حمدة خميس
للحياة وجه جميل، قلما نستطيع اكتشافه والامتزاج به، بسبب كثافة الضباب الذي يحاصر نفوسنا وأفكارنا وأحلامنا. فكيف نستطيع أن نعلي من سخونة هذه الروح؟ كيف ننفخ الرماد الذي يحيط بجمرتنا، كيف ينقشع الضباب ونرى في مرايا النفس صفاء أفكارنا وطموحاتنا؟
نحن بشر تمتلئ قلوبنا بالخير والمحبة والذكاء.. نريد أن نحيا في طمأنينة ورقي وسلام. نريد أن يكون وجودنا في الحياة خفيفاً على نفوسنا ونفوس الآخرين. نريد أن نكون نافعين للآخرين ولأنفسنا، وللطبيعة، مصدر بقائنا وحيويتنا، تماماً مثل الكائنات الأخرى في الطبيعة.


إن لكل كائن في الطبيعة خيره ومنفعته، بينما نعتقد نحن البشر أن بعض الكائنات شريرة فقط، بسبب من عجزنا المعرفي عن كشف وجوه الخير فيها لاستمرار الحياة على هذا الكوكب. نحن أيضاً بعض هذه الكائنات، ولعل وظيفتنا في الوجود هي العمل على استمرار هذا الوجود، وتحسين شروط عيشنا وعيش جميع الكائنات فيه، وليس تدميره. وحين نستطيع بوعينا الإنساني ـ وهذا ما لا تستطيعه الكائنات الأخرى ـ أن نجعل الحياة أجمل وأرقى فإن أي عائق يحول دون هذا الارتقاء، وهذا الجمال، ينبغي أن يزول.. ينبغي أن يدمر الشر وحده بتعدد أقنعته وحضوره، ينبغي أن يدمر، ولتبق لنا رسالة الحفاظ على الخير والجمال والنبل!

منذ أن أطلق الفيلسوف الوجودي “سارتر”مقولته الشهيرة، “الآخرون هم الجحيم” وهي تستخدم في غير موضعها وغاياتها ومعناها الفلسفي العميق. فالآخرون ليسوا جحيماً إلا حين يكونون عثرة في طريق الارتقاء والتطور والخير، أفراداً كانوا أم جماعة. فما من إنسان لا يحتاج إلى الآخر، بل للآخرين، مهما كانت درجة اعتداده بفرديته وقوته وجبروته. بل إن الإنسان يحتاج أكثر للآخرين حين تنهض مقاصده على الخير، وغايته على السمو. إننا نحتاج للآخرين دائماً في علاقة تنهض على الإدراك العميق لضرورة الآخر في التكامل معنا. كي نقتسم معه انتصاراتنا وأحلامنا، وحتى معاناتنا الشخصية. إن الحقيقة التي يستشعرها كل فرد في أعماقه، بوعي وإدراك، أو من دون وعي، هي أنه يحتاج إلى أن يحب، وأن يكون محبوباً. وسحر هذا الشعور من القوة والغموض بحيث لا يمكن سبر أغواره وتعليله ومعرفته، سوى أنه غريزة تكمن في طبائع، لا الكائن البشري وحده، بل جميع الكائنات الحية في الطبيعة.
لكن كيف يمكن أن تتم هذه المعادلة (محباً ومحبوباً ) دون أضرار تلحق بمسيرة التطور الشخصي لكل طرف؟ ففي علاقتنا بالآخر نفقد جزءاً من حيويتنا وقدراتنا وحرية أرواحنا، في ظل قيم تقوم على أساس التابع والمتبوع. ولعل علاقة المرأة بالرجل، والتي ما زالت تقبع في قاع بئر التملك المرذول، تمثل نموذجاً فريداً لمثل هذه العلاقة المختلة!

إن رغبة الإنسان في السيطرة على ما يحيط به تكاد تكون هي الغريزة الشريرة الكبرى التي لم تشذب بعد ولم تقتلع. ونحن حين نتأمل هذه الخاصية (غريزة السيطرة) فإن الاعتقاد يأخذنا إلى أن السبب يكمن في إحساس الإنسان بالضآلة أمام هذا الكون الهائل، وإحساسه بالعجز أمام سلطة الموت والفناء.

حين ننصت لوقع أقدامنا في مسيرة الحياة، نشعر كم نحن صغار وضئيلون ومجهولون. بل نكاد نشعر بأننا مجرد نقطة متناهية الصغر أمام هذا الكون الهائل اللامتناهي، وفي هذا الكوكب الذي على صغره في الكون، متسع حد المجهول. يتملكنا إحساس بأننا أصغر من نملة في هذا الامتداد الأبدي، ويمكن لقدم أن تسحقنا، تماماً مثلما نفعل نحن حين تطأ أقدامنا سرب نمل أو أي كائن صغير آخر.

إن هذا الشعور بالضآلة والعجز والصغر، كامن في نفس كل فرد من البشر، البعض يعيه، والبعض يكمن في لا وعيه. وربما أن حب التملك والسيطرة، محاولة لمقاومة هذا الشعور.

إن السيطرة صرخة شريرة تقول: أيها الناس الذين لا يحصون.. أيتها الطبيعة الغامضة.. أيها الكون الهائل، العصي، البعيد..أنا هنا.. انظروا إلي، وأنا قادر على إخضاع كل شيء لهذه القدرة!!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

جريدة الاتحاد

 

JoomShaper