أسيل الجندي

القدس المحتلة- أكثر من 5500 طفل في قطاع غزة استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في حين اعتُبر 1800 طفل في عداد المفقودين، إلى جانب آلاف الجرحى وعشرات الآلاف ممن دُمرت منازلهم.

هكذا يحلّ اليوم العالمي للطفل، الذي يُحتفى به بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، على صغار غزة وهم يبادون، بين شهداء وجرحى وجوعى وعطشى ومفقودين ومعتقلين، حالهم يؤرق كافة العاملين في المجالات الحقوقية والقانونية والصحة النفسية. 

وبحسب نشرة أصدرتها مؤسسات الأسرى عن شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فقد تمّ توثيق 2070 حالة اعتقال في الضفة الغربية والقدس، من بينهم 145 طفلا. وعكست شهادات العائلات التي اقتُحمت منازلها، أعراضا نفسية عديدة ظهرت على أفراد منها، من بينهم الأطفال، جرّاء عمليات الاقتحام الوحشية التي جرت لمنازل المواطنين.

ليسوا مجرد أرقام

بقلق يقول المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فلسطين المحامي خالد قزمار -للجزيرة نت- إن اليوم العالمي للطفل يحل هذا العام بينما تُرتكب واحدة من أبشع الجرائم وهي "الإبادة الجماعية" بحق الأطفال الفلسطينيين في غزة.

 

وأضاف قزمار أن الأطفال يشكلون ما لا يقل عن 40% من نسبة ضحايا هذه الإبادة، سواء أولئك الذين سقطوا شهداء جراء القصف الجوي والبري والبحري، أو من تعرضوا لانتهاكات جسيمة نتيجة الحصار المطبق والنزوح وانقطاع التيار الكهربائي وانعدام المياه الصالحة للشرب.

 

ووفق بيانات أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في شهر أبريل/نيسان الماضي بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني، فإن فئة الأطفال تشكل 44% من إجمالي عدد السكان (41% في الضفة الغربية، و47% في قطاع غزة) ويبلغ عددهم نحو مليونين و400 ألف طفل.

وأعلن عن اليوم العالمي للطفل سنة 1954 كمناسبة عالمية لتشكيل نقطة ارتكاز ملهمة للدفاع عن حقوق الأطفال وتعزيزها وترجمتها إلى نقاشات وأفعال لبناء عالم أفضل لهم.

وفي عام 1989، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل التي ضمت 54 مادة تُفصل حقوق هذه الفئة، بينما باتت أمنية الأطفال الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنقضي تقتصر على الحصول على حقهم المكفول في المادة السادسة لا أكثر من هذه الاتفاقية.

وتنص المادة السادسة على اعتراف الدول الأطراف بأن "لكل طفل حقا أصيلا في الحياة وأن الدول الأطراف تكفل إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموّه".

منظومة حقوقية معدومة

وبدءا من حق الطفل في الحياة حتى حقه في اللعب وما بينهما، يُنتهك كل ما ورد في اتفاقية حقوق الطفل، بحسب قزمار الذي أكد أن كامل هذه المنظومة الحقوقية معدومة وغير متوفرة للطفل الفلسطيني في غزة الآن.

وشدد المتحدث ذاته أنه في ظل غياب مكان آمن في القطاع، فإن كل ثانية إضافية تمر من عمر هذه الحرب تعني أن حياة مئات الأطفال مهددة بالخطر نتيجة القصف وانقطاع الغذاء والماء.

وبشأن ما تحاول الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فلسطين إيصاله للعالم في ظل هذه الحرب، قال المحامي قزمار "نحن في سباق مع الزمن، في أي دقيقة يتوقف فيها العدوان على غزة يمكن إنقاذ حياة المئات من الأطفال".

وأوضح الحقوقي أنهم يتواصلون مع المنظمات والجهات الدولية مطالبين بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي وفتح المعابر لإدخال ما يلزم من مساعدات إنسانية ودعم إغاثي.

من جهتها، تثيرأستاذة الإعلام والباحثة المختصة في قضايا الأطفال ولاء بطّاط الانعكاسات النفسية الخطيرة للحرب الجارية على الأطفال الفلسطينيين، موضحة أنها ولّدت لديهم تخوفات وأسئلة كثيرة من قبيل "لماذا يقتلون الأطفال وهل سيقتلوننا نحن أيضا؟".

هذه التساؤلات تنجم من شعور كل طفل فلسطيني بأنه مستهدف في ظل الواقع المأساوي الذي تعيشه هذه الفئة تحت الاحتلال، بحسب بطّاط.

وتضيف "خلال مسيرتي الأكاديمية والعملية التقيت بالكثير من الأطفال الذين سألتهم عن خططهم المستقبلية، وأجابوا أن الغد ليس لهم لأنهم يعلمون أن الاحتلال سيقتلهم طالما أنهم فلسطينيون يعيشون على هذه الأرض".

خطط  ممنهجة

وتؤكد الباحثة المختصة في قضايا الأطفال على ضرورة العمل على زرع الأمل في نفوس هؤلاء الأطفال للتفاؤل بمستقبل أفضل، لكنهم يشعرون بتهديد دائم على حياتهم، "وهذا انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل التي تتضمن 54 مادة وكانت إسرائيل من بين الدول التي وقعت عليها".

وفي ظل الخطط الإسرائيلية الممنهجة لترويع الأطفال وقتل أحلامهم ومستقبلهم، ترى بطّاط ضرورة ملحة لتضافر جهود المختصين في المجالات الاجتماعية والنفسية والإعلامية، للعمل مع هذه الشريحة من المجتمع بُعيد انجلاء الحرب ليتمكنوا مجددا من سرد قصصهم وأحلامهم وطموحاتهم.

من جانبه، أوضح الأخصائي الاجتماعي المقدسي محمد عبّود أن الحرب ستلقي بظلالها على أطفال غزة الذين عاشوا الأحداث بشكل مختلف عن الأطفال الفلسطينيين الآخرين، قائلا إن الأطفال الذين تعرضوا بشكل مباشر للعدوان ستظهر عليهم اضطرابات ما بعد الصدمة بعد انجلاء الحرب.

ويضيف أن من بين هذه الاضطرابات أفكار ومشاعر القلق والخوف والتوتر والتهيؤات، بالإضافة لردود فعل للجسم تطابق تلك التي ظهرت على جسم الطفل خلال الحرب.

أما الأطفال الفلسطينيون الذين لم يتعرضوا للحرب بشكل مباشر لكنهم اطّلعوا على أحداثها وعاشوا القلق، فتظهر عليهم ملامح التوتر وانعدام الشعور بالأمان والتعلق المفرط بالوالدين، إلى جانب إمكانية أن يصبح الطفل عنيفا سلوكيا أو لفظيا، وفي بعض الحالات تتطور الاضطرابات إلى مرحلة التبول اللاإرادي الليلي، وفق عبّود.

المصدر : الجزيرة

JoomShaper