إبراهيم درويش
كتب الصحافي ديفيد إغناطيوس في ‘واشنطن بوست’ عن الحرب الثانية بعد الإطاحة بالأسد، حيث قال إن التخلص من الرئيس السوري ما هي إلا بداية حرب طويلة مع الجهاديين التي ستكون ساحتها سوريا.
وكتب عن تصاعد قوة القاعدة في هذا البلد الذي يشهد حربا أهلية وحصدت من أهله حتى الآن أكثر من 126 ألف شخص في أخر تقدير. فالقاعدة تسعى كما يقول إلى ‘السيطرة الكاملة على المناطق المحررة’ حسب تقرير أمني أعدته المعارضة المسلحة، فيما تعبر المعارضة المعتدلة عن اهتمامها بحل سياسي لهذه الحرب الأهلية الطاحنة مع أن الحل السياسي ما هو إلا بداية لحرب جديدة ضد الأرهابيين او الجهاديين.
وكتب إغناطيوس قائلا إن البحث عن عملية انتقال سياسي ادى إلى جمع عدد من الدول المختلفة فيما بينها، وتضم السعودية وإيران، روسيا والولايات المتحدة.
فقد اجتمعت هذه الدول سرا في 21 تشرين الثاني نوفمبر وناقشت طرقا لتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاج إليه الآلاف من المدنيين الذين يواجهون خطر الجوع في الشتاء.
وقال إن المفاوضات ركزت على توفير الدعم الإنساني للسكان المحاصرين في ثلاث مناطق، المدينة القديمة في حمص، وبلدة داريا التي تبعد ستة أميال جنوب- غرب دمشق، وبلدة المعضمية التي تبعد ثمانية أميال عن العاصمة.
وتقوم بتنسيق هذه الجهود لجنة تقودها فاليري آموس، منسقة شؤون الإغاثة في الأمم المتحدة. ويكتب أغناطيوس أن العناصر الاساسية للسلام موجودة، لكن في النزاع السوري المأساوي هناك دائما قوى الحقد الطائفي، والتناحرات السياسية التي تبدو أكبر من هذه العناصر.
فالفشل الذي طبع محاولات العامين الماضيين للعثور على مخرج من الأزمة سيقود إلى كارثة إنسانية حسب بعض المراقبين، مما سيؤدي إلى موت عشرات الآلاف بسبب البرد والجوع.
داعش وجيشها
وفي محادثة هاتفية مع اللواء سليم إدريس، رئيس هيئة أركان الجيش الحر، قال إنه مستعد للإنضمام إلى جنيف-2 المقرر عقده في كانون الثاني (يناير) من العام المقبل إذا وافق النظام السوري على خطوات لبناء الثقة، مثل فتح معابر إنسانية للمناطق المحاصرة، ولا يطالب إدريس بتنحي الأسد قبل بدء مفاوضات جنيف-2 وهو المطلب الذي ظلت المعارضة تتمسك به حتى الآن.
ويقول إدريس إن رحيل الأسد يجب أن يكون نتيجة للمفاوضات لا شرطا لبدئها، اي بعد انتهاء المحادثات.
وقد عبر عن نفس الموقف المتحدث باسم الائتلاف منذر اقبيق. وفي حديثه مع إغناطيوس أكد إدريس على ‘خطورة’ جماعات القاعدة في سوريا، خاصة ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’ (داعش)، التي قال إنها ‘تمثل خطراً كبيراً على مستقبل سوريا’ وان الجيش السوري الحر سينضم للجيش النظامي لحربها بعد التخلص من الأسد.
وفي تقرير أعده إدريس عن الوضع الأمني في سوريا وخطر القاعدة بناء على طلب من الخارجية الأمريكية قدم فيه صورة ‘مرعبة’ عن نمو داعش.
وبحسب التقرير فجيش داعش يضم أكثر من 5500 مقاتل أجنبي، ‘يمثلون عصب عمليات الدولة الحساسة’.
ويتم تجنيد هؤلاء المقاتلين من بلادهم عبر شبكة يشرف عليها أبو أحمد العراقي.
وعندما يصلون لسوريا ‘يتم تزويد كل واحد منهم بأحزمة ناسفة يهددون فيها كل من يتجرأ على مواجهتهم’.
ويقول التقرير إن أخطر الجهاديين هم الذين يأتون من دولة الشيشان الذين يصفهم التقرير ‘بالخطرين والمتوحشين’ ومن هؤلاء حوالي 250 شيشانيا يتمركزون في المناطق القريبة من حلب وينظم عملياتهم شخص يدعى أبو عمر الشيشاني.
وهناك الفا مقاتل عقائدي تم تجنيدهم من شمال سوريا وانضموا إلى الدولة عن إيمان. بالإضافة إلى 15 ألف يقول التقرير أنهم انضموا لها عن خوف او بسبب الطمع. ويضم هؤلاء مقاتلين من 14 قبيلة سنية في منطقة الرقة و8 قبائل في دير الزور.
ويقول التقرير إن الدولة الإسلامية تعتمد على الخطف في المناطق التي تنشر فيها مقاتليها. ويقبع في سجون الدولة 35 صحافياً أجنبياً و 60 سياسيا وناشط سوري، وأكثر من 100 مقاتل في الجيش الحر. وتسيطر الدولة على المناطق الرئيسية قرب الحدود التركية ـ السوريا حيث تقوم بالمراقبة واختطاف ضحاياها.
على جبهتين
ويقول إدريس إن الجيش الحر يحاول القتال على جبهتين: مواجهة القاعدة في 24 موقعاً وخلال الستة أشهر الماضية، وفي الجبهة الثانية مواجهة الجيش السوري.
ويقال إن الإستخبارات الأمريكية ـ سي آي إيه تقوم بتدريب 200 مقاتل من جيش إدريس كل شهر، مع أن رئيس أركان الجيش لم يعترف بهذا الدعم.
وعندما سأله عن نصيحة الولايات المتحدة حول تبني حرب عصابات ‘واضرب واهرب’ قال إنه نصح مقاتليه بتنفيذ عمليات صغيرة وضرب أهداف والتحرك دون محاولة السيطرة على مناطق.
ويختم إغناطيوس بالقول إن المسارين، القتال والتفاوض يبدوان جيدين من ناحية المبدأ، لكن المقاتلين ليسوا في وضع جيد لتحقيق أهداف أي من المسارين، كما أن الولايات المتحدة لم تظهر استعدادا لدعم المقاتلين بالقوة العسكرية الكافية.
وهناك دعم قوي لمسار جنيف-2 أكثر من الماضي مع أنه من الواضح أن رحيل الأسد يعني إندلاع حرب ثانية ضد القاعدة.
وجاء حديث إغناطيوس وسط اجتماعات تشاورية تقوم بها المعارضة لحث الأطراف حتى المقاتلة والرافضة لمسار جنيف المشاركة فيه ودعم الحل السياسي، فيما يقوم المبعوث الأمريكي لسوريا، روبرت فورد بمحادثات مع تيارات وتنسيقيات في داخل سوريا لهذا الغرض.
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للإمم المتحدة قد وجه في تقرير له اتهامات للأسد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ربط الرئيس السوري بجرائم ارتكبت أثناء الحرب الأهلية. وقد رفضت الحكومة السوريا اتهامات نافي بيلاي، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
ولم تكشف بيلاي عن قائمة المتورطين حتى يتم طلبها من قبل سلطة أممية او وطنية وتحقيق قانوني يتمتع بمصداقية، ومع أنها أشارت للرئيس الأسد إلا انه ليس واضحاً إن كان اسمه في القائمة. ولم يسمح لفريق التحقيق العمل في سوريا، واكتفى بمقابلة ألفي معني وشاهد خارج سوريا.
وفي الحديث عن الوضع المأساوي للاجئين والمحاصرين كعامل من عوامل الإندفاع نحو دعم الحل السلمي، ركزت معظم التقارير عن الحالة اللاإنسانية التي يعيش فيها اللاجئون، وفي تقرير للأمم المتحدة ركز على استخدام القاصرين في العمالة الرخيصة من أبناء اللاجئين في لبنان والأردن.
الحرب ضد الأطفال
وفي تحقيق أجرته جانين دي جيوفاني لمجلة ‘نيوزويك’ عن ‘الحرب ضد أطفال سوريا’ تحدثت فيه عن ضحايا الحرب وتساءلت فيه ‘ماذا يعني ان تكون طفلاً في سوريا؟’ وماذا يعني أن تصحو من النمو وتشعر بعدم الآمان وأنه ليس بإمكانك الذهاب للمدرسة، وان والدك وشقيقك وعمك قد يقتلون في معركة أو يعدمون لأنهم وجدوا أنفسهم في المكان الخطأ؟ وتشير الصحافية انه ‘إن كنت طفلاً فأنت لست مستثنى من الاستهداف’ حيث ‘يتم تحديدك كهدف للموت وأنت تمشي نحو مدرستك، وقد يطلق عليك قناص او يسقط عليك صاروخ وأنت تنتظر في طوابير الخبر، او تسقط قنابل عليك وأنت مختبئ في بيتك’، وبنفس الوقت ‘فقد يتم اغتصاب أمك أو اختك، او يعتقلن ولا أحد عندها قادر على حمايتك، وتفقد اصدقاءك وحق الذهاب للمدرسة، وقد تصبح بدون دولة أو جنسية’ وتضيف ‘تسير في شوارع بلدتك، وانت تعرف أن غالبية الأطفال قتلتهم قنابل سقطت عليهم وهم في أحيائهم، وقد يدفع بك دفعا للمشاركة في القتال، والأطفال لم يسلموا من التعذيب في ظل هذه الحرب’.
وتقول الصحافية إن الحرب في سوريا دخلت شهرها الـ 33 وأصبحت أكثر دموية فيما العالم تعب من الاستماع لأخبارها، لكن هذا لم يؤد لوقف القتل. وتنقل عن تقرير أعده ‘فريق بحث أوكسفورد’ والذي قال إن 110 ألف سوري قتل بنهاية آب (أغسطس) من بينهم 11.420 طفلا، ووجد التقرير أن السبب الرئيسي للوفاة في معظم الأطفال (نسبة 70 بالمئة) هي التفجيرات فيما قتل القصف الجوي الفي طفل، وقتل الفان آخرون نتيجة لإطلاق نار من أسلحة خفيفة.
وبالنسبة للحرب التي بدأت بتعذيب أطفال درعا الذين تجرؤوا و ‘خربشو’ على جدران المدينة ‘الشعب يريد إسقاط النظام’ يعني أن أطفال حمص وحماة ودمشق وكل سوريا أصبحوا وقود الحرب وكما يقول أحد ضحاياها الطفل عبدالله من حماة ‘عندما بدأت الحرب، لم نجد مكاناً كي نختبئ فيه’.
ضاعوا في المكان
وتشير إلى ما قاله بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة واصفاً مؤتمر جنيف-2 بأنه سيكون تتويجاً لتطلعات كل أطفال سوريا’ بأن هذا الحلم قد ضاع في الأيام الأولى من النزاع. فالحرب تحول الناس إلى أرقام وتنزع عنهم صفة الإنسانية، وتسرق منهم ذاكرتهم والفرصة لعيش حياة سعيدة.
وتترك الحرب آثارها العميقة خاصة الأطفال حسب عالم النفس الفرنسي، بوريس تشيرولونيك الذي قال ‘جراح الحرب ليست مثل غيرها من الجراح خاصة على الأطفال’ مع أنه يؤمن بقدرة الإنسان على التعافي منها.
وبالنسبة لعبدالله وغيره من أطفال سوريا فالحل السلمي للحرب هو الفرصة الاخيرة لهم لاستعادة حياتهم ولكن الثمن سيظل يلاحقهم ويحملونه معهم. فقد تركت الحرب الأطفال بدون مدرسة وجعلت الكثيرين منهم يعيشون في عزلة المخيمات خاصة البنات، وبحسب تقرير الأمم المتحدة الذي صدر الإسبوع الماضي ‘مستقبل سوريا’ فإن هناك جيل من الأطفال ممن فقدوا النظام الحياتي الطبيعي.
وأصبحوا ‘الجيل الضائع′ فقد السيطرة على حياته وضاع في المكان ولم يعد أفراده الأطفال يتصرفون ببراءة الأطفال.
اطفال درعا بدأوا الإنتفاضة ..أصبحوا ضحاياها وسيحملون جراحها فهم الجيل الضائع في سوريا
- التفاصيل