ربى الرياحي
عمان- قد تكون لحظات السعادة قصيرة مقارنة باللحظات الصعبة الحزينة، لكن الفرق يكمن بقدرتنا على أن نعيش الفرح بكل ما فيه من زاويتنا نحن لا من زاوية الآخرين، والسعادة ليست لها قاعدة ثابتة أو قوانين تحددها، فهي تختلف من شخص لآخر، وهذا يعني أن نرى السعادة بتلك الأشياء والأحداث التي تشبهنا وأن تكون سعادتنا بها عميقة حتى وإن لم تعنِ لأحد، وأن نمتلك الحرية بانتقاء ما يسعدنا وما يحررنا أيضا من أحكام الآخرين وتقييماتهم.
السعادة تبدأ عندما نستطيع أن نحقق أحلامنا لا أحلام وأمنيات غيرنا، هذا بحسب رانيا (35 عاما) التي تجد أن سعادتها ملكها وهي وحدها المسؤولة عن ذلك، فالسعادة بالنسبة لها شعور يرافقها دائما، حتى وإن تلبدت سماؤها بالغيوم وأصبحت الرؤية ضبابية من حين لآخر.
تقول "لا شيء يمكنه أن يبدد إحساس السعادة في داخلها أو أن يمنعها من ممارستها طوال الوقت، صحيح أن الظروف تعاندنا أحيانا، لكن رغم ذلك هي تعرف تماما كيف تسعد نفسها وتعيش الفرح بعمق، محاولة استدعاء كل ما يشبهها ويجعلها تستقطب ما يفرحها حتى لو من وسط الحزن والتعب".
رانيا تعلمت أن تعيش يومها سعيدة بكل ما تملكه من نعم من دون أن تكترث للاعتياد، لذلك هي تتعامل مع المشكلات بابتسامة، إلى جانب بحثها عن الحلو.
أما سهاد (41 عاما)، فتعتبر السعادة بداية التحرر من أحكام الناس وجلدهم، فهي من وجهة نظرها شعور مقترن بالرضا عن الذات وعن الخطوات المهمة في حياتها، سعادتها تتلخص بالبقاء على قيد الأمل وأن تظل قادرة على أن تحلم وتحقق كل ما تسعى إليه.
وتلفت إلى أنها تؤمن جدا بأن الإنسان متى ما فهم نفسه وعرف كيف يحتضنها وكيف يقرأ لحظات الفرح ويعيشها بالطريقة التي ترضيه، عندها سيصل إلى السعادة الحقيقية المبنية على الرضا واليقين، فالسعادة، برأيها، هي ما ينبض له قلبك أنت بعيدا عما يراه الناس ويقتنعون به، لا تنتظر أن يصنعها لك أحد، كن أنت المبادر دائما.
السعادة هدف كل إنسان، كما يبين الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، بقوله "مفهوم السعادة يختلف من شخص لآخر، فهناك من سعادته في المال وهناك من سعادته في العلم وهناك من يستشعر السعادة في كل شيء يعيشه، فكل إنسان يرى السعادة بطريقته، لكن الطريق لهذا الشعور واحد، وهو الرضا واليقين والتفاؤل والأمل". ووفق مطارنة، فإن السعادة هي الحرية، بمعنى أن يتحرر الشخص من كل المعتقدات والأفكار الخاطئة فمتى حررت نفسك من المعتقدات والمفاهيم التي ورثتها من طفولتك ومن مواقف الحياة والبيئة الاجتماعية التي تعيش فيها لكونها عدوا للسعادة وعدوا للتطور، ستستطيع أن تبلغ السعادة بمعناها العميق. ويشير إلى أن الوصول للسعادة يجعل الإنسان قادرا على بناء معتقداته وعالمه، وهو أن يكون مالكا لقراره يعرف متى يقول نعم ومتى يقول لا، إضافة إلى أن الشعور بالسعادة يمكننا من التفكير بمنطق ولدينا مهارات الحوار والتواصل والتفاوض لتوفير الصلابة النفسية وتعلم مهارات القيادة وليس التبعية. فمهم جدا أن نتحرر من عبودية الفكرة والمعتقد وليس فقط عبودية الإنسان للإنسان".
هذا ويوضح مطارنة، أن التحرر من كل ما يعيق التفكير والسعادة والابتعاد عن كل المعتقدات البالية والترفع عن دور الضحية في سبيل إرضاء الآخر سيساعدنا حتما على تحقيق شعور دائم بالسعادة، والتخلص من التشوهات الفكرية، حينها سيكون بمقدورنا النظر للأمام واستشعار الفرح في كل ما ننتقيه ويشبهنا.
وبدورها، تبين خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، أن السعادة أكثر مفهوم جدلي ونسبي، لكن بالعموم تتفق البشرية جمعاء على أن السعادة حالة شعورية نصل لها نتيجة تحقيق مكاسب فكرية شعورية ومادية.
وتكمل "فالسعادة شيء مكتسب ناتج عن تحقيق مكاسب في هذه الحياة، قد تكون مكاسب لها علاقة بالروحانيات والعبادات والطاعات، حالة من الاستقرار والتوازن النفسي والسلام الداخلي، وقد تكون مكاسب إنسانية لها علاقة بالصحة والعائلة والأسرة والأولاد، وقد تكون مكاسب مادية لها علاقة بشراء منزل أو سيارة أو الحصول على المال أو عمل محدد أو دراسة والحصول على شهادة".
وتشرح إبراهيم "نكون سعداء عندما نحصل أو نصل لما نريده في هذه الحياة، كل شخص يبحث عما ينقصه أو ما يحتاجه، وعندما يحصل عليه لا شك أنه سيصل لحالة من الفرح والرضا التي تسمى السعادة".
والسعادة تحتاج إلى مقومات تحتاج إلى الاستعداد والتحضير والاستعداد النفسي والمعنوي، مثل الثقة والإيمان بالنفس، تقدير الذات، والبعد عن الأفكار السلبية والمشاعر السلبية والأشخاص السلبيين، تحتاج إلى عدم اليأس والاستسلام، والبعد عن المشاكل والأوهام، كما تحتاج إلى الجد والاجتهاد من أجل الحصول أو الوصول إلى ما يسعدنا، وفق إبراهيم.
وتبين إبراهيم "قد يكون هناك بعض المعوقات التي تحول دون وصولنا للسعادة أو تؤخر سعادتنا، مثل المرض أو فقدان أحد أفراد أسرتنا أو التعب النفسي أو المشكلات العائلية أو الضغوطات المجتمعية، وأحياناً كثيرة عدم الرضا ومقارنة حياتنا بالآخرين. وأكبر عامل يتحكم بمفهوم السعادة لدينا هو عامل العمر، فلكل مرحلة عمرية احتياجاتها لأشكال مختلفة من السعادة، فسعادة الطفل مثلاً بألعابه، وسعادة المراهق باستقلاليته، وسعادة الشاب بإنهاء دراسته وعمله، وسعادة كبار السن بالصحة والدعم العائلي لهم".
أيضاً التطور والتغير الذي يحدث في المجتمعات قد يؤثر أو يطور أو يغير من مفهوم السعادة، فاليوم أصبحت المجتمعات استهلاكية، تثمن الأشياء المادية أكثر من الأشياء الرمزية، اليوم المال وما يمكن شراؤه أو تحقيقه بالمال قادر على إسعاد 80 % من الأشخاص.
وتختم إبراهيم بالإجابة عن سؤال "هل السعادة لحظية أم شعور دائم؟"، بأنها الاثنان معاً، فمن حيث الزمن، هناك نوعان من السعادة؛ السعادة اللحظية التي نعيشها نتيجة فعل لحظي مثل مشاهدة فيلم أو شراء شيء أو الذهاب في نزهة، والسعادة الدائمة التي تطغى على حياتنا بالعموم عندما نكون راضين مطمئنين فرحين بعيدين عن المتاعب والمشاكل، ونعيش حالة من الاستقرار.