صقر أبوعيدة

فَرَدُوا جَنَاحَ الإِفْكِ وَاغْتَالُوا النَّدَى        فَتَلَوّنَتْ جُدُرُ الْقُلُـوبِ تَمَـرّدَا
وَهَجُ الْعُـرُوشِ تَنَفّسَتْ جَمَرَاتُـهُ        كَيـداً تَسَوّرَ جَمْعَهمْ فَتَـعَبّـدَا
لَمَّا رَأَوا ثَبَجَ الْبُحُـورِ مُهَادِنَــاً        رَقَصَ الْغَرِيقُ عَلَى السّفِينِ مُعِرْبِدَا
فَنَرَى مِحَشّ النّارِ يَلْهَجُ بِالْهَبــَا        ءِ وَيَكْتَسِي ثَوبَ التّغَنّي بِالـرّدَى
تَبّتْ أَيَادِيهِمْ بِمَا جَرَحُـوا شِفَـا        هَ الْوَرْدِ إِذْ نَزَعُوا مِنَ الطّهْرِ الْيَدَا
هَبَطَ الْبَشِيرُ بِأَنْجُـمٍ قَدْ فُصّلَـتْ        فَاضَتْ بِهَا الآيَاتُ وَابْتَهَلَ الصّدَى
مَنْ ذَا الّذِي رَسَمَ الْجَمَالَ مُنَغّمـاً        بِفُـؤَادِهَا، تَشْدُوهُ نَجْماً فَرْقَـدَا
في مَعْـرَكٍ ذَاكَ الزّبَـيرُ وَطْلَحَـةٌ        رَفَعَا الْغُصُونَ عَلَى الْجِبَاهِ وَأَيّـدَا(1) جَاءُوا لَها قَبْلَ اشْتِعَالِ رَمَادِهِـم        هَمّتْ بِقَلْبٍ حَالِمٍ كَي تَخْمِـدَا
أَلْقَتْ لَهُم شَالَ الأُمُومُةِ عَلَّهَــا        تُبْقِي السّيُوفَ قُبَيلَ أَنْ تَتَجَـرّدَا
جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَنْفَرُوا، فَارَتْ كَوَا        نِينُ الَْوَغَى، عَقَّ الْفُؤَادُ وَأَصْلَـدَا
عَقَرُوا الْبَعِيرَ إِذِ النّفُـوسُ تَغَرّبتْ        وَهِيَ الْبَتُولُ تَقُودُ سِلْمـاً أَمْـرَدَا
وَأَبُو تُرَابٍ سَيفُـهُ يَجْثـُو لَهـَا        أَوصَى بِـهَا أُمّـاً رَؤُوماً تُفْتَدَى
هِيَ عَائِشُ الْعِطْرُ النّمِيرُ تَضَوَّعَـتْ        بَينَ الشّعُوبِ لِمَا تَرُومُ مِنَ الْهُدَى
وَالْبَدْرُ غَـادَرَ بُرْجَـهُ لَمَّـا رَأَى        حُلْوَ الشّمَائلِ إِنْ تَحَجّبَ أَوْ شَدَا
وَالْعُذْرُ حَطَّ مِنَ السّمَاءِ مُـزَلْزِلا        قَالَتْ كَمَا يَعْقُوبُ صَاحَ مُـرَدّدَا
صَبْرٌ جَمِيلٌ لا عَذِيرَ لِخَوضِهِـمْ        وَالإفْكُ يَجْرِي فَوقَ بَحْرٍ مُـزْبِدَا
رَحَلَتْ مِنَ الأَرْضِ الّتِي خُضْتُمْ بِهَا        وَلْتَمْلؤُوا أَحْشَاءَكُمْ صَدَأَ الْمُـدَى
لا يَجْرِمَنّ فُـؤَادَها شَنَـآنُ قَـو        مٍ قَدْ بَنَوْا لِلنّيـلِ مِنْهـا مَعْبَـدَا
في كُـلِّ وَهْـنٍ يَعْبَثُـونَ بِآيَـةٍ        وَتَشَوّكُوا، وَلِكُلّ خَدْشٍ مُنْتـَدَى
في نَهْرِها تَمْشِي الْقَصَائِدُ تَرْتَـوِي        وَدَقاً تَنَزّلَ مِنْ عَلٍ رَشَفَ النّـدَى
غَرْثَى مِنَ الأَهْوَاءِ، وَالْحُزْنُ انْتَشَى        في صَدْرِهَا وَالصّمْتُ طَالَ وَأَقْعَدَا
خُلُقٌ يَفِيضُ بَهَـاؤُهُ بَـينَ الْحُـرُو        فِ وَسَمْتُهَا وِرْدُ الْفَقِيهِ إِنِ اجْتَدَى
هِيَ أُمّـةٌ كَالنّخْـلِ في بَيْدَائِهَــا        وَالْعِذْقُ فِيها لا يَرَى رِيحَ الْعِـدَى
شَطْرُ الشّعِيرِ خَبِيزُهَا وَالْجُوعُ كَـا        نَ رَدِيفَـهَا، أَنِسَتْ بِهِ حَتّى بَـدَا
نَهَلَتْ مِنَ الْعِطْرِ الّذِي مَلأَ الضُّحَى        شَمْساً فَمَا أَفَلَتْ وَأَضْحَتْ مَـورِدَا
فَضْلُ الثّريـدِ عَلى الطَّعَامِ مِثَالُهَـا        تَنْسَى الْعَجِينَ إِذَا تَخَلَّـتْ للْنّـدَا
تَجْرِي عَلى عَطَشِ الْجُنُودِ بِسَقْيِهَا        أُحُدٌ رَأَى جُرْحاً هُنَـاكَ تَخَـدّدَا(2)
بَرَكَاتُ آلِ قُحَافَـةٍ، مِنْ عِقْدِهَا        فَإِذَا الصّعِيـدُ لِمَنْ تَيَمّمَ مَنْشَدَا
رُسِمَتْ عَلى قِطَعِ الْحَرِيرِ مِنَ السّمَا        نَجْمَاتُهَا تِسْـعٌ تَغِيـظُ الْحُسّـدَا 
أَينَ الْمَبِيـتُ وَعَينُـهُ تَرْنُـو لَـهَا        في بَيتِـها وإلى الرّفِيـقِ مُغَــرِّدَا
وَتَكَحّلَـتْ شَفَـةُ الأَرَاكِ بِرِيقِـهَا        ثَغْـرُ الرّسُولِ إلى السّوَاكَ تَوَقّـدَا
وَتَوَسّدَتْ أَنْفَاسُـهُ هُدْبَ النّـدَى        وَاخْتَارَ مَنْ طَلَبَ اللّقَـا مُسْتَشْهِدَا
فَرَشَـتْ نَمَارِقَ قَبْرِهَا وَتَحَزّمَـتْ        لا زِينَةٌ تَخْطُـو لَهـا أَوْ عَسْجَدَا
وَهَبَتْ لِمَنْ طَلَبَ الرّقَادَ بِصُحْبَـةٍ        مَعْ وَالِدٍ لَهَفـاً يُجَـاوِرُ أَحْـمَدَا
هِيَ بَسْمَةٌ حَطَّتْ عَلَى خَدّ السّنَـا        طُوبَى لِمَنْ تَرَكَ الْمِـرَاءَ مُفَـرّدَا

1- في معركة الجمل    2- في معركة أُحُد

JoomShaper