هلّ علينا رمضانُ هذا العام، شهر الرحمة والمغفرة والعتق مِن النيران، شهر الجِدّ والجود وكثرة الإحسان. يُهلّ علينا وقد صُفّدت الشياطين، وكُبّلت معها المعاصي، وحُبست عن المسلم الزلات والهفوات والخطايا والبلايا..
وإذا كانت شياطين الجِنّ تُصفّد كما أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فشياطين الإنس تسرح وتمرح في رمضان
أكثر وأشدّ في هذا الشهر المبارك من غيره مِن الشهور.
واللافت في هذا الشهر اهتمام الناس بالطعام أكثر مِن غيره، فالموائد فيه تمتد على طول البيوت وعرضها، والعزائم تنهال على الناس، فتضطر سيدة المنزل وبناتها أن يعاونّها في الطبخ والنفخ، وتزيين الطعام وترتيبه، والتفنن في ذلك والمبالغة فيه.. فهذا طبقٌ فرنسي وآخر صيني، وهذا حلوٌ إيطالي، وتلك مقبلات شامية، وهذه أطباق لبنانية، ولا ننسى اللمسات المصرية، والوصايا "الرمزية"!!.. والأهم مِن هذا وذاك، اتّباع إرشادات الأم الروحية والقناة الأولى في العالم العربيّ: "قناة "فتافيت" لتضييع الأوقات وتمييع الأهداف، وحصر العقول بما تحوي البطون!!
فأمّا الجِدّ في رمضان فصار في إبراز القدرات والمواهب في إعداد الأكلات والحلويات والمقبّلات، واختراع الوصفات بعد التسمّر على برامج الأكل وقنوات الطعام، وتمضية الأوقات في أحاديثه التي نالت بها بعض النساء المسلمات الدرجة الأولى ومرتبة الشرف، ويا للأسف!!.. وأمّا الجود ففي رمي الأطعمة على المزابل، وحافات الطرقات، بعد أن امتلأت بطون الصائمين حتى كاد الطعام يطفح مِن أفواههم، وتراخت أبدانهم عن العبادة والقيام وحتى عن لمّ الطعام مِن على موائد الشيطان، فطُرِدوا مِن رحمة الله والعياذ بالله..
لكنّ الصيام بمفهومه وما يدلّ عليه، يربّي المسلم على الزهد في المأكل والمشرب، والتقشّف في العيش ولو كان على أشدّه في شهرٍ واحد هو رمضان شهر القرآن، لأن فراغ البطن مِن الطعام يقوّي الهمّة على العبادة والطاعة، فيُجِدُّ المسلم في التشمير عن ساعد الطاعات، ويغزّ السّير على طريق أهل القربات مِن ربّ الأرض والسماوات.. ويجود بالإحسان، والإتقان، وإمعان النظر في النِّعم العظيمة التي وهبه الله وأنعم بها عليه، لا ليحقق بها جلّ جلاله عدلٌ أو فضل أو إحسان، بل استحياء مِن عبادٍ طلّقوا الكسل والتراخي والذنوب، وأقبلوا على الطاعة فملؤوا بها القلوب، فغشيتهم الرحمة وذكرهم الله في ملأه الأعلى، وأدخلهم مِن باب الريّان، فلم يجوعوا أبداً ولم يظمأوا أبداً..
فلكلّ سيّدات البيوت، ومربيات الأجيال: لا تضيّعوا رمضان في المطابخ، وعلى هواتف الثرثرة والكلام، وأقبلوا على الله، وانصحوا أزواجكنّ إن طالبنكنّ بالمبالغة بإعداد أصناف الطعام.. فالشهر صار على الأبواب، ونحن لم نستعدّ لنيل القربات والبركات، فيا حسرتاه على من أضاع الشهر، وزهِد بالأجر، ثم لقي الله في هذه الصورة المعتمة والمصاب الجلل..
اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا فيه مِن العتقاء المقبولين عندك.. آمين
ريما حلواني
رابطة العلماء