الأمومة والأنجاب في مهب ثقافة الاستهلاك
- التفاصيل
ريم الرواشدة -
أغلقت «سهى» علبة طلاء الأظافر بعصبية، فيما كانت «حماتها» تردد على مسامعها بعبارات ملغزة قصصا لجارات ومعارف أنجبن ثلاثة أطفال وأكثر. فما كان من سهى الا أن عدلت جلستها وأغلقت الموضوع «الحياة باتت متعبة وعملي في المؤسسة يعيق إتخاذ أي قرار بإنجاب طفل آخر،خاصة وأن طفلي لم يتجاوز الخمس سنوات , وظروف الحياة أكثر صعوبة من قبل».
وتستذكر الحماة أم سعد 65 عاما حياة المرأة في الماضي وتقول»عنوان المرأة والأنوثة كان و ما زال الإنجاب والأبناء لكن ثقافة الاستهلاك أفسدت النساء وعطلت تفكيرهن بأكثر من طفل او اثنين». وتضيف»لا أنكر بان متطلبات الحياة باتت أكثر,لكن ما يتوفر من تكنولوجيا سهل على المرأة عملها من طبخ وغسل ومستلزمات البيت ولكنه سلب منها الأطفال».
وتشرح»نجد كثيرا من النساء قد تضطر للاستدانة من اجل إستخدام عاملة في المنازل لا لشيء بل فقط للتخلص من أعمال المنزل و التحجج بعدم قدرتها على أدائها وفي أحيان أخرى للمباهاة بوجود شغالة».
وتزيد»في الماضي كنا ننجب أطفالا كثيرين و نؤدي الأعمال المنزلية،من غسيل وجلي و كنس،إضافة إلى العجين وتجهيز الخبز،لكن هذه المهام الان تحولت الى الأجهزة الكهربائية».
ولا يرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور سري ناصر مبالغة في حديث السيدة أم سعد،ويقول»المجتمع ومن ضمنه المرأة يمر بحالة تغيير،وبدأت القيم التقليدية التي تركز على الانجاب وتعدد الاطفال في الأسرة في الاختفاء».
ويضيف»و المرأة من ضمن التغيير،فكانت الأمهات يقمن بأدوارهن ،ويربين بناتهن على أن يصبحن ربات بيوت،لكن حاليا الأم نادرا ما تربي ،فقد سرقت المهمة جهات أخرى مثل التلفاز،ووسائل الاتصال بشكل عام،والروضة والمدرسة والحارة و المجتمع».
ويؤكد»أن دور المرأة بدأ يتغير،حيث ساهم التعليم بدور مهم في التغيير خاصة في الأدوار التي يجب أن تؤديها».
ويشرح»التغيير في دور المرأة انعكس على المجتمع فبات المجتمع استهلاكيا،فتحولت المرأة من منتجة إلى مستهلكة،فقد باتت النساء اللواتي ينتجن و يبعن إنتاجهن في الأسواق نادرا،وحلت مكانها المرأة المتعلمة المتأنقة،و التي تحرص بعد الزواج على أن تكون بمظهر المرأة المهنية التي تملك وسائل الاتصال الحديثة كميزة أساسية من شخصيتها».
ويدعو إلى ضرورة إحياء تعليم الناس بثقافة الإنتاج بعد أن سادت ثقافة الاستهلاك،ويقول»نراقب عملية التغيير في المجتمع من ناحية الأدوار،ونستطيع أن نقول أن الأدوار التقليدية للمرأة ذهبت مع الريح،و اختفت المرأة المنتجة إلا ما ندر،و لابد من إعادة التذكير إن كنت تريد أن تكون مستهلكا فلا بد وأن تكون منتجا بذات القدر سواء أكنت ذكرا أم أنثى».
ويرى الدكتور كميل فرام أخصائي جراحة النسائية والتوليد والعقم أن ثقافة الاستهلاك «أصبحت دستور الحال في أيامنا».
ويقول»إن ثقافة الاستهلاك وتغير القيم جردا الأنوثة من معناها التقليدي ، فلم تعد أدوار الانثى ذاتها من حيث الانجاب والتربية ,وتأكيدا فأن صعوبات الحياة
دفعا بالمرأة والرجل معا الى سوق العمل لتدبير تكاليف المعيشة ,مما اخل بالادوار التقليدية .
ويشرح»كانت الام هي من ينجب ويربي, والان اصبح الاعتماد على الخادمة في المنزل كمربية وحاضنة وراعية، يمثل ركنا مهما من متطلبات الحياة حتى مع غياب المبرر لذلك، بدافع التقليد أو الغيرة أو المكانة الاجتماعية».
ويزيد»الإصرار على الاهتمام بالكماليات وتسارع الحياة وصعوباتها وأد الكثير من الادوار بمعنى احساس الطفل «بالأمومة» فلم يعد المنزل يمثل الحضن الدافىء للعائلة، وانحدر المستوى التربوي والتعليمي ويحذر»من وجود الخادمات بصورته الحالية «.ويقول» وجود الخادمات بصورته الحالية ومعدله المرتفع يمثل خطرا على العائلة والأشخاص واللغة والانتماء وعلى مفهوم الأمومة .
«ويعتقد»أن نوعية المنتج من الأبناء لا يمكن مقارنته بالجيل السابق، فظروف التكوين الأسري بمفهومها الحالي المقترن بانتماء فرد غريب إليها قصرا، وانتشار سوق الثقافة بمفهومه المحدد والتفسير المغلوط والمقلوب لمبدأ المساواة بين الجنسين، قد خلط المفاهيم الأسرية والاجتماعية، فانحرف قطار الإنتاج خلال سنوات الإنجاب عن سكته لتنخرط المرأة باهتمامات العناية الثانوية وأصبح موعد استخدام مواد التجميل للأنثى يبدأ من سنوات الدراسة الجامعية مرورا بسنوات الجامعة ناهيك عن السلوكيات الشخصية السلبية كالتدخين بمختلف صوره، وأصبح اعتماد الأسرة على الأغذية الجاهزة والسريعة هو الأساس، وعلاقة السيدة بالمطبخ كعلاقة الكنّة بالحماة، وحرم الأطفال من فترات الرضاعة الطبيعية لتغير الظروف الاقتصادية وأصبح الحليب الجاهز بيد المرضعة والخادمة».
ويزيد «ما سبق كلها عوامل ساعدت على التفكك الأسري ومحدودية التفكير والإبداع لدى الابناء.
ويقول «أصبحنا اليوم نحتفل ونتبادل التهاني مع الزوجة لمجرد حدوث الحمل لصعوبة ذلك على «جيل الزوجية الحالي»، بدون البحث عن السبب، وأصبحت رحلة الحمل صعبة بأيامها وأحداثها، وأصبح التخطيط لمكان الولادة بل واختيار التوقيت والأسلوب تحت شروط المسكنات واحدا من العوامل المثبطة بعد أن كانت رحلة الحمل بمفهومها الواقعي تمثل الفترة الأجمل للأنثى والعائلة .