إعداد: أيمن محمود

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هلاك الرجال طاعتهم لنسائهم".
قال الشيخ الإمام أبي محمد سليمان الأعمش:
كان الحديث بهذا اللفظ، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم "هلاك الرجل طاعته لامرأته"؛ فإن هذا لا يستقيم؛ إذ يكون بعض النساء أحيانًا أكمل من بعض الرجال، وأوفر عقلاً وأسدَّ رأيًا، وقد تكون المرأة هي الرجل في الحقيقة عزمًا وتدبيرًا وقوةَ نفس، ويتليَّن الرجل معها كأنه امرأة.


وكثير من النساء يكنَّ نساءً بالحلية والشكل دون ما وراءهن، كأنما هُيِّئْنَ رجالاً في الأصل ثم خُلِقْنَ نساءً بعد، لإحداث ما يريد الله أن يُحدث بهنَّ، مما يكون في مثل هذه العجيبة عملاً ذا حقيقتين في الخير أو الشر.

وإنما عمَّ الحديث ليدل على أن الأصلَ في هذه الدنيا أن تستقيم أمور التدبير بالرجال؛ فإن البأس والعقل يكونان فيهم خِلقة وطبيعة أكثر مما يكونان في النساء: كما أن الرقة والرحمة في خِلقة النساء وطبيعتهن أكثر مما هما في الرجال، فإذا غلبت طاعة النساء في أمة من الأمم، فتلك حياة معناها هلاك الرجال، وليس المراد هلاك أنفسهم، بل هلاك ما هم رجال به، والحديد حديد بقوته وصلابته، والحجر حجر بشدته واجتماعه؛ فإن ذاب الأول أو تفلل، وتناثر الآخر أو تفتت، فذاك هلاكهما في الحقيقة، وهما بعد لا يزالان من الحجر والحديد. 

والمرأة ضعيفة بفطرتها وتركيبها، وهي على ذلك تأبى أن تكون ضعيفة أو تُقِرَّ بالضعف، إلا إذا وجدت رجُلَها الكامل، رجلها الذي يكون معها بقوته وعقله وفتنته لها وحبها إياه، كما يكون مثال مع مثال. ضع مائة دينار بجانب عشرة دنانير، ثم اترك للعشرة أن تتكلم وتدَّعي وتستطيل؛ قد تقول: إنها أكثر إشراقًا، أو أظرف شكلاً، أو أحسن وضعًا وتصفيفًا؛ ولكن الكلمة المحرَّمة هنا أن تزعم أنها أكبر قيمة في السوق...!

قال الشيخ: ومَنْ مِنَ النساء تصيب رجلها الكامل أو القريب من كماله عندها، أي طبيعته بالقياس إلى طبيعتها، كمال جسم مُفصَّلٍ لجسم، تفصيل الثوب الذي يلبسه ويختال فيه؟ أما إن هذا من عمل الله وحده؛ كما يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويَقْدِر، يبسط مثل ذلك للنساء في رجالهنَّ ويَقْدِر.

فإذا لم تصب المرأة رجلها القوي ــ وهو الأعمُّ والأغلب ــ لم تستطع أن تكون معه في حقيقة ضعفها الجميل، وعَمِلَت على أن يكون الرجل هو الضعيف، لتكون معه في تزوير القوة عليه وعلى حياته، وبهذا تخرج من حيِّزها؛ وما أول خروج النساء إلى الطرقات إلا هذا المعنى؛ فإن كثُرَ خروجهن في الطريق، وتسكعن هاهنا وهاهنا، فإنما تلك صورة من فساد الطبيعة فيهن ومن إملاقها أيضًا.

قال الشيخ: وكأن في الحديث الشريف إيماء إلى أن بعض الحق على النساء أن ينزلن عن بعض الحق الذي لهن إبقاء على نظام الأمة، وتيسيرًا للحياة في مجراها؛ كما ينزل الرجل عن حقه في حياته كلها إذا حارب في سبيل أمته، إبقاء عليها وتيسيرًا لحياتها في مجراها. فصبر المرأة على مثل هذه الحالة هو نفسه جهادُها وحربُها في سبيل الأمة، ولها عليه من ثواب الله مثل ما للرجل يُقتَلُ أو يخرج في جهاده.

ألا وإن حياة بعض النساء مع بعض الرجال تكون أحيانًا مثل القتل، أو مثل الجرح، وقد تكون مثل الموت صبرًا على العذاب! ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجةٍ يسألها عن حالها وطاعتها وصبرها مع رجلها: "فأين أنتِ منه؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزتُ عنه! قال: "فكيف أنتِ له؟ فإنه جنتك ونارك".

آه! آه! حتى زواج المرأة بالرجل هو في معناه مرور المرأة المسكينة في دنيا أخرى إلى موت آخر، ستحاسب عنده بالجنة والنار، فحسابها عند الله نوعان: ماذا صنعتِ بدنياك ونعيمها وبؤسها عليك؛ ثم ماذا صنعت بزوجك ونعيمه وبؤسه فيك؟

وقد روينا أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول الله، إني وافدة النساء إليك؛ ثم ذَكَرَتْ ما للرجال في الجهاد من الأجر والغنيمة؛ ثم قالت: فما لنا من ذلك؟

فقال صلى الله عليه وسلم: "أبلغي من لقيت من النساء أن طاعةً للزوج، واعترافًا بحقه - يعدل ذلك؛ وقليل منكن من يفعله!".

تأملوا واعجبوا من حكمة النبوة ودقتها وبلاغتها؛ أيقال في المرأة المحبة لزوجها المفتتنة به المعجبة لكماله: إنها أطاعته واعترفت بحقه؟ أوَ ليس ذلك طبيعة الحب إذا كان حبًا؟ فلم يبق إذن إلا المعنى الآخر، حين لا تصيب المرأة رجلها المفضل لها، بل رجلاً يسمى زوجًا؛ وهنا يظهر كرم المرأة الكريمة، وهاهنا جهاد المرأة وصبرها، وهاهنا بَذْلُها لا أخْذُها؛ ومن كل ذلك هاهنا عملُها لجنتها أو نارها.

فإذا لم يكن الرجل كاملاً بما فيه للمرأة، فلْتُبْقِه هي رجلاً بنزولها عن بعض حقها له، وتَرْكِها الحياة تجري في مجراها، وإيثارها الآخرة على الدنيا، وقيامها بفريضة كمالها ورحمتها، فيبقى الرجل رجلاً في عمله للدنيا، ولا يُمْسَخُ طبعه ولا ينتكس بها ولا يذلّ، فإن هي بذأت وتسلطت وغلبت وصرَّفت الرجل في يدها، فأكثر ما يظهر حينئذ في أعمال الرجال من طاعتهم لنسائهم - إنما هو طيش ذلك العقل الصغير وجُرأتُه، وأحيانًا وقاحته؛ وفي كل ذلك هلاك معاني الرجولة، وفي هلاك معاني الرجولة هلاك الأمة؟!

قال الشيخ: والقلوب في الرجال ليست حقيقة أبدًا، بطبيعة أعمالهم في الحياة وأمكنتهم منها، ولكنَّ القلب الحقيقي هو في المرأة، ولذا ينبغي أن يكون فيه السمو فوق كل شيء إلا واجب الرحمة؛ ذلك الواجب الذي يتجه إلى القويِّ فيكون حبًا، ويتجه إلى الضعيف فيكون حنانًا ورقة، ذلك الواجب هو اللطف؛ ذلك اللطف هو الذي يثبت أنها امرأة.

من وحي القلم 1: مصطفى صادق الرافعي

 

JoomShaper