محمد كساح

تلجأ رغد وهي أم لتوأم، إلى الحليب البقري لتغذية طفليها بعد أن عجزت أسرتها عن تأمين حليب الأطفال بسبب سعره الباهظ وتدني المدخول الشهري لزوجها، والذي لا يتجاوز ال400 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 30 دولاراً.

وعلى الرغم من المضاعفات الصحية التي نجمت عن هذه الخطوة، تقول رغد ل"المدن"، إن حالة الفقر التي تعيشها أسرتها تجبرها على تقليص النفقات إلى حدودها الدنيا، ما يعني حرمان أطفالها من الحليب والفيتامينات واللحوم والبيض ومعظم أصناف الفاكهة والخضراوات.

وتقود إجراءات التقشف التي تشكل فيها رغد نموذجاً لعشرات آلاف السوريين، إلى نشوء ظاهرة سوء التغذية، خصوصاً بين الأطفال، بسبب تدني الأجور وتقليص الدعم الإغاثي، ومن المرجح أن تزيد هذه الحالات مع إعلان برنامج الغذاء العالمي توقفه في سوريا نهاية 2023.

وفي آذار/مارس 2023، حذّرت اليونيسف من أن أكثر من 600 ألف طفل سوري دون سن الخامسة يعانون من التقزم الذي ينجم عن نقص التغذية المزمن ويسبب أضراراً بدنية وعقلية للأطفال لا يمكن التعافي منها. ويؤثر ذلك على قدرتهم على التعلم وإنتاجيتهم في مرحلة البلوغ.

كما أن سوء التغذية الحاد بين الأطفال في ارتفاع مستمر. فقد ارتفع عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 59 شهرًا والذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم بنسبة 48% من عام 2021 إلى 2022.  

مخاطر على جيل كامل

ويعزو المنسق الإغاثي والطبي مأمون سيد عيسى تفشي حالات سوء التغذية إلى التدهور المعيشي الهائل الذي تعيشه الأسر في سوريا. ويقول ل"المدن"، إن التقارير الدولية تؤكد أن الأفراد من ذوي الحاجة في سوريا يتجاوزون ال15 مليونا، وأن 82% من الأسر ليست قادرة على تأمين الاحتياجات الرئيسية.

ويتابع أن "عجز الأسر عن تأمين هذه الاحتياجات يعني بالضرورة عدم تقديم الغذاء المناسب للأطفال سواء من الحليب المخصص للرضع، أو الفيتامينات، أو طعام يحوي نسبة كافية من البروتينات اللازمة للنمو مثل اللحوم والأسماك والبيض، ما يجعل الوجبات تقتصر على النشويات وهي غير كافية".

ويوضح سيد عيسى أن نفس الأمر ينطبق على الأم الحامل التي لا تحصل على نظام تغذية مناسب، فهناك حجم معين من السعرات الحرارية والبروتينات والدسم ينبغي تأمينها، ما ينعكس سلباً على نمو الجنين ويؤثر على مستوى ذكائه في المستقبل. يضاف إلى ذلك أن سوء التغذية قد يعرض المولود للوفاة ما يعني مخاطر إضافية على حياة الأطفال.

ويلمح سيد عيسى إلى أن "النظام السوري هو من يتحمل مسؤولية وجود الآلاف ممن يعانون سوء التغذية، على اعتبار أنها تداعيات لسياسته، فهو من سرق أموال السوريين وأهدرها في الحرب وتسبب بتدهور الاقتصاد والأوضاع المعيشية".

قرارات النظام الخاطئة

وبالرغم من ظهور حالات سوء تغذية خلال الأعوام الماضية إلا أنها تحولت إلى ظاهرة ملحوظة منذ أشهر عديدة، بالتوازي مع تفاقم الوضع المعيشي، ووقوع معظم السوريين تحت خط الفقر، بحسب حديث الباحث الاقتصادي رضوان الدبس.

ويعزو الدبس في حديثه ل"المدن"،هذه الظاهرة إلى "القرارات الحكومية التي أصدرها النظام خلال السنوات الماضية والتي قادت إلى عجز غير مسبوق في الميزانية كان يصل إلى 70%"، لافتاً إلى أن العجز يتسبب بنقص في مواد الرعاية الطبية وأجهزتها، فضلاً عن عجز المشافي عن أداء الدور المنوط بها.

ويأتي ارتفاع أسعار السلع الغذائية ضمن جملة الأسباب التي قادت إلى تعرض الآلاف إلى سوء الاغذية، بحسب الدبس، لاسيما وأنه يتزامن مع الحجم الضئيل جداً للرواتب الحكومية، فيما قاد استحواذ أمراء الحرب على الحركة التجارية على مدار سنوات، إلى تضاعف الأسعار مقابل تدني قيمة العملة الوطنية.

ويوضح أن قيام المؤسسات المقربة من النظام بنهب المساعدات الأممية وتجييرها، ساهم في حرمان الآلاف من السلة الغذائية التي تحوي نسباً مدروسة من القيم الغذائية، فضلا عن أن إعلان برنامج الغذاء العالمي عن توقفه في سوريا سيفاقم المشكلة ويجعلها أكثر كارثية.

 

JoomShaper