كانت الساعة الرابعة صباحاً في ساحة مركز رباع السرحان لتسجيل اللاجئين بالقرب من الحدود بين الأردن وسوريا، وعلى الجانب الآخر من الساحة القاحلة المظلمة رأيت صفاً طويلاً من اللاجئين الذين عبروا الحدود تحت جنح الظلام، في انتظار تسجيلهم. وكسا هؤلاء اللاجئون غبار السفر، وارتسمت على وجوههم ملامح الصمت الرهيب، حتى الأطفال بدا وكأنهم فاقدون الوعي من أثر الخوف في رحلتهم عبر الحدود الأردنية في غسق الليل. وكانت على ظهور اللاجئين حقائب وأمتعة بالية مربوطة بحبال.
ومع دخول الحرب الأهلية المستعرة في سوريا منتصف عامه الثاني، من المؤسف أن قصة هؤلاء اللاجئين متطابقة، إذ أن ما يربو على ثلث الشعب السوري هجَروا منازلهم التي كانوا يعيشون فيها قبل الحرب، ولم يلتحق أطفالهم بالمدارس، والآباء لا يعملون.
وهناك ما يزيد على مليوني لاجئ فرُّوا عبر الحدود إلى دول مجاورة، خصوصاً الأردن ولبنان، في حين أن أكثر من أربعة ملايين شخص هُجّروا داخل البلاد، بينمايتم توزيع كميات ضئيلة من المساعدات الغذائية والطبية بصورة غير منتظمة.وفي ضوء تعرض ملايين الأرواح للخطر، دعت الأمم المتحدة إلى دخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى جميع ربوع سوريا، وإلى تبرعات من المجتمع الدولي.
وحتى الآن لا تمثل جهود المساعدة سوى جزء ضئيل من التبرعات الممنوحة عقب زلزال هاييتي أو تسونامي المحيط الهندي، رغم أن ملايين المدنيين الذين تأثروا جراء الأزمة السورية أكثر من الذين تأثّروا بتينك الكارثتين.
ومع استمرار الحرب الطاحنة، ينتابني الخوف من أن المجتمع الدولي سيضيق ذرعاً بالأزمة، وسيدير ظهره إلى الأسر السورية التي تناضل من أجل البقاء، لكن لا يمكن للعالم أن يسمح بحدوث ذلك.
وعلى المجتمع الدولي أن ينهض ويموّل احتياجات الأمم المتحدة البالغة 4.4 مليار دولار للتعامل مع الأزمة، وعليه أن يدعم دول الجوار السوري، خاصة الأردن الذي يحاول التعامل مع موجة غير مسبوقة من اللاجئين الجدد.
وما لم يتحرك العالم لزيادة جهود المساعدات إلى السوريين، فإن المأساة الإنسانية والزعزعة الإقليمية ستمتد إلى فترة طويلة في المستقبل.
تلك المأساة رأيتها جلية في عيون من قابلتهم عند الحدود الأردنية، ومعظمهم كانوا من إقليم درعا المكتظ بالسكان، على بعد أربعة أيام سيراً على الأقدام.
ويدفع اللاجئون في المتوسط ثلاثمائة دولار للمهربين عن كل شخص لتهريبهم إلى الحدود، وكثير منهم يسافرون على ظهر عربات تجرها الماشية وينامون تحت غطاء من رمال الصحراء.
وتستضيف الأردن العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، أو ما يقدر بنحو 600 ألف نسمة، وفي إحدى نقاط التفتيش، شاهدت ثلاثة آلاف شخص يعبرون الحدود كل ليلة، والآن أصبحت هذه الدولة الصغيرة مكتظة بعدد كبير من اللاجئين على أراضيها. ورغم أن الأردن لديه ثقافة أصيلة في حسن الضيافة، لكنه يواجه الآن أزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة.
وسيصبح المستقبل أكثر ضبابية في غضون الأشهر المقبلة مع هطول أمطار الشتاء، إذ ارتفع إجمالي عدد اللاجئين السوريين إلى سبعة أضعاف عددهم الشتاء الماضي، نصفهم من الأطفال.
وستواصل وكالات المساعدات الإنسانية عملها، لكن هناك حاجة إلى أكثر من ذلك بكثير. ولإحداث اختلاف حقيقي ومستمر، على دول العالم أن تمول الأمم المتحدة لتأمين مستقبل سوريا ودول جوارها.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ليندا ماسون
الرئيس الفخري لـ «منظمة ميرسي كوربس للإغاثة»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»