"ووصينا الإنسان بوالديه،حملته أمه وهنا على وهن،وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير..." قرآن كريم .
يضطرنا الحديث عن الأم في التشريع الإسلامي، إلى الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام ودورها الخطير في مكونات الأسرة الأساسية،وتربية الأطفال،وتأسيس المجتمع الصالح، حيث عرض القرآن الكريم إلي شأن المرأة في أكثر من عشر سور(سورة النساء الكبرى، وسورة النساء الصغرى، والبقرة، والمائدة، والنور، والأحزاب، والمجادلة، والممتحنة، والتحريم)
مما يدل على المكانة التي ينبغي أن تحظى بها المرأة في المجتمع كأنثى، وزوجة، وأم،ومربية الأجيال...
وسأقتصر في هذه العجالة للحديث عن الأم في الإسلام لاستحالة الإحاطة بهذه الجوانب كلها حسب ما تفرضه كتابة المقالة من شروط ومواصفات فأقول:
إن أكثر ما يسعد به الإنسان المسلم في هذه الحياة،ويجازى عليه خير الجزاء - رضا الوالدين-، وأشد ما يشقى به ويستحق عليه سخط الله وعذابه في الآخرة –غضب الوالدين-
وتبين الآيات القرآنية الكريمة حقوق الآباء على الأبناء،وما يجب على كل ابن وابنة أن يتهجاه لاكتساب رضا الوالدين، أجملها اختصارا في ما يلي :
- الإحسان إليهما
- إكرامهما
- السلوك الطيب النبيل تجاههما،ومعاملتهما بكل احترام وتبجيل
-مصاحبتهما وخدمتهما ومرافقتهما،وقضاء أغراضهما،بمد يد المعونة إليهما، واغنائهما عن السؤال وتحصينهما عن كل أنواع الحيف والظلم والمسغبة..
وليس بر الولدين قاصر على الحياة الدنيا ، بل يمتد إلى ما بعد الموت،فقد ورد في الخير الصحيح"أن رجلا من بني سلمه قال :يارسول الله،هل بقي من بر أبويه شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال : نعم،الصلاة عليهما،والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما،وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما"فمن أكرم صديقا،ومحبا ،أو قريبا لوالديه، فقد بربهما لأن في إكرام هؤلاء،أو مجرد احترامهم،ما يدعوهم بالدعاء لهما بعد مماتهما
إلا أن هناك مكانة خاصة للأم ،فقد شرف الإسلام الأمومة،وأعلى من قدرها-نسبيا- أكثر من قدر الأب،وأضفى عليها بالغ التكريم،وأنزل الأم منزلة خاصة من الرعاية الاجتماعية والتقدير والاحترام ،لم تخصها بها شرائع سابقة،أو مذاهب و فلسفات ،أو قوانين وضعية لاحقة،حيث أكد على وجوب برها وحسن مكافأتها من طرف الأبناء،على ما قاست من مكارة الحمل والوضع والرضاع،وعلى ما تحملت من مشاق،ومتاعب التربية،والمراقبة والسهر والمتابعة والتضحية بكل غال ونفيس،من صحة ومال وجهد في سبيل الأبناء،بل و من النساء من ابتليت بزوج مسيء سلوكا ومعاملة وأخلاقا وتقتيرا، فتصبر على مكارهه وهي صابرة ومتحملة من أجل الأولاد، فيلفت القرآن الكريم نظر الأبناء إلى ما تعانيه الأم في مسار حملها فيقول : " ..حملته أمه وهنا على وهن، وفصاله في عامين..."تنبيها إلى أن معاناتها للضعف والمشقة،تتزايد بازدياد ثقل الحمل وظروفه أن حرا،أو بردا،إلى حين الوضع،ثم تأتي باقي المشاق بعد الوضع من رضاعة وسهر ومعاناة في السراء والضراء في الصحة والمرض،في الليل وبالنهار،تلك المشاق التي تستمر إلى ما لانهاية، والتي لايقر للأم قرار إلى أن تصير جدة بما تبذله من مشقات،وصبر وحب وحنان وصيانة من كل الآفات الظاهرية الباطنية، فتفرح لفرح الأبناء وتشقى لشقائهم،مما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يجيب ذلك السائل عندما سأله :من أبريا رسول الله قال :أمك،ثم قال من؟ قال أمك...وفي الرابعة قال أبوك..."وحتى الجنة قرنها عليه الصلاة والسلام بمحبة وإرضاء الأم وطاعتها ورعايتها زيادة، لقوله عليه الصلاة والسلام بأن الجنة تحت أقدام الأمهات، كما أن بر الأم كفارة للذنب .،فعن عمر رضي الله عنه قال :"أتي رجل رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : "إني أصبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ قال هل لك من أم قال : لا ! فهل لك من خالة؟ فقال : نعم ! قال : برها"
وما أعظمه من بر الأم عندما قيل لعلي زين العابدين"السجاد"رضوان الله عليه :انك من أبر الناس لأمك فلماذا لا تأكل معها في صفحة واحدة فقال : أخاف أن تسبق يدي يدها إلى ما تسبق عيناها، فأكون قد عققتها"
ومن شر الآثام في الدنيا وشر العقوق وأفظع ألوان الجحود، إهمال حقوق الوالدين معا ،والإغلاظ لهما في القول، أو الإساءة إليهما في التصرف والفعل وسوء الظن بهما في السر والعلن وان أخطئا،لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث لا ينفع معهن عمل، الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزحف"
فالأم في الإسلام لها مكانة سامية خاصة بها وعملت التعاليم الإسلامية على تنبيه الأزواج والأقارب ،سواء في العشرة ،أو عند الافتراق إلى التذكير بحقوقها واحترام الروابط المقدسة المتينة بين الأم وأبنائها مدى الحياة في إطار الاحترام والمودة والمحبة ، وذلك من باب"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، فاعدلوا هو أقرب للتقوى.." صدق الله العظيم.
فداء دبلان