كشفت منظمات الدفاع عن المرأة العراقية، ومراقبة حقوق الإنسان أن هناك آلاف من النساء العراقيات تحوّلن الى "ضحايا القهر الاجتماعي والسياسي" من خلال بيعهن سنوياً في أسواق "عبودية الجنس" التي تنشط داخل العراق وخارجه. وأكدت ممثلات هذه المنظمات أن تجارة العصابات الإجرامية في ذروتها الآن لتهريب نساء وبنات لا يتجاوزن أحياناً عمر الـ12 سنة. وحملت المنظمات الحكومة العراقية والسياسيين العراقيين وحكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين غزت قواتهما العراق مسؤولية مواجهة هذه المشكلة، والبحث عن "نظرة شاملة" لمعالجتها.
وكشفت وكالة "ذي ميديا لاين نيوز" في تقرير نشرته صحيفة هافغنتون ستريت، أنّ العدد المتزايد –سنوياً- للنساء العراقيات اللواتي يُتاجر بهن في السوق الدولية السرّية لـ"عبودية الجنس"، سببه تضاؤل الإمكانات الاقتصادية، والحالة الأمنية المريعة التي يعيشها المجتمع العراقي منذ سنوات، وبالتحديد لمرحلة ما بعد الغزو الأميركي سنة 2003.
وتبرز منظمات حقوق الإنسان "محنة" النساء العراقيات، والفتيات الصغيرات، اللواتي لا تزيد أعمارهن بعض الأحيان عن 12 سنة، اللواتي يجري استغلالهن من قبل عصابات إجرامية بهدف تحقيق أرباح خيالية من المتاجرة بهن، عبر مختلف الدول. 
وتقول هوزان محمود، ممثلة منظمة حرية نساء العراق، المشكلة خارج البلد: “إن عمليات المتاجرة بالنساء اللواتي يُهرّبن الى الخارج في ذروتها الآن”. وأوضحت قولها: “لم يكن هناك أبداً في السابق حالة كهذه، وهناك إحباط كبير من تفاقم المشكلة. الكثيرات من النساء والبنات يجري تهريبهن الى دول مجاورة مثل سوريا أو دول الخليج، أو يهرّبون داخل العراق من مدينة الى أخرى”.
وتقدر منظمة "نساء بغداد" أن هناك في الأقل 200 امرأة عراقية تُباع في "سوق عبودية الجنس" كل سنة، برغم أن منظمة مراقبة حقوق الإنسان –مقرها في الولايات المتحدة- تقدر أعداد النساء التي تباع في هذه الأسواق بالألوف. وحذرت المنظمة من أنّ الأعداد قد تكون أعلى، إذا ما جرى إحصاء عمليات المتاجرة بالنساء اللاجئات الى كل من سوريا ولبنان.
وحسب نادية خليفة، الباحثة المتخصصة بحقوق النساء في الشرق الأوسط ومنطقة شمال أفريقيا في منظمة مراقبة حقوق الإنسان، فإن “الحالة أصبحت أسوأ بكثير مما بدأت به سنة 2003، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق”.
وتضيف خليفة قولها: “إن الكثيرات جداً من النساء في العراق أصبحن أرامل، أو تُركن يتيمات وهن صغيرات، وتحت ظروف قاسية جداً، بضمنها الجوع، وتخلّي الأقرباء، والترحيل، تحوّلن الى الدعارة فقط ليبقين على قيد الحياة”. وأكدت: “وببساطة لم يكن هناك بدائل أخرى بالنسبة للكثير من النساء اللواتي وجدن أنفسهن فجأة مسؤولات عن عائلة تحتاج الى مصادر المال لكي تستمر في حياتها. وفي سوريا ولبنان –على سبيل المثال- فإن العوائل العراقية قد استنفدت مدخراتها المالية، وبعض هذه العوائل أجبرت الزوجات والبنات على ممارسة الدعارة”.
من جانبها تقول هوزان محمود: منذ سنة 2003، فقد نحو 70 بالمائة من العراقيين وظائفهم، وجلّ هؤلاء كانوا من قبل بالكاد يدبّرون شؤونهم المالية في ظروف الحصار الصعبة التي سبقت الغزو. وتساءلت ممثلة منظمة حرية نساء العراق قائلة: “لدينا أكثر من 4 ملايين أرملة عراقية..من ينفق على مثل هذا العدد الهائل؟”. وتابعت: “لقد خلقت هذه الحالة ظاهرة فاقة مطلقة في البلد، وبشكل خاص بالنسبة للنساء، والنساء اللواتي دفعتهن الظروف الى الدعارة، لم يكن أمامهن عملياً غير هذا المنحدر القاسي” الذي يشبه عملية الانتحار الاجتماعي في بلد محافظ وله تقاليده العشائرية الصارمة، وأحكامه الشعبية-الدينية التي لا ترحم، حتى إذا كانت بوجود ظروف استثنائية كالتي يمر بها العراقيون منذ سبع سنوات.
وشدّدت على القول: “في الحقيقة ليس هناك شيء يسمّى اختيار في مثل هذه الحالة، فهن إما يُجبرن على الارتماء في هذا الحضيض، أو يكون ذلك بسبب الحالة الاقتصادية والسياسية في البلد، أو بسبب فقدان الأمن، إذ جرى اختطاف الكثير من النساء والبنات الصغيرات”.
ونسبياً تتحوّل المرأة العراقية التي تدفعها الظروف الى الدعارة، إنسانة ميّتة، لا يعترف بها أقرباؤها، وتفقد القدرة تماماً على الاندماج بالمجتمع حتى بعد أن تترك الدعارة. وغالباً ما تُنبذ النساء، ويُهاجمن من قبل عوائلهن، كما يُضايقن من قبل السلطات بتهمة العهر.
وتضيف هوزان محمود قائلة: “هؤلاء النساء يفتقرن الى الثقة، يفقدن الثقة بأنفسهن، ويلومنّ أنفسهن. وهناك العديدات من النساء اللواتي سُجنّ بسبب تورطهن بالدعارة. إن السلطات بدلاً من أن تلاحق زعماء عصابات المتاجرة بالنساء، يكتفون فقط بسجن الضحايا. وإذا ما اكتشفت العائلة ذلك، فإن قد تقتل هذه المرأة أو البنت، أو أن الجيران سوف يعاملونها كمنبوذة اجتماعياً ويصمونها بالعار مدى الحياة”.
وتعتقد ممثلة منظمة حرية نساء العراق أن الحكومة العراقية والنخبة السياسية "لها يد" بشكل من الأشكال في إجبار النساء على ممارسة الدعارة. وأوضحت ذلك بقولها: “نحن نتحدث عن سياسيي الأحزاب الذي يحتفظون في هواتفهم الخلوية بأرقام عدد من النساء العاهرات. يجب أن نسلط الضوء على هذه القضية. ثمة أشخاص في البرلمان وفي الحكومة، يروّجون لدعارة النساء، لكنهم لا يعاقبون. والذي يحدث هو أن المرأة دائماً هي التي تدفع الثمن، لأنها في مثل هذا المجتمع وفي مثل هذا المناخ السياسي تكون الحلقة الأضعف”.
وفي الوقت الذي تعمل فيه منظمات حقوق الإنسان الدولية والعراقية من أجل كشف الجوانب الخطيرة لهذه الممارسات، تدعو هوزان محمود الى أن "نظرة شمولية" أكثر من مجرد عمليات الكشف والفضح، هي المطلوبة لمعالجة ظروف النساء العراقيات اللواتي مررن منذ عقود في أصعب الظروف التي يمكن أن تواجهها المرأة في أي مجتمع من مجتمعات الشرق الأوسط.
وقالت مؤكدة إن “الحكومة العراقية مسؤولة عن حياة أولاء النساء وكرامتهن، وأطفالهن، خاصة أولئك اللواتي تتعرضن للتهريب أو تُجبرن على ممارسة الدعارة”. وأوضحت قولها: “إن الحكومتين الأميركية والبريطانية مسؤولتان أيضا، لأن احتلالهما للعراق خلق الحالية المزرية التي يعيشها السكان، ومن الإجحاف بل من الإجرام أن تلام هؤلاء النساء فقط على الحالة التي انحدرن إليها، فالمرء يمكن أن يختطف بسهولة، ويباع لآخرين لقاء المال. إنها مسألة شنيعة جداً”.

 

موقع وطن

JoomShaper