حينما بدأت دولنا العربية نضالها ضد الاستعمار الغربي في العصر الحديث، كان هذا النضال والجهاد مؤسسًا على الأرضية الإسلامية والثقافة الإسلامية والهوية الإسلامية، وإذا أردنا خير دليل على ذلك فإن الحركة المهدية في السودان، والسنوسية في ليبيا، والوهابية في الحجاز، وجهاد عمر المختار في ليبيا، وعبد الكريم الخطابي في المغرب، وجهاد الأزهر ضد الحملة الفرنسية في مصر ... كل ذلك هو جهاد إسلامي خالص ضد المحتل الصليبي الغربي.
وأوضح مثال على الجهاد والمقاومة على الأرضية الإسلامية للمحتل الغربي النصراني، هو ما حدث في الجزائر من احتلال استيطاني شرس استمر 130 عامًا، واعتبر أن الجزائر جزء من فرنسا، ولم يخلعه ويجليه إلا الثورة الجزائرية التي تم تأسيسها على جهود عبد الحميد بن باديس التربوية الإسلامية وأمثاله من العلماء والمجاهدين الأفذاذ، الذين قادوا تلك الثورة المباركة التي دفعت 2 مليون شهيد حتى تم التحرر والنصر والجلاء، وحتى تم استعادة الهوية الإسلامية للجزائر.

لكن لأن الغرب المحتل يدرك أن قيادة الإسلاميين لحركة التحرير العربية خطر عليه وعلى مصالحه، فإنه تآمر وفعل كل شيء من أجل إبعاد الإسلاميين عن قيادة هذه الحركات، وعن قيادة الدول العربية في فترة ما بعد التحرر والاستقلال.

ولذلك وجدنا أن العلمانيين هم الذين قادوا سياسيًا وثقافيًا وفكريًا في كل الدول العربية، وتوارث العلمانيون إبعاد الإسلاميين من أي مركز من مراكز السلطة والتأثير، ثم تطور الأمر إلى اضطهادهم والزج بهم في السجون والمعتقلات، حتى لا يشكلون خطرًا على العلمانية والمشروع العلماني.

وقبل هذه المرحلة، كانت هناك مرحلة التأسيس الفكري والثقافي، حيث احتضن الغرب فئات بعينها، رعاها وأشرف على تدريبها وإعدادها لكي تقود العالم العربي حينما يرحل الاحتلال والاستعمار.

في هذا الإطار السياسي والثقافي ظهرت حركة تحرير المرأة العربية لتعّرف نفسها بأنها حركة تحرر وطني تهدف إلى تحرير بلادها من الاحتلال ومن أفكار وثقافة الجهل والركود والتخلف (والتي يقصدون بها الثقافة الإسلامية).

فحركة تحرير المرأة العربية إذًا، حركة علمانية تهدف إلى الصدام المباشر مع هوية وعقيدة وتراث الشعوب العربية الإسلامية، وترى أن في هذه الهوية عقبة كؤود ضد تطور المجتمعات العربية والمرأة العربية.

القول بأن هذه الحركة حركة تحرر وطني ضد المحتل الأجنبي قول غير مسلم، لأنه لو كان صحيحًا في الظاهر فإنه في الحقيقة يكشف أن ثقافة هذه الحركة وهويتها إنما هي ثقافة المحتل نفسه وقيم المحتل نفسه وفكر المحتل نفسه وأدب المحتل نفسه وإعلام المحتل نفسه، فأصبحت هذه الحركة النسائية العلمانية العربية حركة تحت السيطرة الغربية الكاملة، بعد أن تم تغريبها على كافة المستويات السياسية والفكرية والثقافية، فأصبح الغرب الذي من المفترض أنها حركة تحرر ضده، نبراسًا لها وقدوة لها في كل شيء، وأصبح هذا الغرب هو الذي يمول الجمعيات النسائية العربية، وهو الذي يساندها إعلاميًا ويدافع عنها في معركتها مع الإسلاميين.

الحركة النسائية العلمانية بهذا الشكل، لا تعبر عن ضمير الأمة وتطلعاتها وأحلامها، وإنما تتصادم مع هذا الضمير وهذه التطلعات وهذه الأحلام، بعد أن أصبحت جزء من مخططات المؤتمرات الدولية التي يشرف عليها الغرب فيما يخص قضايا المرأة، من أجل فرض الأنماط الغربية على المجتمعات الإسلامية.

لقد أصبحت الحركة النسائية العربية العلمانية، كل قضيتها تحرير المرأة من الفرائض والآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب، وتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل كبيرة وصغيرة، كما أصبحت قضيتها وأولويتها الأولى تسفيه الحركة النسائية المقابلة التي تم تأسيسها على أسس إسلامية.

حينما بدأت الصحوة الإسلامية في الانتشار على نطاق واسع على امتداد العالم العربي والإسلامي بل وعلى مستوى العالم كله، ظهرت الحركة النسائية الإسلامية بفكر جديد وثقافة جديدة، كان الرمز لهذه الحركة هو الحجاب، لكن العجيب أنه رغم ما تحمله هذه الحركة المباركة من قيم النضال والجهاد ضد الغرب الصليبي الذي هو العدو الأول للأمة، حيث يغتصب أرضها ويسرق ثرواتها ويتحالف مع أعدائها، ورغم مواقفها الواضحة التي تصل إلى الانخراط في العمليات الاستشهادية ضد المحتل الصهيوني، ورغم الخط الوطني شديد الوضوح للحركة النسائية الإسلامية في العالم العربي، إلا أن الحركة النسائية العلمانية لم تفسح لها مكانًا ولم تعترف بها، واعتبرتها حركة متخلفة.

وهذا من عجائب الزمان، أن فاقد الشرعية يعتبر أن الحركة التي تعبر عن ضمير وأحلام وتطلعات النساء في العالم العربي غير شرعية، مثلما يفعل قادتنا الذين يغتصبون السلطة ويستولون عليها بطرق غير شرعية، حيث يعتبرون القوى والجماعات التي تعبر عن الأمة غير شرعية.

الحركات النسائية العلمانية العربية تعتبر أن زواج الرجل بامرأتين كارثة ومصيبة يجب منعها أولاً ثم معاقبته عليها ثانيًا، ونسي هؤلاء أن الطرف الثاني المستفيد من هذا الزواج وهو الزوجة الثانية لها مصلحة واضحة في هذا الزواج، حيث سيرعاها هذا الزوج وينفق عليها وقد يرعى أبناءها أيضًا، وتصم الحركة النسائية العلمانية العربية آذانها وتغمض عيونها حتى لا ترى الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم، والحالة التي وصلنا إليها الآن من انتشار العنوسة، والزواج العرفي، وارتفاع معدلات الطلاق لدرجة أصبحت خطرًا جسيمًا يهدد كيان كثير من الأسر، وأن ذلك إنما هو نتيجة طبيعية لسلسلة من المؤامرات التي تحاك ضد الأسرة المسلمة.

 

ابتسام سعد

موقع بوابتي

JoomShaper