هذه ثلاث صور من بين ما لا يحصى من الصور المأساوية في قطاع غزة أثناء الحرب الإجرامية والتي أكبر ضحاياها النساء والأطفال
فريدة – مخيم النصيرات للاجئين
لم يتغير صوتها لا يعلو ولا ينخفض ظل طوال الوقت محافظا على حدته المنخفضة، وهي تحدثنا عن استشهاد زوجها وأبنائها الاثنين ورحلة هروبها من القصف.
فريدة أم لثمانية أطفال تسكن بجوار الجامع المجاور لمستوطنة نتساريم شمال قرية المغراقة، حدثتنا عن التجهيزات لليلة الاجتياح فقد ذهب زوجها لشراء احتياجات المنزل، رغم القصف المتواصل الذي لم يقنع الزوج بأن ناقوس الخطر يدق على عتبات بيته في ذات الليلة ولكنه عاشها ويومها التالي بتفاصيلها على الرغم من القصف الذي لا يهدأ.
في الصباح الأطفال الثمانية يتناولون إفطارهم لم ينتهوا منه حتى عمت الفوضى، صراخ، قصف طائرات ومدفعية ولا أحد يعلم من المستهدف حتى اخترقت الشظايا البيت الصغير، وبعد هدنة لدقائق أعلنها القصف على المنازل، خرج الزوج لاستطلاع الأمر، لم يكن بالبعيد أنه هنا عند باب المنزل وخرج صغيريه الاثنين يحتميان بوالدهما فما كادت القذائف تشتم رائحتهم حتى هرعت بمباغتتهم، هزت القذائف الأسرة بكاملها لا أعلم ما الذي هز الأسرة هل هو صوت القصف غير المحتمل أم رؤية فريدة وصغارها لزوجها المشطور لنصفين وصغيرها الذي يبلغ من العمر 22 شهرا وقد شطر هو الأخر لنصفين، أما الصغير الثاني فبقي كما هو مفترشا عتبات المنزل مصابا في الرأس، خلف الرأس.
صراخها وأطفالها لم يسمعه إلا الجيران الذين لا يستطيعون فعل شيء سوا الاتصال مرارا و تكرارا بالصليب الأحمر والإسعافات، فلم تأت إلا في وقت متأخر.
لم تنته القصة بعد فهناك رحلة الهروب من القرية مع الأقارب والجيران مصاحبة للقصف العشوائي للطائرات والدبابات، مجازفين تارة بالركض وتارة أخرى مختبئين بين أشجار البرتقال، حتى وصلوا جميعا لمركز الإيواء لعله يكون مأوى لهم.
ياسمين أبو الجديان
ياسمين ابنة 15 عشر عاما، تسكن وعائلتها المكونة من والداها وإخوتها الخمسة في مخيم جباليا، تروى ما حدث لهم وهم في منزلهم فتقول: إنها كانت تساعد أمها في ترتيب المنزل، بينما إخوتها الصغار كانوا يلعبون في إحدى الغرف، وفي لحظة ما سقط صاروخ على إحدى زوايا منزلهم، أربكهم لدرجة إنها لم تصدق أن هذا الصاروخ يستهدف منزلهم.
أخذت تبحث بخوف ورهبة عن إخوتها الصغار، بينما سارعت أمها لجلب رضيعها من سريره، الذي أنقذته رحمة الله وحدها، بعدما سقط سقف الغرفة المكون من ألواح الزينكو على سريره، فشكل أحد ألواح الزينكو حاجزا حال دون سقوط الركام والردم على الطفل الرضيع، انتشلته أمه بصعوبة وهرعت مع ياسمين وباقي أطفالها الخمسة فارين من جوف منزلهم والرعب الخوف يتملكهم من هول ما تعرضوا له.
وما أن تخطوا عتبات المنزل حتى سقط صاروخ آخر دمر ما تبقى منه، وبعد أن تداركت ياسمين الصدمة أخذت تفكر بحقيبتها المدرسية التي دفنها الركام وتطايرت كتبها ودفاترها مع قوة القصف العشوائي، لجأت مع أمها وأخواتها الصغار إلى بيت إحدى أقاربها لعلهم يجدون مأوى من قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية الذي يستهدف البشر والشجر والحجر دون رحمة أو تمييز.
أمينة سلمى
أمينة طفلة في الحادية عشر من العمر كانت تسكن وعائلتها المكونة من سبع أفراد في حي الزيتون بجوار عائلة السموني، استيقظت وباقي أخواتها فزعين على صوت أزيز زخات الرصاص وهدير القذائف المتواصل، فكان يوم المجزرة التي أبيد فيها عائلة السموني بكاملها، أسرعت وأخواتها إلى حضن أمها لعلهم يجدون الدفء والحماية، بينما هب والدها ليلقي نظرة عبر نافذة البيت، ويا لهول ما شاهده حيث الدبابات وجنود الاحتلال يدقون بقذائفهم ورصاص بنادقهم بيت الجيران وهم عائلة السموني.
وفي محاولة لتهدئة الخوف لدى الأولاد اتجهت الأم إلى المطبخ لتصنع لهم الشاي عله يهدئ من حالة الخوف والارتجاف التي سيطرت على أجساد أطفالها الغضة والنضرة، وما أن وصلت عتبات المطبخ حتى احتجزت داخله بسبب وابل من الرصاص القادم من بيت عائلة السموني، لم تستطع معه العودة للغرفة التي جمعت فيها أطفالها وزوجها. وما هي إلا لحظات حتى سقطت على الأرض مستشهدة ودمائها تنزف بغزارة من جسدها الذي أثخن بالرصاص.
لم يكن أمام الأطفال ووالدهم سوى البقاء في أمكنتهم دونما أدنى حراك، وصرخات مكبوتة في صدورهم حتى صباح اليوم التالي، حيث أقدم جنود الاحتلال على هدم جزء من منزلهم، واقتحموه متجولين في غرفه وأروقته.
تناوب الجنود على ضرب أخويها فريح وخالد، وظلت أمينة وإخوتها ووالدها متقوقعين ليومين كاملين في إحدى زاويا الغرفة، لا يجرؤ أحد حتى على الوقوف، فكل من فكر بالحركة، كان ينتظره وابل من الرصاص.
تقول أمينه أنها تمكنت وباقي أفراد أسرتها الفرار من منزلهم بعدما سمح لهم جنود الاحتلال الإسرائيلي بمغادرته حاملين راية بيضاء.
وعند خروجهم باتجاه جيران آخرين، لم يختلف الوضع والحال، ما اضطرهم للسير جنوبا، لا يعلمون إلى أين وبعد مشوار طويل مع باقي الأسر والعائلات إلى أن وصلوا مشارف مخيم النصيرات، ومن هناك نقلهم سائق سيارة إلى إحدى مدارس المخيم التي أعلنت كمركز إيواء لمن شردوا من بيوتهم.
منتديات فلسطين الألكترونية