مالك فيصل الدندشي
إذا قدر الله لك أن تذهب إلى سوريا الجريحة المنكوبة، ثم تتجه إلى مدينة حمص الأبية، وتحب أن تتعرف على منطقة الحولة، فما عليك إلا أن تقلك السيارة إلى طريق يسمى طريق الميماس – الوعر، فتتجه السيارة بك غربا حتى تصل إلى مكان تصبح الكلية العسكرية عن يمينك وحي الوعر (حي جديد) عن يسارك، ثم تظل في اتجاه الغرب إلى أن يميل بك الطريق يمينا باتجاه الشمال، فاترك السيارة تمشي بك شمالا على خط مستقيم إلى حد ما، وما هي إلا دقائق معدودات، فإذا أنت في مدخل قرية تل دو ثم على بعد بضع ثلاث أو أربع كيلات تطل عليك كفرلاها، فـ (تل الذهب).
هذه القرى الثلاث تشكل مع بعض القرى ما يسمى بسهل الحولة، وتلك البلدات شكلت تجمعا سكانيا يعد مدينة في الوقت الحاضر، ومن الجدير بالذكر أن سكان هذه القرى مسلمون من أهل السنة والجماعة، وهم مزارعون في أراضيهم، ويعتمدون سابقا على الزراعة وتربية الماشية، وبعد انتشار التعليم انخرط شباب وفتيات المنطقة بسلك التعليم، وصار منهم المعلم، والطبيب، والمهندس، والموظف.
إن سكان المنطقة محافظون، يحبون الدين وأهله بشكل عام، وهم – مثل أهل ريف سوريا عموما – بسطاء طيبون يعيشون حياتهم في قراهم كأنهم جسد واحد، وليس من صفاتهم الغلو، ولا التعصب، لذا عاشوا مع جيرانهم من أهل الطائفة النصيرية (العلوية) بهدوء وسلام، وإذا حدث ما يخل بهذه القاعدة، فتكون حوادث فردية سرعان ما تحل بواسطة العقلاء من الناس.
إن ما ذكرته عن الحولة ينطبق إلى حد كبير على منطقة تلكلخ (مركزها تلكلخ) التي تبعد عن حمص – غربا – أربعين كيلا، وعن سهل الحولة ما يقارب من خمسة وعشرين كيلا، وربما تزيد قليلا، وللمنطقتين خصائص مشتركة، في كثير من الظروف الاجتماعية والحياتية ومع جيرانهم من الطائفة النصيرية.
وعلى الرغم من التعايش السلمي بين الطوائف في سوريا منذ مئات السنين إلا أن النظام البعثي استغل الطائفية، وجندها لصالحه.
ومنطقة تلكلخ أصابها ما أصابها من ظلم النظام وطغيان الكثير من أبناء الطائفة النصيرية (العلوية)، وممن أعانهم من سفلة الناس وأسقاطهم من شتى الطوائف، مما أحدث فيها أضرارا في الممتلكات، والأرواح، فهجر البلدة أكثر من نصف السكان.
إن المجزرة المروعة التي حدثت في الحولة، فاقت كل التخيلات، ولا يمكن أن تصدر عن إنسان عنده ذرة من الآدمية. هذه الجرائم في المنطقتين وغيرها هي التي صورتها في القصيدة الآتية، وفيها حنين إلى تلك البلاد الجميلة الغالية، فإلى الآبيات:
بلدي الحبيبَ فكم ذكرتُكَ
حين يرتحلُ الرِّكابْ
وذكرتُ فيكَ أحبتي
وطفولتي مهـدَ الشبابْ
في كلِّ صيفٍ ما خبتْ
ذكراكَ ما لاحَ السحاب
وعشقتُ فيك سكينتي
وحَلُمْتُ في تلك الهضاب
كم نمتُ بين جمالِ قمحكَ
أو سنابله العِذاب
وسبحْتُ في نهْرٍ يجوز
السهلَ مخضـرَّ الإِهاب
كم سرتُ في حقلٍ وفي
تـلٍّ ومُنْـحَدَرٍ وغاب
واصطدتُ من سمكِ البُـقَيْعَةِ
غاديا أو في الحِجاب
هذا نُهَيْرُكِ يحملُ الخيـرَ
الوفيرَالمستـطاب
ينسابُ في سهـلٍ تُزَيِّـنُهُ
المزارعُ والدواب
من ماء ثدْيكَ قد رشفْـتُ
وصرتُ أمرحُ في الرواب
ولكم طبعْتُ على جبيـنِِكَ
قُبْلَةً زمنَ اللِّعَاب
وهصرتُ رأسَكَ راغبا
في نيلِ قِطْفٍ مستطاب
أنسيتَني!! لا فُضَّ فوكَ
وأنت تنطِقُ بالجواب
لي فيكَ ذكرى سباحتي
والشمسُ ترحل للغِياب
بلدي تفيَّأَ في ظلالِكَ
كلُّ مجروحِ الصواب
هل أنت حِلٌّ للسكارى!!
هل أنتَ مرتعُ للكلاب!!
أو ما ترى ما يُجْرِمُ الطغيانُ
في ذبحِ الشباب
قتلوا النساءَ وقطَّعوا
عظْمَ الطفولةِ والإهاب
دخلوا بيوتَ الآمنينَ
وروَّعوا كلَّ الصِّحاب
فرموه بالحجرِ الأصمِّ
وصيحةٍ مثلِ الحَبَاب!!
أوما ترى الأوغادَ تمْـرحُ
فارهين بلا ارتعاب
أما الكـرامُ فإنهم
بُكْمٌ وصُمٌّ وارتقـاب
أتُرى نعود أعـزةً؟
والظلمُ يهوي كالشهاب!
إن الحديـدَ تَفَلُّـه
ما دمتَ تَقْرَعُ بالقِراب
للظلمِ يـومٌ قادمٌ
في جوفهِ يُطْوى العَذابْ
من نكبة تلكلخ إلى مجزرة الحولة!
- التفاصيل