تقول البروفيسور ديفي سريدهار رئيسة شعبة الصحة العامة العالمية في جامعة إدنبره إن ربع عدد سكان قطاع غزة ربما يموتون في غضون عام بسبب تفشي الأمراض جراء حرب إسرائيل غير المسبوقة على القطاع.
وأعربت سريدهار في مقال لها بصحيفة "أوبزيرفر" البريطانية عن القلق الذي ينتاب المنظمات المعنية بالصحة العامة في العالم قائلة "ليس الرصاص ولا القنابل.. لم أر هذه المنظمات قلقة من الأمراض مثلما هي قلقة حاليا منها في غزة".
أرقام قياسية عالمية
وقالت الكاتبة إن هذه الحرب سجلت العديد من الأرقام القياسية العالمية، واصفة إياها بالصراع الأكثر دموية للصحفيين منذ 30 عاما، والمتسببة في أكبر خسارة فردية في أرواح موظفي الأمم المتحدة في تاريخ المنظمة، مضيفة أن غزة شهدت أسوأ عدد من الهجمات في العالم على مرافق الرعاية الصحية وموظفيها، ودمرت المدارس، مع تلف 51% من المرافق التعليمية.
كما أشارت إلى أنها أكثر النزاعات دموية للأطفال في الآونة الأخيرة "فقد قتل ما يقارب من 160 طفلا يوميا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وفقا لـمنظمة الصحة العالمية"، مشيرة إلى أن الصراع الأخير في سوريا سجل مقتل 3 يوميا، وفي أفغانستان اثنان، وفي أوكرانيا 0.7. وقالت إن عدد الأطفال الذين قُتلوا بالفعل حتى 29 ديسمبر/كانون الأول الجاري أكثر من 5300 وفقا لمنظمة اليونيسيف.
ليست سوى البداية
واستمرت سريدهار تقول إن هذه الأرقام لن تكون سوى البداية. فمن خلال النظر إلى صراعات مماثلة في جميع أنحاء العالم، يعرف خبراء الصحة العامة أنه من المحتمل أن نرى مزيدا من الأطفال يموتون من أمراض يمكن الوقاية منها أكثر من الرصاص والقنابل.
ونقلت عن المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت هاريس أن معدلات الإسهال بين الأطفال في المخيمات في غزة، كانت في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكثر من 100 مرة من المستويات الطبيعية.
وأضافت سريدهار أنه ومع عدم توفر العلاجات، يمكن أن يصاب الأطفال بالجفاف ويموتون بسرعة. وتعتبر أمراض الإسهال السبب الرئيسي الثاني لوفاة الأطفال دون سن الخامسة في جميع أنحاء العالم، وهي ناجمة عن المياه الملوثة وعدم الحصول على سوائل الإماهة الفموية. وزادت التهابات الجهاز التنفسي العلوي وجدري الماء والأمراض الجلدية المؤلمة، وهناك مخاوف من أن الفيضانات الأخيرة قد تؤدي إلى خلط مياه الصرف الصحي غير المعالجة بالمياه العذبة المستخدمة للشرب والطهي، وتسبب تفشي الكوليرا.
الأمراض لعبت دورا كبيرا في الحروب
وأعادت سريدهار إلى الأذهان أن الأمراض لعبت دورا كبيرا في الحروب في القرون الماضية. فخلال الحرب الأهلية الأميركية، كان ثلثا الوفيات المقدرة للجنود سببها الالتهاب الرئوي والتيفوئيد والدوسنتاريا والملاريا. وفي عام 1994، قتل مرضا الكوليرا والدوسنتاريا الناجمان عن المياه غير النظيفة ومناطق الصراع، أكثر من 12 ألف لاجئ رواندي في 3 أسابيع فقط في يونيو/حزيران 1994
وأوضحت أن التقديرات تشير إلى أن 85% من سكان غزة نازحون بالفعل، ويقدر الخبراء الذين يحللون حالات نزوح اللاجئين السابقة في مجلة "لانسيت" الطبية البريطانية أن معدلات الوفيات الأولية (أي الوفيات لكل ألف شخص) كانت أعلى بأكثر من 60 مرة، مما كانت عليه عندما بدأ كل صراع، في المتوسط.
وبتطبيق تلك المعادلة على الوضع الحالي في غزة، حيث كان معدل الوفيات الخام قبل النزاع 3.82 في عام 2021 (منخفضا نسبيا بسبب الديموغرافية الشابة)، يمكن أن تصل معدلات الوفيات إلى 229.2 في عام 2024 إذا استمر النزاع والنزوح عند المستوى الحالي من الشدة، ولا يزال سكان غزة يفتقرون إلى الوصول إلى الصرف الصحي والمرافق الطبية والإسكان الدائم.
تقدير فظّ
في نهاية المطاف، ما لم يتغير شيء ما، تقول الكاتبة، سيواجه العالم احتمال وفاة ما يقارب من ربع سكان غزة البالغ عددهم 2 مليون نسمة في غضون عام. وستكون أسباب هذه الوفيات إلى حد كبير أسبابا صحية يمكن الوقاية منها، بالإضافة إلى انهيار النظام الطبي. وعلقت سريدهار بأن هذا تقدير فظ، لكنه يعتمد على البيانات، باستخدام الأعداد الحقيقية المروعة للوفيات في النزاعات السابقة والقابلة للمقارنة.
وختمت الكاتبة مقالها بالقول إنها لم تسمع أبدا منظمات الصحة والإغاثة صريحة وقلقة بقدر ما هي قلقة بشأن مستوى المعاناة والوفيات في غزة. "إنه صراع غير مسبوق، يحطم الأرقام القياسية الأكثر مأساوية، وبينما يناقش الخبراء ما إذا كانت إبادة جماعية أم لا، فإن الحقيقة هي أننا نشهد القتل الجماعي للسكان، سواء بالقنابل أو الرصاص أو الجوع أو المرض".