سلام نجم الدين الشرابي
أريد أن أكون دباً قطبياً يغرق في سبات كلي، وأنا أريد أن أسكن جزيرة نائية لا يأتني فيها خبر من بشر، أما أنا فأتمنى أن آوي إلى كهف؛ لعلي أكون كأصحاب الكهف فيضرب على آذاني سنين عددا، فيما أنا أريد أن أغفو.. فلا أصحو.
تلك كانت بعضاً من مشاعر أنثى خطتها كبوستات وتغريدات نسائية في مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت كرد فعل لمجزرة ريف دمشق التي حصدت أكثر من 1300 روح بريئة، بينهم نساء وأطفال ملئت صورهم وأخبارهم المواقع وشاشات التلفاز. مأساة مؤلمة جاءت بعد أحداث رابعة الدامية في مصر الشقيقة.
بقلب الأم الرقيق تلقت نساء العالم هذه الصور، ولأنها الأم التي تعرف حق المعرفة عظم مكانة الأبناء عند الآباء، وتدرك معنى قول الله "وهناً على وهن".. وعاشت قول الله تعالى بكل تفاصيله: حملته "كرهاً" و"وضعته كرهاً"، ولأنها الأم التي تتمنى لو تستطيع اختراق الشاشات الصمّاء لتلتقط أطفال المجزرة، وتضمهم إلى صدرها وترجوهم أن يستيقظوا، وأن يصفحوا عجز أمة لم تستطع بأسرها أن تقدم لهم المساعدة، وتنقذهم من القتل الذي طال أيامهم القليلة، ولا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في زمن قيمة الكرسي أغلى من قيمة الدم البشري، والمصالح أهم من المبادئ، والضمائر سلعة رخيصة تم بيعها في مزاد علني. كانت المرأة وستبقى الأشد تأثراً عندما تتابع مثل هذه الأحداث، وعندما تشعر بالعجز حيالها تنتابها الرغبة بالاختفاء أو الهروب من كل هذا الحزن الذي يفيض به عالمنا. ولكن هل حقاً أننا غدونا عاجزين وأن الحل هو الهروب؟
لو فكرنا جيداً لوجدنا أن الهروب هو المستحيل بعينه؛ فلن نكون ذلك الدب القطبي الذي لا يسبت إلا في الشتاء، ولن يُضرب على آذاننا كأصحاب الكهف، وسنغفو ونصحو حتى يأتي أمر الله بقبض أرواحنا.
لا بد أن ندرك بأننا لسنا عاجزين بإذن الله، قد يسيطر علينا الإحساس بالعجز.. بالذنب.. بالخذلان.. لكن يجب ألا ننسى أن لنا دورا عظيما، علينا أن نؤديه، وأن عصراً لا نرضى عن مخرجاته قد يجعلنا نتحمل مسؤولياتنا في صنع الرجال الذين نأمل أن يحملوا همّ الأمة ويقوموا بقيادتها.
فهذا الوهن الذي نعيشه لن يتغير إلا إذا قدمنا لغدنا نماذج بديلة من الرجال والنساء الذين لا يكون همهم الكرسي وشغلهم الشاغل جمع الأموال. وهذا لن يتأتى إلا بأن نؤدي الأمانة كما أراد الله لنا أن نؤديها، ونربي أطفالنا الذين بين أيدينا على القيم الإسلامية والأخلاق والمبادئ، وأن نعدّهم لبناء مستقبل مختلف عن الحاضر الذي نعيشه، فحتماً أن أحد أبنائنا سيكون قائداً أو حاكماً أو وزيراً، أو .. أو.. وربما قائداً للأمة بأسرها من يدري؟ فلنكن نعم المربيات لجيل الغد، لعلهم يستطيعوا أن يغيروا حال هذه الأمة، ويجعل الله النصر والتمكين على أيديهم.

JoomShaper