عبلة الكحلاوي: رمضان مناسبة للتراحم وسباق لفعل الخير ومنطلق للتوبة إلى الله تعالى
 («الشرق الأوسط»)
القاهرة: محمد خليل
الدكتورة عبلة الكحلاوي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر وعميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات فرع بورسعيد، عرفها المسلمون من خلال مسيرتها العلمية كأستاذة ومعلمة وفقيهة في جامعة الأزهر وداعية إلى الله تعالى في رحاب بيوت الله في الأرض وعبر الفضائيات. أثرت الساحة الإسلامية والدعوية بالكثير من الآراء والفتاوى الجريئة. وتؤكد عبلة ضرورة أن يتخذ المسلمون من شهر رمضان المبارك منطلقا للتوبة إلى الله تعالى، وجعل حياتهم حافلة بالطاعة والصلاح وبكل ما يعود عليهم بالنفع، والعزم على تغيير السلوكيات الخاطئة. وعن العوامل التي أثرت في تشكيل ثقافتها الدينية، تقول: لقد حرص والدي، رحمه الله، على تنشئتي أنا وجميع إخوتي تنشئة إسلامية سليمة، حيث تربينا جميعا على القيم والتعاليم الإسلامية التي حرص والدنا على غرسها فينا منذ الصغر، فكان يقول لنا: «عرفت الله بالحب فاعرفوه أنتم بالعلم»، ولذلك التحقت بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر وتخصصت في الفقه، تنفيذا لرغبة والدي، كي أتفقه في الدين لأعرف الله بالعلم، وتخرجت عام 1970، ثم حصلت على الماجستير والدكتوراه في الفقه المقارن.
عن ذكريات رمضان، تذكر أنها منذ الصغر كانت تقوم بمساعدة والدها المطرب الديني المعروف محمد الكحلاوي، رحمه الله تعالى، في إعداد مائدة الرحمن..«فقد عودنا أبي، رحمه الله، على حب الخير والعطاء، وكنت في سباق مع إخوتي لفعل الخير في رمضان، وكنا نقوم بتحفيظ القرآن الكريم، وعندما تزوجت زادت المسؤوليات، ثم تضاعفت بوفاة زوجي، رحمه الله، حيث وجدت نفسي أتحمل أعباء الأسرة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وأعباء عملي كأستاذة للفقه الإسلامي، فتحول رمضان بذلك إلى شهر دائم العمل، ليل نهار، وأصبحنا نقيم ليالي رمضان بصورة جيدة من خلال تبصير الناس بحقيقة الدين في كثير من البلاد الإسلامية، وبفضل الله، تعالى، تجولت في معظم البلاد الأوروبية والعربية، وبالتالي أصبح لشهر رمضان مذاق خاص يبدأ بالعبادة وينتهي بها أيضا».
وعن رحلاتها إلى الخارج وذكرياتها، تقول: الحمد لله قمت بالكثير من الأسفار إلى الخارج، خاصة في أوروبا، داعية إلى الإسلام، وكنت دائما أشعر بتمني بعض الغربيين دراسة الإسلام عن حب، وبفضل الله تعالى كان لي فضل دخول أناس كثيرين إلى الإسلام من الذين عرفوا الوجه المضيء للإسلام عن طريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. فالإسلام بتعاليمه السمحة يجعل المسلم يعيش في سكينة وطمأنينة وسعادة بالغة، فلم يكن إيمان هؤلاء ودخولهم الإسلام بمحض الصدفة. أيضا سافرت مرات كثيرة إلى المملكة العربية السعودية، مهبط الوحي وقبلة المسلمين، وتنوعت أسفاري إلى المملكة ما بين أستاذة ومعلمة للبنات في الجامعات السعودية وداعية إسلامية، حيث كنت أقوم بإلقاء دروس يومية بعد صلاة المغرب للسيدات عند الكعبة المشرفة منذ عام 1987، حتى عام 1989، وكنت أخالط مسلمات من سائر أنحاء العالم الإسلامي، وكن دائما يطرحن علي أسئلتهن، وكنت بفضل الله، تعالى، أجيب عن جميع تساؤلاتهن.
وحول اعتكاف المرأة، ترى عبلة الكحلاوي: أن الأصل في الاعتكاف أن يتم في المساجد، والدليل على ذلك قول الله تعالى «ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد»، ويجوز للمرأة أن تعتكف في مسجد بشرط أن تكون في مأمن، أي لا يحدث اختلاط بين الرجال والنساء، ولا تتعرض لما ينهي عنه الشرع الإسلامي الحنيف، وأن يكون المسجد قريبا من بيتها، كالمساجد الملحقة بالعمارات الآن، ولكني أرى أن اعتكاف المرأة في بيتها أفضل الآن من اعتكافها في المسجد، وقد يضيع عليها مصالحها ومصالح أسرتها، وقد يجلب عليها الكثير من المتاعب. والاعتكاف له آداب يجب أن تأخذ بها المرأة لكي يصح اعتكافها، ومنها حبس الجوارح عن المعاصي واستخدامها في الطاعات واستغلال الوقت كله في العبادة والطاعة، ونقصد بهذا أن تحيي الليل في الذكر والصلاة والدعاء وقراءة القرآن الكريم، وأن تبتعد عن كل ما يتعلق بالدنيا، أيضا من شروط الاعتكاف أن تكون المرأة طاهرة، فلا يجوز أن تعتكف الحائض أو النفساء، وأيضا لا بد من إذن الزوج، فإذا رفض الزوج اعتكاف زوجته في المسجد، عليها أن تطيعه وتعتكف في بيتها، وهذا أفضل.
وحول إمكانية أن تخرج الزوجة الغنية زكاة الفطر من مالها الخاص، أم أن الزوج مكلف بالإخراج عنها، تقول عبلة الكحلاوي: إن زكاة الفطر تجب شرعا على الزوج، وعلى من تلزمه نفقته من الأصول والفروع، أي الآباء والأمهات والأولاد، فعلى الزوج أن يخرج زكاة الفطر عن زوجته، سواء أكانت الزوجة غنية أو فقيرة، ويخرجها عن أولاده صغارا أو كبارا، ما داموا في رعايته، ويخرج عن أبويه الفقيرين، فإذا امتنع الزوج عن إخراج الزكاة عن زوجته بحجة أنها تعمل ولديها مال، فعندئذ يكون غير ملتزم بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي يجب على الزوجة في هذه الحالة أن تبادر بإخراج الزكاة عن نفسها، ولها من الله عز وجل الثواب العظيم، كما يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها الممتنع عن أداء زكاة الفطر ما تؤدي به هذه الفريضة.
وحول عمل المرأة بالإفتاء تقول: الذكورة ليس شرطا في الإفتاء، وبالتالي فللمرأة حق العمل بالإفتاء، خاصة إذا كانت مفتية للنساء، فالمنطق يقول إن أفضل من يعلم أمور النساء هن النساء، فكثير من النساء يمنعهن الحياء من الحديث إلى الرجل (المفتي) في أمورهن الخاصة، ولكن يجب على من تتصدى لعملية الإفتاء أن تكون ممن تتوافر فيها شروط الإفتاء من العلم والاجتهاد والإلمام بالعلوم الشرعية.

JoomShaper