناء الكلاب والقطط"(ضمن أعمال مؤتمر الطب البيطري العربي 25، في القاهرة 2001 م) تبين فيها أن: العلاقة بالحيوانات الأليفة اصبح لها دورا هاما في الوقاية والعلاج من بعض المشاكل النفسية  والاجتماعية حسب الشريحة العمرية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. فالشباب والشابات  بين 15ـ 25 عاما (في مرحلة المراهقة المتميزة بالتغيير والتقلب العاطفي والنفسي)، كانوا وكن الأكثر اقتناء واهتماما بالحيوانات الأليفة، مما يشكل لها مادة للحب والعطف والعطاء وإشباع الهوايات وللتسلية، فيتم بذلك الشعور بالأمان والتوازن النفسي ، كما تسهم في استثاره التواصل/ العطاء فيمن فقدوا القدرة عليه، ممن تعرض لضغوط وتوترات نفسية واجتماعية في هذه الفترة من العمر.

على الرغم من ثورة الاتصالات فالواقع المعيش بات يفرض عزلة كبيرة على الأفراد، وقد تمثل الحيوانات الأليفة شخصا/ موضوعا يتم التحدث إليه وعنه والتواصل معه، ممن يعيش وحيدا، أو لمن فقد رعاية أبنائه، أو لمن فقد الصديق والرفيق وشريك العمر أو قد تشكل ذكرى للأرامل والمطلقات والشيوخ، وفى بعض الأحوال قد يتم رعايتها على أنها (بدائل أطفال) ممن فقدوا القدرة على الإنجاب أو من فاتهم قطار الزواج. ومن ناحية علم النفس الاجتماعي Socio-psychology  قد تشكل الحيوانات الأليفة مرآة تعكس الحالة النفسية العامة أو المشاكل السلوكية المرضية للأسرة التي تتواجد فيها، كما أنها تفيد كثيرا في الدراسات والعلاجات العصبية والنفسية والسلوكية الإنسانية. فعلى سبيل المثال يشكل تواجد كلب مدخلا وحافزا للعب والتحرك لذوى الاحتياجات الخاصة من الأطفال والذين يرفضون التعاون مع معالجيهم في تمارين العلاج الطبيعي physiotherapy.

تشير الدراسات النفسية الحديثة أن الحيوانات الأليفة تمثل "مذيب الثلوج" في المواقف الاجتماعية لاسيما لهؤلاء المنطوين على ذواتهم، ويعانون "رهاب الأماكن المفتوحة"  أو "رهاب الجمهور"،  كذلك غير القادرين على التكيف والتواصل الاجتماعي، وإقامة علاقات اجتماعية سوية وسليمة. تؤكد  د."كارين آلين" من مدرسة الطب في نيويورك:"في المواقف الحرجة يوفر حيوانك الأليف مناخا مهدئا أكثر من أي رفيق آخر"، وتضيف:"في المواقف التي تطلب مواجهة الجمهور وأداء الاختبارات.. قمنا بقياس ضغط الدم، وعدد نبضات القلب، ومستوى الأدرينالين، ومدى التصبب عرقا لدى شرائح من الناس، فوجدنا أن ما يخفف من عوارضهم تلك إلى حد معنوي كبير تواجد ـ ليس أقربائهم ومحبيهم معهم ـ بل تواجد حيواناتهم الأليفة".

حتى حين يموت الحيوان الأليف.. فيتم الحزن عليه، والبكاء لفقده، ولكن في ذلك تمهيد لنفسية الجميع (صغارا وكبارا) لطبيعة الحياة والموت، والتقبل ـ بصبر وثبات ـ  فقد الأحبة في يوم من الأيام.

الحيوانات المنزلية.. كيف يمكن الوقاية من مخاطرها؟

قد يثور سؤال إذا ما كانت تلك منافع الحيوانات الصحية (بدنيا ونفسياً) فماذا عن مخاطرها، وكيفية الوقاية منها؟. قد تكون الخيول والإبل سببا في نقل بعض الأمراض للإنسان منها: الالتهاب المخي السحائي، والتيتانوس، والبروسيلا، والسل، والليستريوزس، والسالمونيلا، والجمرة الخبيثة، والسعار. وأمراض طفيلية منها الجرب والتكسوبلازموزس التربانوسوميازس، وأمراض فطرية مثل القراع والتهابات الجلد "التنيا" بسبب التريكوفيتون اكوينم، والميكروسبورم جيبسيم.

كما توجد أمراض قد تنقلها الكلاب والقطط للإنسان منها: داء السعار، والحمى الصفراء (اللبتوسبيروزس)، وداء المقوسات" التوكسوبلازما"، والدرن  البقري/ السل الآدمي، والليشمانيا والسامونيلا والأميبا والدفتيريا، وفطريات الشعر/ الميكروسبورم كانس  والجرب والتهابات الجلد والأظافر، والحوصلة القنفدية من الديدان الشريطية، وبعض الديدان الداخلية " كالتكسوكارا"، وقد تحمل الكلاب والقطط أنواعا من الجراثيم والحشرات (كالبراغيث والقراد وغيرهما)، فيسبب مشاكل مرضية وأعراض تحسس (لمن لديه استعداد لذلك وبخاصة الأطفال) تستلزم مراجعة الطبيب.

تتمثل الوقاية والحماية فيما يلي: يُفضل اقتناء الحيوانات من مصدر موثوق به، ومن سلالات جيدة. ومراعاة النظافة العامة للجميع وغسل الأيدي جيدا بعد التعامل مع الحيوان. إعطاء الحيوانات اللقاحات اللازمة، والعقاقير الموصوفة وفى فتراتها المحددة للوقاية من الأمراض. الرعاية الجيدة والنظافة الدائمة للحيوانات وبيئتها وأماكن إقامتها وتطهيرها المستمر. التغذية السليمة والصحية والآمنة للحيوانات الأليفة، وعدم إعطاء علائق غير معروفة المصدر. ثم استشارة الطبيب البيطري متى ظهرت أعراض غير عادية على الحيوانات المنزلية ومراجعته دوريا.

بقلم: أ.د. ناصر أحمد سنه / كاتب وأكاديمي من مصر.

E.mail:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

JoomShaper