وداد الكواري
«لقد كان من الممكن أن يتغير مجرى حياتي لو لم تكن تلك المرأة أمي، فلولا أمي لما وجدت، ولولا أمي لما تعلمت، ولولا أمي لما أصبحت ما أصبحت، كانت هي صانعتي وهي مدرستي وهي ملهمتي، ومن أجلها عملت، ومن أجلها نجحت، ومن أجلها عشت لأقدم لها وللإنسانية عصارة فكري وعملي وكفاحي».
تلك الكلمات الرائعة أهداها ابن إلى أمه عندما وصل قمة المجد. ولم يكن هذا الابن شاعرا، وإنما كان عالما عبقريا قدم للبشرية مئات من الاختراعات التي ما زالت تحمل اسمه. إنها كلمات توماس إديسون، العالم والمخترع الأميركي الذي أنار العالم بالكهرباء. أهداها إلى أمه نانسي.
تلك الأم التي آمنت بعبقرية طفلها. فوقفت بجانبه وساعدته وشجعته، حتى إذا ما طردوه من المدرسة لبلاهته حولت بيتها هي إلى مدرسة. مدرسة كان هو التلميذ الوحيد فيها، وكانت له خير صديقة، وضعت له كل خبرتها وعلمها الذي اكتسبته بفضل عملها كمعلمة قبل الزواج. قالوا لها يوما: «إنه لا يصلح لشيء.. وإنه مجنون». وكان ردها: «بل أنتم المجانين..».
أمومة
ومن أجل طفلها أحبت كل أطفال الحي الذي تعيش فيه. فكانت لهم كما كانت لابنها صديقة وأخت وأم. تلعب معهم وتقدم لهم الهدايا. ومن أجل طفلها تفرغت له تفرغا تاما. قطعت صلتها بالعالم الخارجي وتفرغت لتقرأ له ومعه. وشجعته على تصفح كتب التاريخ والجغرافيا والعلوم.
وبقيت كلمتها لمدرس الحساب محفورة في ذهنه حين قالت: «إن ابني يحمل فوق كتفيه رأسا فيه من الذكاء أكثر مما في رأسك وفي رؤؤس كل زملائك المدرسين..». لم تنسه حين كان طفلا ولم ينسها حين أصبح أشهر رجل في العالم.
وخلد الشاعر طاغور أمه في قصائده. لقد ماتت وهو فتى صغير، لكنه لم يستطع نسيانها. وهو يقول في مذكراته: «مضت أعوام طويلة وظللت أذكر في أيام الربيع وكلما داعبت أزهار الياسمين جبيني مداعبة أنامل أمي وهي تمس جبيني مسا رقيقا، مفكرا في أن الحنان الذي كان يحدو تلك الأنامل الساحرة يتجلى في نقاء زهر الياسمين، وأن ذلك الحنان لا يزال باقيا لا ينفذ ولا يفنى، الأم أجمل الجميلات.
وما زالت قصة هنري لوتريك الرسام الفرنسي الأحدب القصير القامة. لم تشفع له موهبته الخارقة ولا أموال والدته ولا لقبه في الحصول على قلب من أحب. بل إن من طلبها للزواج قالت له بكل صراحة: «ألا ترى بشاعتك، وحين احضروا جثته لوالدته بكت بكاء مرا، وهي تقبل وجه الابن الذي لم يكمل السادسة والثلاثين. الوجه الذي كان ينفر منه الناس كانت تراه أجمل الوجوه.. ألم أقل إنها أجمل الجميلات».
إسلام أون لاين