سيريانديز-نبيل علي صالح
كشف تقرير إقليمي صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن أن التعليم في كثير من الدول العربية يعيش حالة صعبة، وسيفضي -بصورة أكيدة- إلى تداعيات سلبية على صعيد المستقبل العلمي والتقني للأجيال العربية اللاحقة، خصوصاً إذا لم تقم تلك الدول بتبني استراتيجيات تعليمية جديدة، وبالاستثمار الكافي اللازم في تعليم سكانها الذي يتزايد عددهم باطراد ملحوظ.
ويؤكد التقرير من جهة على أهمية العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي من حيث التركيز على الـتأهيل المعرفي العلمي والتقني، ويظهر من جهة أخرى طبيعة العلاقة الضعيفة جداً بين التعليم والاقتصاد في عالمنا العربي.
وطبقا للبيانات الواردة في التقرير فقد أنفقت سلطنة عمان على التعليم ما يساوي 3.6 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي في الفترة من 2002 إلى 2005م. وبلغ إنفاق السعودية على التعليم في نفس الفترة 6.8 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي.
وقال التقرير بأن الأمية تشكل عقبة رئيسية في العالم العربي حيث يوجد نحو ثلث عدد البالغين (أي حوالي 60 مليوناً) لا يستطيعون القراءة والكتابة، وثلثا هؤلاء هم من النساء..
كما ويوجد نحو تسعة ملايين طفل في سن التعليم الابتدائي لا يلتحقون بالمدرسة.. كما أن زهاء 45 في المائة من السكان لا يلتحقون بالمدارس الثانوية.
وهذا كله يؤشر على الحالة المأساوية التي يعيشها التعليم، ويدفع نحو زيد من الفقر في المجتمع، ومزيد من عدم المساواة ومزيد من عدم الاستقرار.
ويرسم التقرير صورة قاتمة عن الوضع المعرفي في الدول العربية قاطبة، وذلك حين يكشف عن وجود حالة مستشرية من الأمية المعرفية والرقمية في عالمنا العربي، حيث لا يزال حوالي ثلث السكان الكبار عاجزين عن القراءة والكتابة.
وأما على الصعيد الاقتصادي، فيبين التقرير أن هناك بعض التحسن الطفيف الذي يمكن رصده على مستوى المنطقة العربية ككل، يتجسد في تطور مناخات العمل الاقتصادية في بعض البلدان، كما تشير الدلائل إلى أن دول الخليج العربي حققت أعلى معدل نسبي للحرية الاقتصادية بين الدول العربية، وذلك بفضل سياسة الانفتاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الخارجية، وتحديث البنية التحتية، وهيكلة الإدارة.
ويظهر التقرير أن سبع دول عربية فقط (دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا)، والتي تشكل 15% من عدد سكان المنطقة العربية، تقع في فئة الدول ذات التنمية البشرية العالية.. ففي حين حققت دول الخليج العربي أعلى نسب في مجال بلوغ الأهداف التنموية للألفية، ما زالت بعض الدول العربية الأخرى عاجزة عن بلوغ تلك الأهداف بحلول عام 2015، وهو العام الذي تم تحديده لبلوغ الأهداف كما نص الإعلان الدولي لها، وتمتد قائمة الدول العربية التي لا يرجح أن تتحقق فيها الأهداف التنموية للألفية لتشمل تلك التي ما زالت تنتمي لقائمة الدول الأقل نمواً (جزر القمر، جيبوتي، موريتانيا، السودان، واليمن)، بالإضافة إلى الدول التي تعاني من الصراع والنزاعات الداخلية والاحتلال كالعراق وفلسطين والصومال.
ويعتبر التقرير أن حوالي نصف المجتمعات العربية لم تتمكن من تحقيق معدلات التحاق بالتعليم مرضية عند جيل الأطفال الحاليين، خاصة مع وجود نحو تسعة ملايين طفل في الدول العربية خارج المدارس.
ويوضح التقرير أن نسباً كبيرة من جيل الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 25 عاماً، تتجاوز 40% في سبعة بلدان عربية، لم يتجاوزوا عتبة التعليم الأساسي.
أما فيما يخص أجيال الكبار، فإن التقرير يوضح أن الأنظمة التعليمية في أغلب الدول العربية تخلفت، بشكل عام، عن توطين رأس مال بشري معرفي متماسك متجانس ويتمتع بكفاءات عالية، لتكوين مجتمع معرفة أو للمشاركة بكفاءة في اقتصاد المعرفة.
وذكر التقرير أن نصيب المواطن العربي من إصدارات الكتب يمثل 4%، و5% من نصيب المواطن الإنجليزي والإسباني على التوالي، ويترافق العزوف عن القراءة مع ارتفاع معدل الأمية، وهبوط القوة الشرائية للمواطن، وضحالة النظم التربوية، وغياب خطط التنمية الثقافية.
وأخيراً ينوه التقرير ما حققته المرأة العربية من نجاحات ومكاسب مهمة داخل المشهد الاجتماعي العربي مقارنة مع أوضاعها في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أن هذه المكتسبات لا تكافئ دورها الفعلي والمطلوب، ولا تخفي صور الخلل القائمة في المجالات المرتبطة بمجتمع المعرفة والتي تتمثل، في المقام الأول، في نسبة الأمية العالية وسط الفتيات والنساء، إضافة إلى النسب المنخفضة لالتحاق المرأة بمراحل التعليم المختلفة، وبخاصة التعليم العالي، مقارنة مع حضور الرجال في مراحل التعليم المختلفة.
ويخلص التقرير إلى ضرورة الاهتمام بتوظيف المخزون المعرفي العربي والتواصل الإيجابي المنتج مع المخزون العالمي، كما يناقش الملامح العامة والمكونات الرئيسية لمجتمع واقتصاد المعرفة، علاوةً على رصد وتحليل تطور أوضاعها في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، محاولاً التعرف إلى مدى الفجوة المعرفية والرقمية المعلوماتية التي تفصل المنطقة عن العالم المتقدم وبعض الدول النامية التي أحرزت تقدما في مجال إنتاج وتوظيف المعرفة تنموياً.
ويحاول التقرير هنا تجاوزَ تشخيص العلل، ليقدم رؤية وخطة عمل مقترحة لتأطير الجهد المستقبلي المتوجه لإقامة مجتمع المعرفة في المنطقة العربية. واشتملت هذه "الرؤية-الخطة" على بعض العناصر الأولية والآليات المطلوبة لولوج عتبات المعرفة، وللانخراط في مجتمعها، لا بل والمشاركة الفاعلة في عمليات إنتاجها.