سامي منصور محمد سيف
تعتبر الأنانية من الصفات السلبية التي تؤثر في العلاقات، وتُفسِد توازن المجتمع، يعيش الشخص الأنانيُّ في عالمٍ يركِّز على نفسه، مُفضِّلًا مصالحَه الشخصية على احتياجات الآخرين؛ لذا فإن فَهمَ الأنانية من منظور القيم الإسلامية يُعَدُّ أمرًا بالغَ الأهمية؛ حيث يشجِّع الدين الإسلاميُّ على التعاطف والتعاون بين الأفراد.
الأنانية تعني عدم الاكتراث بمشاعر الآخرين واحتياجاتهم، يظهر الشخص الأنانيُّ كما لو كان يعيش في فقاعة؛ حيث لا يرى إلا ما يُهِمُّه، ولا يتردد في استغلال من حوله لتحقيق أهدافه الشخصية، هذا السلوك يؤدي إلى تفكُّك العلاقات وفقدان الثقة؛ وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه))، مما يبرز أهمية التعاطف والرغبة في الخير للآخرين.
تؤدي الأنانية إلى آثار سلبية على العلاقات الاجتماعية، فالشخص الذي يفكر في نفسه فقط يُهمِل مشاعر الآخرين، مما يخلق شعورًا بالاستغلال، فعندما يدرك الأصدقاء أو أفراد العائلة أن شخصًا ما يضع مصلحته فوق كل شيء، تبدأ الثقة في التآكل؛ على سبيل المثال: قد يشعر أحد الأصدقاء بالإحباط إذا كان صديقه لا يستمع لمشاكله، مما يؤدي إلى تباعد العلاقة وفقدان التواصل.
على مستوى أوسع، تؤثِّر الأنانية في المجتمع كله، عندما يسيطر التفكير الأناني على الأفراد، يتراجع التعاون، وتغيب قيم التشارك والعطاء، المجتمعات التي تنتشر فيها الأنانية تعاني من ضعف الروابط بين الأفراد؛ حيث يصبح التعاون نادرًا، مما يؤدي إلى صراعات وأزمات، وفي مثل هذه البيئات، يسعى كل فرد لتحقيق مصالحه الشخصية دون الاكتراث بالآخرين.
الإسلام يدعو إلى تعزيز قيم الرحمة والمودة بين الناس؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، تُظهر هذه الآية كيف أن التعاون من أجل الخير يُعزِّز العلاقات، ويقوِّي الروابط بين الأفراد، كما يُظهِر القرآن الكريم أن العطاء ومساعدة الآخرين من أعظم القيم التي يجب أن يتحلَّى بها المسلم؛ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [البقرة: 272]، مما يوضح أن العطاء يعود بالنفع على النفس أيضًا.
الشخص المنغمس في الأنانية غالبًا ما يكون في حالة من الانفصال عن الآخرين، قد يبدو أن لديه أصدقاء، لكنه في الحقيقة يعيش في وحدة، فعندما لا يشارك مع الآخرين ولا يهتم بمشاعرهم، يخلق لنفسه حاجزًا يفصله عنهم، هذه الوحدة يمكن أن تكون مؤلمة؛ إذ إن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته يحتاج إلى التواصل والمشاركة.
لمواجهة الأنانية، يجب علينا تعزيز قيم التعاطف والعطاء في حياتنا اليومية، يتطلب الأمر منا التفكير في احتياجات الآخرين، ومحاولة تلبية تلك الاحتياجات، ويمكن أن نبدأ بتعزيز هذه القيم في الأسرة؛ حيث يجب تعليم الأطفال أهمية مساعدة الآخرين والاعتناء بمشاعرهم، على سبيل المثال: يمكن تنظيم أنشطة تطوعية في المدارس لتعزيز روح التعاون والعطاء بين الأطفال.
إن التربية السليمة تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل شخصية الفرد، فالأشخاص الذين ينشؤون في بيئة تعزِّز القيم الإسلامية يتمتعون بقدرة أفضلَ على التعاطف مع الآخرين، يمكننا أن يشجع بعضنا بعضًا على العمل معًا من أجل الخير، ونبتعد عن الأنانية والمصلحة الشخصية، من خلال الفعاليات المجتمعية والمشاركة في الأعمال الخيرية، ويمكن أن تكون هذه الأنشطة وسيلةً فعَّالة لتعزيز الروابط الاجتماعية.
في الختام، تُظهِر تعاليم الإسلام أهمية العطاء والتعاطف في حياتنا، ويجب علينا جميعًا أن نتذكر أن الأنانية ليست مجرد صفة فردية، بل هي سلوك يمكن أن يؤثِّر في المجتمع بأسره، فمن خلال تعزيز القيم الإسلامية، يمكننا بناء مجتمع يسوده التعاون والمحبة، والالتزام بهذه القيم يساهم في تحسين حياتنا وحياة الآخرين، مما يعكس جوهر تعاليم ديننا الحنيف.
إن الشخص المنغمس في الأنانية قد لا يدرك الأثر الذي يُحدِثه فمن حوله، لكن من خلال الوعي والتغيير الذاتي، يمكن لكل فرد أن يُسهِم في تحسين العلاقات، ولنحرص على أن نكون دائمًا من المتعاطفين، وأن نُظهر الحب والمساعدة للآخرين، فبذلك نحقق القيم التي يدعو إليها الإسلام، ونبني مجتمعًا أفضلَ للجميع.