محمد إمام
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة, وحتى يومنا هذا, كانت المرأة الفلسطينية في غزة هي سيِّدة الموقف وبَطَلة الحرب؛ فهي الأمُّ الثَّكْلى, وهي الأرملة الفقيرة, وهي الأخت المُعِينة, وامتدادًا لهذه المكانة التي شغَلَتها المرأة الغزّاويَّة فقد شاركت نظيراتُهَا من أنحاء العالم بقوَّة لفكِّ الحصار عنها, في قافلة "الحرية لغزة" التي وصلت يوم 27 ديسمبر, وضمّت 1400 ناشط من الولايات المتحدة وعددًا آخر من دول العالم من أبرزها فرنسا وجنوب إفريقيا, وقافلة "شريان الحياة 3" التي رأسها النائب السابق في مجلس العموم البريطاني جورج جالاوي، والتي انطلقت يوم الاثنين 7 ديسمبر 2009 من بريطانيا باتِّجاه فرنسا وإيطاليا وقبرص ومِن ثَمَّ تركيا وسوريا والأردن ومصر، وصولاً إلى غزة, وقد كان مقررًا لها أن تدخل القطاع في 27 ديسمبر, إلا أنها دخلت في السابع من يناير 2010. وضمَّت القافلة نحو 250 شاحنة ومركبة وسيارة إسعاف مُحَمَّلة بمساعدات إنسانية أوروبية وتركية وعربية من أغذية ومعدات طبيَّة و500 شخص من 17 دولة أجنبية وعربية.
شارك في القافلة رجال ونساء من كافة الأعمار، الرابط بينهم رغم اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم الدينية والسياسية هو الرغبة في كسر الحصار عن قطاع غزة, وهو ما أظهر الدور النسائي في القافلة بشكل مميّز, خاصَّة أنّ المشارِكات تنوَّعت أعمارهن, واهتماماتهن, إلا أنَّهن اتَّحَدْن في الإحساس بالمسئولية تجاه أطفال ونساء غزة, وهو ما أعلَنَتْه كل واحدة منهن بطريقتها الخاصة.
ناجية من الهولوكوست تعتصم من أجل غزة
رغم كونها يهودية من أصل ألمانِي تحمل الجنسية الأمريكية فإنّ صورتها التي تصدرت العديد من وسائل الإعلام لم تُلْتَقطْ في أيٍّ من الدول التي تنتمي إليها.. وإنَّما حملت الصورة بجوار وجْهِها الغَضّ وشعرِهَا الثلجي القصير ملامحَ أخرى لشوارع القاهرة.
«من قال: إن الحرب على غزة قد انتهت؟ مَن قال ذلك؟ الحرب على غزة مستمرة.. وأنا لا أعنِي فقط الحصار والتجويع ولكنني أعنِي القصف والغارات»، هكذا قالت هيدى إيبشتين الناشطة اليهودية المطالبة بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
واستطردت هيدي قائلة: «وقبل ذلك.. منذ ارتكاب الحكومة والجيش الإسرائيلي المجزرة في قطاع غزة في يناير 2009 فإنّ الحرب على غزة لم تنتهِ، ولذلك كان ينبغي السماح لنا بالذهاب إلى القطاع ليس فقط لتقديم المعونة التي أحضرناها من أدوية ومواد طبية وأغذية وأدوات مدرسية، ولكن أيضًا وبنفس القدر من الأهمية لنخبر شعب غزة المحاصر أننا معه وأنه ليس وحيدًا».
وقالت إيبشتين البالغة من العمر 85 عامًا بصوتٍ استعاض عن حماسة الشباب وقوَّته بحماسةِ الإيمان وحزمه: «نعم كان ينبغي أن ندخل غزة ونتجوَّل في الشوارع ونسلِّم الناس هناك– هؤلاء الذين يعيشون في خيام وأطلال منازل في عزّ الشتاء– الرسائلَ التي كتبها مواطنون من بلدان مختلفة من العالم ليعلموا أنهم ليسوا وحدهم».
إيبشتين مواطنة أمريكية، وُلِدت في ألمانيا لأسرة يهودية قبل 8 سنوات من تولِّي هتلر الحكم وتمكّن والداها من ترحيلها إلى بريطانيا في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي قبل أن يلحقوا بغيرهم من اليهود الذين قُضُوا في محرقة آشويتز في عام 1942.
لم تتمكن إيبشتين أبدًا من اقتفاء أي أثر لوالديها ولكن كل ما تتذكَّرُه عنهم وبفخرٍ بعد سبعة عقود من آخر لقاء لهما بها أنَّهما "كانا يرفضان الصهيونية وأنهما عندما كانا يحاولان الهرب من ألمانيا النازية رفضَا وبشدة أي فكرة للذهاب لفلسطين".
اليوم تقول إيبشتين: إنها تشعر بالفخر أنها مثل والديها ترفض الصهيونية كما ترفض «السادية التي يمارسها الحكم والجيش في إسرائيل ضد الفلسطينيين ليس فقط في الضفة الغربية وقطاع غزة ولكن أيضًا هؤلاء الذين يعيشون في إسرائيل يحملون الجنسية ولكن يعاملون بقوانين غير تلك المُطَبَّقة على اليهود».
إيبشتين وصلت القاهرة في ٢٧ ديسمبر ضمن قافلة "الحرية لغزة"- ليست قافلة شريان الحياة لكنها دعمتها بعد ذلك– ضمّت 1400 ناشط من الولايات المتحدة وعددًا آخر من دول العالم من أبرزها فرنسا وجنوب إفريقيا.
وقالت إيبشتين: «فعلنا كل شيء، كل شيء بالضبط كما طلبت السلطات المصرية وحملنا كل ما أردنا إحضاره. أنا مثلًا حرصت على أن أحضر حقيبة كبيرة ملأتها بأقلام رصاص وأقلام تلوين وكراسات رسم لأطفال غزة الذين يتعرضون لمعاناة لا تُطَاق», ثم أضافت بحزنٍ: «لكن السلطات المصرية قررت ألا نذهَب، هكذا بعد أن أمضَيْنا ثلاثة أشهر في التحضيرات والإجراءات», وشاركت إيبشتين في الوقفات الاحتجاجية التي نظَّمها المتضامنون الأجانب بالقاهرة في الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة.
سيلفيا.. تشارك من أجل الأطفال
لم تكن إيبشتين هي العجوز الوحيدة التي سعت لفكّ الحصار عن "غزة", بل كان هناك السيدة البريطانية سيلفيا (70 عامًا), التي تعتبر أكبر الأعضاء القادمين مع القافلة من بريطانيا, وحينما تعجّب البعض وسألها عن سبب تكبُّدها كل هذه المشاقِّ للحضور إلى غزة قالت: إنها: "تَتُوقُ للجلوس مع الأطفال الصغار في غزة".
وتقول: "إنها ورغم كونها الأكبر من بين النساء المشاركات بالقافلة، تأمل أن تساعد الأطفال الصغار الذين ربّما لا يزال البعض منهم يعانِي من اضطرابات نفسية جراء سقوط القنابل فوق رءوسهم إبَّان الحرب على غزة".
وذكرت "سيلفيا" أنّها من أكثر ما يُؤلِمها أنَّها غادرت بريطانيا العام الماضي عندما كانت الحرب الإسرائيلية مشتعلة على غزة، وتوجهت من مطار القاهرة لرفح بالسيارة لكن ضابطًا مصريًا- وقبل وصولها لرفح بثلاثة كيلومترات- منَعها من مواصلة رحلتها.
وقالت أيضًا: إنَّها توجِه رسالة للسيدة سوزان مبارك– زوجة الرئيس المصري محمد حسني مبارك – وتطلب منها التدخل للسماح للقافلة بمواصلة رحلتها "من أجل الأطفال في غزة".
فتيات العشرينات يشاركن أيضًا
في المقابل تضفي مشاركة فتيات صغار طعمًا ولونًا خاصًّا على القافلة، فتجدهم من جنسيات أوروبية وأمريكية وتركية إضافة لعرب.
فإلى جانب الهتاف الذي كانت تردّده المتضامنة البريطانية تانيا (27 عامًا) والتي هي من أصول باكستانية خلال مراسم التسليم تعبيرًا عن تضامنها مع أهل غزة لدى تسليم المساعدات، فاضَتْ عيناها بالدمع أكثر من مرة حزنًا على الحالة الصعبة التي وصل إليها سكان القطاع.
وذكرت تانيا "أنها لم تتمالك مشاعرها بعد دخولها القطاع ورؤيتها المعاناة والظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها سكان غزة تحت نيران الحصار الإسرائيلي".
كما قالت إنّها جاءت مع أختيها "سامية"و"صوفيا" إلى غزة من أجل التضامن مع أطفال ونساء القطاع وتقديم الدواء والغذاء الذي جَمَعْنَه وحَمَلْنَه من بريطانيا.
أما الطالبة التركية بيزاء (18 عامًا) والتي تدرس اللغة والأدب بجامعة دمشق عندما سُئِلت عن الدافع وراء تركها جامعتها والتوجه لقطاع غزة, أجابت: إن "فلسطين هي قضية الأمة ولا يمكن لِي تفويت فرصة الدخول إليها وتقبيل ترابها".
وتضيف بيزاء: "صحيح يمكننِي أن أختار الطريق السهل الذي يختاره غالبية الشباب اليوم لكنني اخترت الطريق الصعب؛ لأنني أريد أن أكون مجاهدة تشارك في تحرير فلسطين وإزالة إسرائيل".
وقد تبرَّعت النساء اللاتِي لم يستطعن مرافقة القافلة بِحَلْيِهِنَّ, وهو ما حدث في مدينة غازي أنتيب (محطة القافلة الأخيرة في تركيا)؛ حيث تبرَّعت فيها سيدات تركيات بما يمتلكن من مال وحَلْيٍّ، كالأساور والخواتم والقلائد الذهبية.
موقع نوافذ