في مسعى لإنهاء الجدل الدائر حولها، تدرس لجنة الأخلاقيات الطبية الرسمية في الأردن مطالبات بعض الأسر بإجراء عمليات لاستئصال أرحام فتياتها المعاقات عقليا، من خلال جوانبها الطبية والشرعية والقانونية.. بعد أن أبدت الكثير من الأمهات مخاوفهن من تعرض بناتهن المعاقات للاغتصاب والحمل غير الشرعي، مما أثار جدلا قانونيا وشرعيا في الأردن حول هذه

الظاهرة.

كانت مصادر طبية أردنية قد أكدت الانتشار اللافت لمثل هذا النوع من العمليات، وأوضح د. عصام الشريدة رئيس قسم النسائية والتوليد بمستشفى البشير أن مستشفاه وحده يجري ثلاث أو أربع عمليات استئصال للمعاقات سنويا، وتشير هذه المصادر إلى مخاطر صحية لمثل هذا النوع من العمليات أبرزها الوفاة، مما جعل الطب الشرعي الأردني يرفض إجراءها لمخالفتها الشرع والقانون.

أزيليه من جسدها.. ارتاحي وريحيها

وقد نشرت صحف أردنية قصص أسر عديدة أقدمت على مثل هذه العمليات يقول فيها الأهالي إن الدورة الشهرية للفتاة المعاقة تسبب معاناة للأهل وللفتاة معا، إضافة إلى الاحتمال المتزايد بتعرضها للاختطاف والاغتصاب.

وبحسب جريدة الغد الأردنية ترجع خديجة اتخاذ الأسرة قرار استئصال رحم ابنتها أمل (19 عاما) المعاقة عقليا إلى حادث "مؤلم ومحرج" للعائلة.

تقول الأم: "معاناة أمل زادت بعد أن بلغت سن المراهقة، والتي كانت أولى علاماتها انتظام دورتها الشهرية، وخصوصا في ظل عدم تمكن الأسرة من تدريب الفتاة على سلوكيات النظافة خلال هذه الفترة".

وبعد محاولات إقناع كثيرة واجهتها أم مصطفى من الأقارب والجيران واستجابة للنصيحة المتكررة "أزيليه من جسدها.. ارتاحي وريحيها".. قررت الجدة إزالة رحم حفيدتها فداء، برغم تحذير علماء الدين لها من الإقدام عليها، وتأكيدهم لها بأحقية أن تبقى فداء كما هي، حتى لو أنها تعاني من الطمث وبعض الآثار المصاحبة لها.

ولكن طبيب وجار أم مصطفى حاول مرارًا إقناعها بأن الفتاة لن تتأثر كثيرا من إزالته، وأن هذه العملية لصالحهما معا، لخلاص الفتاة من آثار الدورة؛ وبالتالي راحتها وراحة جدتها من ناحية، ولأن أم مصطفى مسنة ولا يوجد من يرعى فداء من بعدها إذا ما حدث ورزقت بطفل من ناحية ثانية.

أما خالد فشعوره الدائم بالخوف على ابنته "المتخلفة عقليا" من أن تتعرض في يوم من الأيام لاغتصاب.. هو ما دفعه لاتخاذ القرار المصيري بإجراء العملية الجراحية لها.

يقول الأب: "حاولت أن أحبسها في البيت، ولكن لماذا نعيش في خوف مستمر ما دام أن الحل موجود"، ويستطرد كأنه يحدث نفسه: وإزالة الرحم عملية سهلة لا تأخذ إلا وقتا قليلا، بعدها تتوفر الراحة للفتاة المعاقة عقليا"، وكذلك أهلها.

وإذا كانت أم مصطفى تدرس وضع حفيدتها، وخالد اتخذ القرار.. فإن والدة يسر قامت بالعملية لابنتها، وانتهت من هاجس "أن يقترب منها أحد ويعتدي عليها".. تقول الأم: "تعبت مع يسر كثيرا، فهذه العملية جاءت منصفة لي ولها، وهي إجراء وقائي ليس أكثر".

 

مخالفة شرعية


وقد اتفق علماء الشريعة في الأردن على عدم جواز إزالة الرحم بحجة حماية المعاقة عقليا من الحمل الناتج عن الاغتصاب، حيث اعتبرت دائرة الإفتاء الأردنية أن لجوء بعض الأسر إلى إزالة أرحام بناتهن المصابات بإعاقات عقلية يشكل مخالفة شرعية واضحة، وقال المفتي الدكتور محمد الخلايلة لصحيفة الدستور: إن الإسلام لا يجيز القيام بهذا الأمر، موضحا أن الشريعة الإسلامية ترى أن للمصابة بإعاقة عقلية حقوقا يجب أن تؤدى من خلال الأسرة والمجتمع.
وأضاف الخلايلة أن القبول بقضاء الله وابتلائه يحتم على العائلات اللواتي ابتليت بابنة مصابة بعاهة عقلية الصبر وقبول الأمر ورعاية هذه الأنثى بما يرضي الله، وعدم تعريضها للخطر أو الضرر أيا كان شكله ودوافعه.

ويتفق د. رجب أبو مليح ( دكتوراه الشريعة بكلية دار العلوم  جامعة المنيا) مع هذا الرأي قائلا: إن الله قادر على خلق الفتاة المعاقة بدون رحم، ولكن وجوده له حكمة بما يحققه من فوائد للمرأة سواء جسديًّا أو نفسيًّا، ويوضح جواز ذلك فقط في حال وجود مرض يؤثر على المرأة من جراء الحمل والولادة، لكن أن يتم استئصال الرحم دون وجود ضرر من بقائه فهذا مخالف للشرع؛ لأن العلم ربما ينجح في علاج مثل هذه الحالات مستقبلا، فماذا سيكون حال الفتاة وقتها وقد فقدت جزءا مهما من جسدها، يشعرها بأنها أنثى ومن حقها أن تعيش حياة طبيعية وتكون أما.

منظور واحد


وتوضح د.عزة حجازي، رئيس قسم علم النفس بكلية البنات جامعة عين شمس، التأثير الضار لهذه العمليات على الفتيات قائلة: إن استئصال الرحم يسبب اضطرابات واكتئابا وهشاشة عظام، مؤكدة أن هؤلاء الآباء لم ينظروا إلى وظيفة الرحم إلا من منظور واحد فقط (الحمل والإنجاب)، ولم يدركوا أن هناك هرمونات يفرزها عنق الرحم تساعد على بناء الجسم، وتعد مهمة جدًّا للحالة النفسية والجسمانية للأنثى.
وتشدد د.عزة على أن هذا لا يعد حلاًّ لحماية هؤلاء الفتيات من الاغتصاب، وأنه بالرعاية والمتابعة يتم حمايتهن من الاغتصاب الوارد حدوثه، سواء تم استئصال الرحم أم لا؟.

عصر الجاهلية


أما حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان فيصف هذه العمليات بأنها اعتداء على حرمة الجسد، وتمثل عودة لأيام الجاهلية حين كانوا يقتلون أبناءهم خشية الإملاق والفقر، وفي هذا العصر يزيلون الأرحام خشية الاغتصاب بدلا من أن يقوم المجتمع برعايتهن ووضعهن في أماكن تحميهن من أي اعتداء.

ويرى حافظ أن هذه المطالبات تمثل تكريسا واضحا للظلم الواقع على هؤلاء الضحايا؛ لأنه لا رأي لهن فيما يحدث، والمجتمع يستغل ذلك أسوأ استغلال فيفرض فكره عليهن ويطبقه بدون رحمة، مقترحا وضع قانون خاص باغتصاب المعاقة يكون العقاب فيه مضاعفا؛ لأن المعتدي يقوم بجرمين الأول أنه يعتدي على إنسانة، والثاني أنه ينتهز نقصا بها وهو "التخلف العقلي".

شيخوخة مبكرة


تشرح د. نجلاء الشبراوي رئيس قسم النساء جامعة الأزهر الأضرار الصحية الناجمة عن استئصال الرحم قائلة: إن الفتيات المعاقات ذهنيًّا يعانين في الغالب من مشاكل في صمامات القلب، ومشاكل في تجلط الدم لذا لا يحتملن التخدير، كذلك فإن احتمالات الحمل بالنسبة لهن قليلة، والطمث ينقطع لديهن في وقت مبكر.

وتؤكد د. نجلاء أن الضرر الرئيسي والأكثر وضوحًا هو العقم بلا رجعة حيث يصبح إنجاب طفل أمرا مستحيلا، وبالإضافة إلى ذلك فهناك مشكلات بالعملية ذاتها فبالرغم من أنها تعتبر عملية سهلة جراحيا وتحدث كل يوم فإنها ليست خالية من المخاطر، وأن واحدة من كل ألف سيدة تموت من هذه العملية، كما أن ما يقرب من 40% من النسوة يفقدن كميات كبيرة من الدماء مما يجعلهن بحاجة إلى نقل دم وهو ما يعرضهن لعدوى الإصابة بأمراض الدم كالإيدز والالتهاب الكبدي، وأن 16% ينتهي الأمر بهن إلى تلف وتضرر في أعضاء أخرى مثل المثانة والأمعاء وكدمات شديدة أو التهاب رئوي شديد، وهذا كله يجعل نصف النسوة ممن أجريت لهن العملية تحدث عندهن مضاعفات بالغة أهمها الشيخوخة المبكرة.

 

شيماء علي

مركز أمان

 

JoomShaper