لعل اختلال المعايير والموازين في منظومة القيم واتساع قاعدة الفقر وتزايد البطالة وتلاحق الازمات الاقتصادية والابتعاد عن الفضائل والثوابت الدينية، ادى الى ضياع وانعدام للروئ وفوضى في الحياة وتبدد الملامح الانسانية وفساد في الارض وانغماس في اللذات والشهوات وانحدار في مفهوم الاخلاق. لقد بات العالم يزداد اتساعا وعدد السكان في تصاعد، بينما اضحت المشاكل الاجتماعية تهدد الكثير من الناس في شتى انحاء المعمورة.
ولعل سلبيات الحياة واحباطاتها المتكررة اصابت النهج الاخلاقي بكثير من الثغرات وظهر الانحراف والتستر على عيوب وممارسات غير سليمة .
كل ذلك لان كثير من الناس ضعف ايمانها واصبحت تلهث وراء المادة دون النظرالى عمق الاشياء ونورها وجمالها.
وتاريخنا الاسلامي، حافل بالقيم والمنظومة الاخلاقية والرسالة السماوية يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل.
''من عمل صالحا من ذكر وانثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة'' ويقول سبحانه وتعالى : ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى '' ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة في اخلاقه وقيمه وفضائله وتسامحه مع الناس حتى في اصعب واحلك اللحظات واشدها خطورة عليه انه سيد البشرية ومنقذها من الضلالة الى الهدى بالرسالة السماوية التي انزلها الله سبحانه وتعالى عليه وهو صاحب الخلق العظيم...تقول عائشة رضي الله عنها ''كان خلقه القرآن ''.
والقرآن الكريم هو دستور الامة وقمة مجدها، ينير النفس وتشرق به، وترتاح...فالقرآن الكريم شفاء للنفس البشرية، لما فيه من دروس وعبر وحكم ومواعظ ونور يضئ للبشرية خططها ومستقبلها ويشعل فيها التنافس من اجل الخير، ويظللها بالمحبة، انه درب الاخلاق وعندما يلجأ اليه الانسان يرتاح وتتلالأ حياته بالجمال والاطمئنان.
ان الخلق القويم جزء لا يتجزأمن صلاح الامة واستمرارها والنهوض بها والاسرة في كل زمان ومكان مطلوب منها ان تنشئ الجيل على مكارم ومحاسن الاخلاق وهذا الفعل هو الاساس السليم الذي تبنى عليه الاسر، فاذا صلحت صلح المجتمع، واذا انهارت اصبح المجتمع يسير نحو الهاوية.
ان الاخلاق اساس التربية، وهي الطريق الى مجتمع متوازن عقلاني تسوده المحبة والمودة والعفة والاحسان والتضحية والالتزام بالعهود والمواثيق، والعدالة والنزاهة والسكينة والاطمئنان.
واذا كانت الاسرة في مجتمعنا العربي قد اعترتها مشاكل كثيرة وصراعات وتناقضات واصابها اختلال في الحقوق والواجبات، فان هذا لايعني الاستمرار في هذا الشرك وانما الرجوع الى البداية الصحيحة،لممارسة الدورالحقيقي في التربية والخلق، القويم، والاعداد الجيد لمواجهة كل المخاطر التي تحيط بالنشء، في ظل الانفتاح المتواصل ووسائل الاتصال المتعددة، والانترنت والاجهزة الخلوية، والفضاء المفتوح لكل شيء.
ان الاسرة هي الانطلاقة الجميلة نحو الحياة الفضلى فمن قلبها يتخرج الانسان الصالح بحرية مضبوطة ويتسلح بالاخلاق، ويتعلم القيم والتعاليم السمحة والتقاليد الايجابية والتكافل الاجتماعي والتعاون ومساعدة الاخرين وعدم الغش، وعدم الكذب والشعور بالانتماء والاحترام المتبادل القائم على التفاهم والعلاقات الودية بين الناس وبناء الاتجاهات السلوكية التي تساعد الفرد على القيم بدوره بكل راحة واطمئنان ودون توتر...
واذا كانت الاسرة هي الاساس في منظومة القيم الاخلاقية، فان للمدرسة دور مؤثر من خلال جوها الفعال واساتذتها وادارتها ومناهجها ونشاطاتها التي تثري النفس وتغذيها وتتطورها...كما ان للجامعات الاثر الكبير في بث القيم وتبادل الاراء والرأي والرأي الاخر والعصف الذهني، كما ان هناك الدور الكبير والمثير لوسائل الاعلام بكافة تقنياتها التي تسهم اذا ارادت في بث الذوق العام وتهذيب النفوس لكن هناك الكثير من الدور السلبي لعدد من وسائل الاعلام الهابطة التي تعمل على الفساد والافساد وعلى الاهل ان يحصنوا ابنائهم منها.
ان حسن الخلق يمنحك الخير وينير ظلمة ليلك ويمنحك المحبة ويزيدك قدر ووقارا.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : ''مامن شيء في الميزان اثقل من حسن الخلق '' وقال صلوات الله عليه وسلم '':ثلاث من كن فيه؛كن له من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره لاهل بيته زيد له في عمره، ثم قال وحسن الخلق، وكف الاذى يزيدان في الرزق.
محاسن الاخلاق تأخذ صاحبها الى المراتب العليا من فضائل النفس، وبخلقك الحسن تكسب ود الجميع، وتصبح محط اهتمامهم، واليك يأتون.
يقول ابراهيم بن عباس :لو وزنت كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاسن الناس لرجحت وهي قوله علية الصلاة والسلام ''انكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم باخلاقكم '' هي الاخلاق اذن زينة الانسان وتواضعه امام الناس واثارة النصح بينهم وتشجيعهم على العمل الصالح والعفو عند المقدرة : قيل للاحنف بن قيس :ممن تعلمت حسن الخلق فقال :من قيس بن عاصم، بينما هو ذات يوم جالس في داره اذا جاءته خادم له بسفود(اي حديدة يشوى بها ) عليه شواء حار، فنزعت السفود من اللحم والقته خلف ظهرها فوقع على ابن له فقتله لوقته فدهشت الجارية !فقال :لاروع عليك، انت حرة لوجه الله تعالى وكان ابن عمر رضي الله عنه اذا رأى احدا من عبيده يحسن صلاته يعتقه فعرفوا ذلك من خلقه فكانوا يحسنون الصلاة مرآة له، فكان يعتقهم، فقيل له في ذلك :فقال من خدعنا في الله انخدعنا له ايها الناس...انها الاخلاق التي قال فيها الشاعر : انما الامم الاخلاق مابقيت فان ذهبت اخلاقهم ذهبوا .

 

د.عدنان الطوباسي

جريدة الرأي

JoomShaper