سديل السعايدة

 لمس العالم العربي تخاذل وانسحاب منظمات عالمية في أداء مهامها المطلوبة مع ما يحدث في قطاع غزة؛ ليتجه نحو البحث عن طريقة لإعادة البوصلة، سواء من خلال التظاهرات على أرض الواقع أو ما يعرف بالعواصف الالكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرها ما جاء بالاعتراف أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية والضغط على منظمات للتدخل بإنهاء الحرب. وأيضا ما جاء بإصدار منصة عربية تدعم تعبير العرب عن آرائهم والدفاع عن قضاياهم بكامل حريتهم ومن دون تقييد بأي شكل من الأشكال.

وفي أثناء دفاع الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عن غزة عن طريق نشر ما يقوم به الاحتلال من جرائم وحشية وقصف عشوائي وقتل وتشريد للنساء والأطفال والشيوخ، حاربتهم الخوارزميات بعدم وصول ذلك المحتوى إلا لعدد قليل لا يذكر وأحيانا لا يتم نشره، كما واجه بعض الأشخاص إغلاقا لحساباتهم الشخصية بشكل مؤقت أو دائم بحال نشرهم لتلك الجرائم بشكل مستمر أو ذكرهم كلمة (غزة).

بدء الأشخاص في البحث عن حلول، كان أحيانا بنشر محتوى بعيد جدا عن حرب غزة أو عدم التحدث عنها إطلاقا على صفحاتهم من أجل عودة المشاهدات كما كانت عليه.

وتعد العواصف الإلكترونية إحدى الطرق لإيصال الصوت للجهات المعنية والمسؤولة بما يخص قضية ما. كما وحدثت عواصف إلكترونية عدة في الأردن سابقا، يشارك بها مجموعات في وقت محدد.

من هنا، خرج الأشخاص لمساندة أهل غزة بمساعدات بسيطة، لكن إذا حققت هدفها كاملا يكون معناها عظيما جدا، وهي المساهمة في إيصال الصورة التي يعيشها الغزيون بشكل كامل لكل العالم، وأن ما يحدث بغزة هو إبادة جماعية وليس مجرد حرب أو دفاع عن النفس كما يدعون.

المستشار الإعلامي والمدرب المتخصص بالتسويق والعلاقات العامة بشير مريش، يبين أن فعالية العواصف الإلكترونية كبيرة جدا؛ حيث إن نظام المراقبة في الخوارزميات يتبع بروتوكولا معينا يتصل بمدى التفاعل لتحديد الأهمية، وعليه، فإن العاصفة الإلكترونية ستحدث لدى النظام الأساسي لمنصة التواصل الاجتماعي دفعة كبيرة لرفع الهاشتاج الى نسبة وصول كبيرة قبل التيقن منها بصريا أو من خلال موظف فعلي يقوم بإلغائها أو إيقاف نسبة الوصول.

لذلك، تكون العواصف الإلكترونية في أوجها وزخمها في بداية الانطلاقة، وتمتد لفترة تعتمد على قيام شخص أو موظف في قسم الرقابة لدى منصة التواصل بعمل حذف أو إيقاف. وينوه مريش إلى أنه، لتحقيق أعلى نسبة وصول لأطول فترة ممكنة، يجب إطلاق عواصف عدة بالوقت نفسه وبهاشتاجات مختلفة للوصول بشكل كبير وواسع وإحداث إرباك لدى المنصة وتحقيق تشويش لديها في الرقابة البصرية.

ما مدى تأثير تلك العواصف على الرأي العام؟ وهل سيستعيد المجتمع العربي ثقته بنفسه وقدرته على التعبير عن رأيه بشكل كامل دون تقييد؟

الباحثة والاختصاصية الاجتماعية فاديا إبراهيم، تجيب عن هذه الأسئلة، بأن من سمات الثورة الرقمية القدرة الهائلة والسريعة على الحشد وكسب التأييد لقضايا الرأي العام، وهذا ساعد بشكل سهل وكبير على التضامن والتعاطف الإنساني للعديد من المستجدات في هذا العالم.

ويسمى أيضاً بالنضال البرمجي، وهذا ما حدث فعلاً ولمسناه في الحرب على غزة؛ حيث تم استخدام تقنية المعلومات وأجهزة الحواسيب والإنترنت لإبداء حرية الرأي والتعبير عن الأحداث الجارية، وتسليط الضوء على الظلم والطغيان الذي يتعرض له قطاع غزة، ونقل الخبر والصور والفيديوهات التي تبين هول ما يحصل، ولفت أنظار العالم نحو ما يجري من أحداث وعرض الحقيقة، مما يؤثر على الرأي العام وبشكل واضح وملموس، وخاصة في دول الغرب عندما وصلتهم الصورة الحقيقة فيما يحدث في غزة من جرائم حرب. وتضيف إبراهيم، أن استخدام الفضاء الإلكتروني كوسيلة من وسائل الحريات في التعبير عن الرأي أحدث نقلة نوعية في هذا المجال.

اليوم، كلمة كل شخص مقروءة وصوته مسموع. الشعوب التي عاشت قرونا طويلة تتلقى الخبر من سياسات وجهات محددة أصبحت هي من تصنع الخبر وتعلق عليه وتنشره، واليوم لا يمكن إخفاء الحقيقة بأي شكل من الأشكال، الحقيقة واضحة وقوية، يستطيع كل العالم أن يشاهدها بتكلفة ومجهود قليلين وسرعة وانتشار كبيرين، فالنشاط المعلوماتي لا يتوقف، وهو ليس وسيلة للاتصال فقط، بل هو موقع للإجراءات مباشرة.

وهنالك تحالفات رقمية الكترونية تجتمع على الفكرة والمبدأ وتلتقي في الشارع لعرض مطالبها ووجهات نظرها، اليوم نعيش حالة نضال الكتروني حقيقي واقعي ومؤثر من خلال عدد كبير من النشطاء والمؤثرين أعاد للعرب ثقتهم بنفسهم وقدرتهم في التعبير عن آرائهم بالرغم من عائق الخوارزميات.

عاصفة إلكترونية لإنشاء منظومة عربية حرة

"مرحبا بكم في لحظة فارقة في أمتنا العربية، حان الوقت ليكون للعرب صوت حر، كن منهم وأبدِ اهتمامك".. هذه العبارة نشرت على الموقع الإلكتروني "البوصلة"، وهو موقع أصدر منذ فترة وجاء بعد التشاور مع جهات عدة ذات علاقة بالشأن الريادي والتقني والإعلامي بأن يبادروا بطرح استطلاع رأي عربي بهدف التأكد من أن هناك رغبة جماعية عربية كاملة للبدء بتطوير منظومة متكاملة من مواقع التواصل الاجتماعي والمهني.

وجاءت الفكرة بعد الاكتشاف أن غالبية مواقع التواصل الاجتماعي تقمع حرية الرأي وحرية التعبير عن الأفكار وتقبل الرأي الآخر، حسب ما نشر موقع "بوصلة" على صفحته الرسمية.

وشارك في هذه العاصفة الالكترونية عدد كبير جدا من الإعلاميين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث دعم عدد كبير منهم فكرة إنشاء منصة عربية وخرج البعض منهم بفيديو مصور وهم يرددون عبارة "حان الوقت لصوت عربي حر على منظومة منصات تواصل اجتماعي عربية حرة نعكس فيها كل قيمنا وآرائنا العربية دون أي قيود".

عميدة كلية الإعلام في جامعة الشرق الأوسط الدكتورة حنان الشيخ، تذهب إلى أن اجتماع الرأي العام العربي عبر منصة واحدة يمكن أن يكون ذا أهمية كبيرة، لأنه يمكن أن يوفر تجربة أكثر تنظيما وفاعلية للآراء والتوجهات ويسهم في توحيد الآراء والقضايا المطروحة، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا العربية.

كما أن وجود مثل تلك التجارب يمكننا من ترتيب وتوجيه مناقشات الرأي العام وتركيزها في مكان واحد، مما يزيد من فعالية وقوة الحوار ويجنب التشتت والتشوش الناتج عن انتشار الآراء عبر منصات عدة.

ومن جانبها، قالت الشيخ "يمكن أن تأتي فكرة وجود منصة واحدة لاجتماع الرأي العام، بأنها تمكن جميع الأفراد من الوصول إليها والمشاركة بغض النظر عن مكان وجودهم أو خلفياتهم، هذا يضمن تمثيلا شاملا لمختلف الآراء، وقد يسهم في بناء نظام أكثر ديمقراطية وعدالة".

كما يمكن للمنصة الجامعة أن توفر أدوات وميزات تفاعلية تسهل التواصل والتعاون بين المشاركين وتعزز الحوار المثمر والبناء، ثم يمكن أيضا استخدام التحليلات والبيانات والمعلومات المتحقق منها المقدمة من المنصة لتحسين أداء عملية اجتماع الرأي العام.

وتضيف الشيخ، أنه من جانب سياسي، وجود مثل تلك المنصة يسهل عملية التأثير على الرأي العام ويعزز فرص توحيد وجمع الأفكار والآراء تحت مظلة موحدة، ما يزيد من فرص التغيير والمقاومة والاصطفاف بهدف تحقيق العدالة.

ومع ذلك، يجب أخذ بعض العوامل في الاعتبار عند استخدام منصة واحدة لاجتماع الرأي العام، مثل التحكم في البيانات الشخصية وحفظ خصوصية المشاركين وتوجيه النقاش بطريقة عادلة ومتوازنة.

JoomShaper