ربى الرياحي

عمان- الخوف من الحقيقة وربما تجاهلها والاستسلام للغموض خيار يتيح البقاء في الطريق الآمن والاحتفاظ بكل ما نحب من دون أن نضطر إلى الخسارة ودفع الثمن غاليًا. الوضوح ليس مخيفا، إنما المخيف عيش الحياة بتفاصيل أبعد ما تكون عن الحقيقة، للبقاء داخل محطة السلام وبعيدا عن الخيبة والألم.

القصص كثيرة تلك التي يلفها الغموض وتغيب عنها الحقيقة، وذلك بسبب الاعتياد على المسارات الآمنة حتى وإن كانت خاطئة في بعض الأحيان.

منال سعد (30 عاما)، اقتنعت بعد تجارب كثيرة ومواقف كانت السبب في اكتشافها لنفسها أن الوضوح رغم أنه مكلف أحيانا، إلا أنه يجعلنا نرى الأشياء كما هي. تقول عن نفسها: "أصبحت أفضل الوضوح حتى وإن كان مؤلما بدلا من أن أبقى رهينة للحيرة والتوقعات".

وتبين أنها في الماضي، كانت تبحث عن الأمان فقط بعيدا عن أي تفاصيل أخرى كانت تعتقد أن سلامها النفسي يكمن في البقاء ضمن دائرة المغيبين عن الحقيقة لا تهتم لما يحدث حولها أو حتى معرفة أمور قد تعنيها شخصيا، في سبيل أن تظل آمنة مستقرة بمعزل عن المخاوف والشكوك والاحتمالات المرهقة". لكنها بدأت ترى أن الوضوح ينقذها من مشاكل كثيرة، وحتى إن كان سببا في صدمتها لكنه أفضل لها.

أما أسامة، فيعترف أن الحقيقة قد تفقدنا الشعور بالأمان لبعض الوقت وهذا ما نخشاه جميعا، هو يعي جيدا أن كشف الحقيقة قد يرافقه بعض الخسارات، لذا فإن ادعاءنا بعدم معرفتنا بالحقيقة لن يلغيها. يقول: "بعض الأشياء وضوحها مخيف وبعض الحقائق اكتشافها متعب نتوقف عندها لنعيد حساباتنا، قد نستطيع أن نتجاوزها وربما نستغرق وقتا لاستيعابها، لكنها حتما خيرا لنا من أن نبقى نظن أن الجوانب المحيطة بنا كلها آمنة، فالثمن الذي سندفعه في تصحيح مسارنا سيكون أقل من الثمن الذي سندفعه في ما لو استمررنا في المسار الخطأ".

الوضوح مع النفس ومع الآخرين ومصارحتهم بالحقيقة، أمر مهم ومريح نفسيا، بحسب الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، الحقيقة وإن تم التعتيم عليها سيأتي يوم وتنكشف رغم كل المحاولات لطمسها وتشويهها.

ويبين مطارنة، أن الأشخاص الذين يخشون الحقيقة هم في الأساس لديهم ضعف في قدراتهم وشخصياتهم غير واثقين بأنفسهم، يرفضون الاعتراف بأخطائهم وأيضا يخافون كشف الحقيقة، لاعتقادهم بأن وضوحها يهدد أمانهم وربما يفقدهم إياه نهائيا، إضافة إلى أن الحقيقة قد تكشفهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين.

ويرى أن هناك من لا يفضلون الصراحة والإضاءة على حقائق كثيرة في حياتهم، ينزعجون من الشخص الواضح ويتخذون منه موقفا، فيعتبرونه عدوا لهم فقط لأنه يزيل الستار عن أمور ينكرونها وهذا ما يجعله يدفع ضريبة وضوحه وهي كره الناس له وحقدهم عليه وابتعادهم عنه. ووفق مطارنة، فإن الغموض يولد حالة من عدم الصدق والتغرير بالآخرين وخداعهم وتركهم للحيرة والشكوك. لذا ينبغي التوقف عن المسارات الخاطئة وتصحيح الوجهة فإيقاف الخسارة ربح، والوضوح سيمنح صاحبه فرصة لإعادة حساباته واكتشاف ذاته من جديد وتحديد الخطأ ومعالجته.

وبحسب خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، إن تصور الأحداث والأشخاص من حولنا أمر غاية في التعقيد والصعوبة ويحتاج إلى مهارة عالية، فالتفوق على الظروف الغامضة ضروري للفرد حتى يصل إلى الحقيقة، كذلك اتخاذ القرارات بناء على المعطيات المتوفرة.

وتتابع ابراهيم؛ بعض المواقف المبهمة تكون غاية في الخطورة، لأن اكتشاف الحقيقة قد يكلف ثمناً باهظا من مشاعرنا وتوازننا النفسي، لأن هذه الحقيقة قد تكون صعبة ومؤذية ولا تتناسب مع طموحاتنا الشخصية تجاه الأحداث والأشخاص، وخاصة في العلاقات الأسرية والعاطفية وعلاقات الصداقات، التي تبنى على أساس عال من الثقة مثلاً.

وتلفت إلى قاعدة ذهبية من الممكن أن تفيد وهي، عدم المبالغة في محاولة الكشف عن التفاصيل، وعدم رفع سقف التوقعات أو الأحلام أو الأهداف تجاه المواقف والأحداث ورفع الثقة بالنفس، وعدم المبالغة في ردود الأفعال عند كشف الحقيقة.

أما فيما يتعلق في مسار الحياة، فالأصل أن نسير في مسار حقيقي وواضح بحسب المواقف والظروف، فالاتجاه بالمسار الخاطئ لا يحقق الأمان، بل على العكس يخلق حالة من التوتر والخوف والقلق الدائم.

وبالنسبة لاختيار شخصياتنا بين أن تكون واضحة أو غامضة، يعتقد البعض أن الغموض في شخصية الإنسان يعطيها نوعا من القوة والتميز، ‏وأن شخصيته يجب ألا تكون كتاباً مفتوحاً يستمتع بقراءته الجميع. تؤمن هذه المجموعة من البشر بالسرية والخصوصية والكتمان، وأن الغموض في الشخصية سر من أسرار نجاح الإنسان في الحياة، وأن أولئك الذين لا يملكون الغموض في شخصياتهم يفقدون سحر الشخصية وتميزها، طبعاً هذا الوصف مبالغ فيه، فالشخصيات الغامضة قد تكون غير مريحة وغير محبوبة وبعيدة عن الناس، وأفضل الشخصيات هي الواضحة الحقيقية باعتدال، والتي تحافظ على خصوصيتها وتكون قريبة من الناس ومحل ثقتهم في  الوقت نفسه.

JoomShaper