عمر يوسف
شمال سوريا– "لولا المال الذي يرسله لي ابني المقيم من تركيا كل شهر لمتنا من الجوع".. بهذه الجملة يصف النازح السوري المقيم في ريف إدلب، محمد العساف، حال أسرته المكونة من 5 أفراد وتسكن في مخيم للنازحين منذ 7 سنوات.
ويقول العساف (61 عاما) للجزيرة نت إن ابنه الذي العامل في إحدى ورش خياطة الملابس في تركيا يرسل لهم كل شهر قرابة 500 ليرة (30 دولارا أميركيا) وهو يجعلهم قادرين على توفير ما يلزمهم من الطعام للاستمرار على قيد الحياة.


ويشير هذا النازح المسن إلى أنه مصاب بالتهاب شديد في الأعصاب ويعاني من آلام مبرحة في ظهره وقدميه، ولم يعد قادرا على العمل لتأمين مصاريف أسرته، في الوقت الذي لا تقدم المنظمات الإنسانية لسكان المخيم فيه سوى سلة معونات بين الحين والآخر.
ولدى سؤال العساف عن مؤتمر بروكسل للدول المانحة لدعم الشعب السوري الذي عقد مؤخرا وتم التعهد فيه بتقديم أكثر من 5 مليارات يورو، نفى النازح علمه بالمؤتمر داعيا الدول الإسلامية إلى إزاحة النظام السوري عن الحكم "كي يعود النازحون إلى ديارهم".
تحت خط الفقر
عائلة العساف من بين أكثر 1.5 مليون نازح سوري يسكنون في قرابة 1500 مخيم موزعة بين المناطق الجغرافية الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غرب سوريا، منها 452 مخيما عشوائيا لا تحصل على أي مساعدات إنسانية.
ويقدر عدد سكان مناطق سيطرة المعارضة بنحو 5 ملايين نسمة، أكثر من نصفهم نازحون عن ديارهم من مختلف المدن والبلدات السورية، قدموا إلى شمال غرب عبر موجات تهجير قسري فرضها نظام الرئيس بشار الأسد عليهم.
بالمقابل، بلغ عدد السكان في مناطق سيطرة النظام 9 ملايين و400 ألف، وفق دراسة أجراها مركز جسور للدراسات، بشأن التركيبة السكانية في سوريا.
ويواجه السوريون في مناطق السيطرة المختلفة أزمات معيشية خانقة في ظل تدهور الاقتصاد واستمرار الصراع، إذ يعاني حوالي 12.4 مليون شخص، ما يقرب من 60% من سكان سوريا، من انعدام الأمن الغذائي ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وفق برنامج الأغذية العالمي.
وتقدر الأمم المتحدة أن 90% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وانهيار قيمة الليرة مقابل الدولار.
الدول المانحة
وفي النسخة السادسة من مؤتمر بروكسل الذي عقد بمشاركة من الأمم المتحدة -التي كانت تقدم الرعاية له على مدار سنواته السابقة- تعهد المجتمع الدولي بتقديم ما يقرب من 6.4 مليارات يورو لعام 2022 وما بعده.
ووفق موقع الاتحاد الأوروبي، فإن التعهدات سوف تقدم التمويل للسوريين في الداخل، والدول المجاورة التي تستضيف الملايين من اللاجئين السوريين، منذ بداية الحرب في البلاد.
لكن فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة تحدث، قبيل انعقاد المؤتمر، عن الحاجة إلى 10.5 مليارات دولار عام 2022 لدعم السوريين والمجتمعات المضيفة والبلدان المحتاجة بشكل كامل.
وتبدو أرقام التعهدات في المؤتمر الأخير صادمة ومخيبة للآمال، بحسب مدير فريق "منسقو استجابة سوريا" محمد حلاج، فيما لو تمت مقارنة قيمة التعهدات السابقة خلال المؤتمر، والتي لم يتم تنفيذ أكثر من 60% من المبالغ المعلن عنها.
وقال حلاج -في حديث للجزيرة نت- إنه رغم التعهدات الجديدة والقديمة، فإن الواقع يؤكد أن هناك أكثر من 650 مخيما للنازحين السوريين غير مزود بالمياه الصالحة للشرب، وأكثر من 800 مخيم لا يحصل على مساعدات غذائية منتظمة، كمثال من الأمثلة الكثيرة.
ورأى حلاج أن عودة النازحين واللاجئين السوريين من مختلف المناطق إلى مدنهم وقراهم هو الحل الأمثل لإنهاء المعاناة المستمرة منذ 11 عاماً، وهو الضمان الوحيد لعودة الاستقرار إلى سوريا والمنطقة.
غير ملزمة
ورغم الآمال المعلقة على تعهدات المانحين لتخفيف وطأة الأزمات المتلاحقة على الشعب السوري، فإن متغيرات وظروفا دولية ومحلية تتحكم في آلية وصول هذه المبالغ وتحد من حجمها.
ويؤكد الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم أن التعهدات المالية غير ملزمة للدول المانحة، وفي غالب الأوقات يتم تقليص حجم المبالغ المعلن عنها خلال المؤتمرات الخاصة بشأن سوريا في بروكسل على مدار السنوات السابقة.
وحول طريقة إيصال التعهدات، قال الكريم للجزيرة نت إن وزارة الخارجية لدى كل دولة تضطلع بعملية دفع ما عليها لمنظمات المجتمع المدني، وفق خطة يقرها مؤتمر المانحين لدعم قطاع معين من الأنشطة في سوريا.
واعتبر الكريم أن هناك أمورا تضيع المبالغ عن الشعب السوري، من أبرزها عشوائية العمل وعدم وجود شفافية وخطة عمل للمنظمات الإنسانية، وعدم الاستعانة بالخبرات الحقيقية، إضافة إلى الإتاوات التي تحصل عليها القوى العسكرية في مناطق النفوذ والسيطرة.
المصدر : الجزيرة

JoomShaper