لا تعرف هبة أنه في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، فهي تزوجت العام الماضي ولم تتجاوز الـ13 من عمرها، لتضع مولودها الأول بعد أقل من سنة على زواجها، حالها كحال عشرات الفتيات اللواتي فرض الصراع الدائر في سوريا ظروفاً قاسية على عائلاتهن، ليغدو الزواج -وإن كان مبكراً- الملاذ الممكن الوحيد.
وتظهر تقارير مختلفة أرقاماً مأساوية حول واقع المرأة في سوريا اليوم، فبينما يبلغ عدد المعتقلات في سجون النظام بين ثلاثة وأربعة آلاف معتقلة، وعدد القتيلات خلال الثورة أكثر من خمسة آلاف، تأتي سوريا في المركز الـ19 في استطلاع أجرته مؤسسة "تومسون رويترز" حول حقوق المرأة في العالم العربي، لتتقدم فقط في ذلك على كل من مصر والعراق والسعودية.
أهون الشرين
وبدا واضحاً خلال الاستطلاع التأثير الكبير للأزمة على حقوق السوريات، والذي تجلى في جوانب عدة مثل العنف الجنسي والزواج القسري، والاتجار بالفتيات وخاصة في مخيمات اللجوء، ناهيك عن التعذيب والانتهاكات التي تتعرض لها المعتقلات في السجون.
وتقول والدة هبة للجزيرة نت إنها لم تكن راضية تماماً عن زواج ابنتها في هذه السن، إلا أنها شعرت بأن ذلك قد يكون كفيلاً بتأمين مستقبل أكثر أماناً لها، على حد تعبيرها.
فبعد مقتل والد هبة العام الماضي في الغوطة الشرقية، ونزوح العائلة التي فقدت معيلها الوحيد، واستقرارها في أحد مراكز الإيواء بدمشق، لم يبدُ خيار تزويج هبة من أحد المقيمين في المركز والذي تقدم لخطبتها خياراً سيئاً.
"أشعر الآن ببعض من الارتياح، فقد أصبح هناك مسؤول عن ابنتي ومتكفل بكافة مصاريفها التي كنت أعجز عن تأمينها في معظم الأحيان"، تقول والدة هبة.
لم يكن بالتأكيد الزفاف الذي تحلم به هبة ولا الحياة التي ربما تمنت أن تختارها بنفسها في يوم من الأيام، وهي اليوم تبدو بوجهها الطفولي ونظراتها الحائرة عاجزة عن تقديم أدنى متطلبات الرعاية لطفلها الذي لم يتجاوز بعدُ شهره الأول.
تقسيم الطعام
الوجه الآخر من معاناة النساء تجسده الأرملة أم محمد النازحة من مدينة داريا، فهي تعول أطفالها الثلاثة بعدما قتل زوجها في مجزرة داريا في أغسطس/آب 2012.
وأم محمد واحدة من بين آلاف النساء السوريات اللاتي فقدن معيلهن ووجدن أنفسهن وحيدات في مواجهة ظروف حياة قاسية تزيد الحرب من وطأتها يوماً بعد يوم.
وعندما التقت الجزيرة نت أم محمد في مكان إقامتها الحالي بأحد مراكز الإيواء في ريف دمشق، كانت تقسّم الوجبة الغذائية التي تحصل عليها كمعونة من إحدى الجمعيات الخيرية، لتحتفظ بقسم لها ولأولادها وتبيع الآخر.
"هي واحدة من السبل القليلة التي أمتلكها للحصول على بعض النقود لي ولأولادي"، تقول أم محمد بحسرة، فهي لم تترك باباً إلا طرقته للحصول على عمل تعيش منه بكرامة، لكن دون جدوى، لتضطر اليوم إلى تدبير أمورها معتمدة على المعونات والمساعدات.
ولمست الجزيرة نت خلال لقائها بعدة نماذج من نساء سوريا اللاتي يفترض أن يحتفلن باليوم العالمي لمناهضة العنف ضدهم، كيف وحّدتهن معاناة الحرب وخسارة الأهل والأقارب، وحولتهن إلى وقود في صراع لا ناقة لهن فيه ولا جمل.

JoomShaper