ريف دمشق - خاص
يتعرض طلاب مدارس ابتدائية في ريف دمشق للضرب المبرح من قبل المعلمات حيث وصلت بعض الحالات إلى حدوث كسور في الأطراف وجراح دامية، في ظل حالة الفوضى التي تعيشها المدارس الخاضعة لإدارة حكومة النظام السوري والمتمثلة بالتغيب والهروب المستمر للطلاب وسوء استعمال القوانين من قبل الكادر التدريسي والإداري.
لطالما كانت المدارس في الفكر الجمعي السوري أماكن للتعلم والتربية معاً، وبناء عليه كان هنالك هامش يمنحه الأهل للمعلم أو المعلمة لتأنيب وتأديب أطفالهم ما يبيح تعرضهم للضرب، وهي حالة أخذت تتقلص مع مرور الزمن، وانتقلت للنقاش بين من يطالب بالالتزام بها ضمن حدود تجنّب التلميذ التعرض للأذى الجسدي والنفسي، وبين رافض لوجود أي دور تربوي للمعلم، واقتصار هذه المهمة على الأهل.
رصد موقع تلفزيون سوريا زيادة نسب الضرب المبرح في المدارس، ولاحظ أن المعلمات وراء معظم الحالات التي أسفرت عن أذى جسدي واضح.
روى مديرو مدارس وطلاب وذووهم ومحامون لموقع تلفزيون سوريا كثيراً من قصص التعنيف الجسدي في مدارس ريف دمشق، وأكدوا أن النسب آخذة بالازدياد ما يستدعي الوقوف عندها والبحث عن أسبابها.
رصد مطلع العام الجاري حادثة كسر يد تلميذ في الصف الثالث بإحدى مدارس الكسوة في ريف دمشق، وذلك على خلفية مشاجرة مع زميله في الصف.
تقول والدة التلميذ إن المعلمة برحته ضرباً بناء على شكاية من زميله، حيث شمل هذا التعنيف الجانب اللفظي من عبارات قاسية ومؤذية لنفسية الطفل، إضافة إلى الجانب البدني فقد أمرته بفرد كفيه وانهالت عليهما بالضرب بعصا ملساء بسبب دهنها بالمعجونة وبخها بالطلاء.
وصل الطفل إلى المنزل مصفر الوجه ويعاني من ألم شديد في يده اليمنى مع انتفاخ في منطقة المعصم، وعند زيارة الطبيب تبين أنه مصاب بكسر في المعصم.
وفي حالة مشابهة رصدها تلفزيون سوريا في جديدة عرطوز بريف دمشق، كان عبد الله وهو تلميذ في الصف الخامس يتحدث مع زميله في الصف في أثناء إلقاء المعلمة للدرس، ما جعلها تفور غضباً وتأمره بمغادرة مقعده والوقوف أمام السبورة، طالبة منه إعادة الدرس لكنها سرعان ما انهالت عليه بالضرب على إثر عدم متابعته للحصة الدرسية.
لم تكتف المعلمة بضرب التلميذ بكامل قوتها على وجهه باستخدام كفها الأيمن، بل قامت بمتابعة معاقبته باستخدام العصا بشكل فظيع، ما تسبب له برضوض في يده من شدة الضرب وازرقّ وجهه بالكدمات التي أخذت شكل أصابع كفي المعلمة.
وفي مدينة داريا بريف دمشق، أدت مشاجرة بين التلميذة ربى وزميلتها إلى تعرض ربى للضرب بالعصا لأن الزميلة كانت ابنة المعلمة، حيث تؤكد والدة ربى لتلفزيون سوريا أن الضرب أدى إلى حدوث كدمات على جسد الفتاة لأن المعلمة فقدت السيطرة على نفسها وانهالت ضرباً على كل مناطق جسمها.
تمثل هذه الحالات جانبا من الفوضى التعليمية والإدارية التي تعيشها المدارس في مناطق سيطرة النظام السوري، وبالرغم من كون الضرب ممنوعا بحسب تعاميم "وزارة التربية"، فإنه لا يزال ساريا في جزء كبير من المدارس، ويستعمله المدرسون والمدرسات من دون رادع حقيقي.
وربما يقع جزء من المسؤولية على عاتق أهل التلاميذ الذين يتعرضون للضرب المبرح، من دون أن يتحرك ذووهم لتقديم شكاوى إلى مخافر الشرطة ضد المدرسات والمدرسين المتسببين بهذه الحوادث.
وفي المقابل، هناك جزء من أهالي التلاميذ الذين تحدثوا لتلفزيون سوريا أكدوا أنهم تقدموا بشكاوى ضد المعلمات، مثل والدة الطفل ياسر التي أكدت أنها اشتكت على المعلمة التي كسرت يد ابنها، لكنها تنازلت بعد ذلك عن الشكوى بعد أن وقعت المعلمة تعهدا بعدم تكرار هذه الحادثة.
ولا ينص قانون العقوبات السوري على تجريم ضرب الطفل في المدرسة أو خارجها، بينما تجيز المادة 185 من قانون العقوبات "ضروب التأديب" للأطفال على نحو ما يبيحه العرف، لكن هناك تعاميم صادرة عن وزارة التربية مثل التعميم رقم 120 للعام 2004 الذي يمنع استخدام العنف في المدارس، والذي تم تجديده من قبل الوزارة في العام 2012.
أسباب تنامي التعنيف في المدارس
بحث موقع تلفزيون سوريا مع مختصين تربويين ومحامين ومديري مدارس في دمشق وريفها عن الأسباب وراء تنامي التعنيف في المدارس، واستنتج أن هجرة المعلمين ذوي الخبرة في ضبط الصف والتعامل مع مختلف أنماط التلاميذ فتح الباب أمام نقص ملأه معلمون بعقود ساعات لم يخضعوا لدورات تأهيل المعلمين والتي من ضمنها أساليب التعامل مع الطلاب وقواعد التربية الحديثة التي تحرّم الضرب وتمنعه، وهؤلاء المعلمون يلجؤون إلى الأساليب التقليدية القائمة على العقاب الجسدي.
لفت مديرو مدارس إلى أن سبب وجود تعنيف لدى المعلمات يمكن تفسيره بالضغط النفسي الكبير الناجم عن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة.
يقول موجه تربوي لموقع تلفزيون سوريا إن معظم المعلمات المعنّفات اللواتي يصل ضدّهن شكاوى بضرب الأطفال وإيذائهم يكنّ في حالات معيشية قاسية، ويفرّغن مشقة المواصلات والحر والالتزامات والعمل في ضرب التلاميذ، وهذا ما قد يواجه أطفالهن في منازلهن.
وأشار الموجه إلى أن المعلمات ملتزمات بدوامهن وفي رعاية أسرهن وجزء ليس بقليل منهن أرامل أو معيلات وحيدات لأسرهن، حيث تكاد تنعدم فرص العمل لأزواجهن، وهذا كله يراكم عليهن ضغطاً كبيراً، وهذا ما يفسر الظاهرة ولا يبررها.
وأكد محامون أن غياب العقاب الإداري من مديري المدارس وعدم جدية المخافر في متابعة الشكاوى بخصوص التعنيف في المدارس، يحبط من عزيمة الأهل على الشكوى نظراً لعدم جدواها. وحذّر قانونيون من أن غياب الردع القانوني والإداري يفتح المجال أمام انفجار المشكلة في حال قرر ذوو التلميذ محاسبة المعلم وضربه أمام المدرسة بعد الانصراف، وهي حوادث تتكرر كثيراً مؤخراً.
والجدير بالذكر أن ريف دمشق الذي مر عليه حرب قاسية على مدار 4 سنوات تسببت بمقتل عشرات الآلاف وتفكك الأسر بين نازحين ومهجرين ولاجئين، وبانهيار البنى التحتية وانعدام الخدمات بعد سيطرة النظام على المنطقة منذ عام 2018.