الاخبار لبنانية
ما بين آذار العام 2011 وتشرين الأول الماضي، ولد 8 آلاف طفل سوري نازح. ومن بين هؤلاء، هناك فقط 1840 طفلاً يمتلكون وثائق ولادة مسجّلة. أي 23%. رقم خرجت به المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في نهاية الدراسة التي أجرتها على عينة مكونة من 781 طفلاً حديثو الولادة. وهو، إن كان لا يحتمل التعميم، كونه يخص «مجتمع» النازحين المسجلين في سجلات المفوضية، إلا أنه قد يكون مؤشراً للسؤال عن الـ77% المتبقية
أسامة القادري
لم يكن عمران يملك ثمن «التنقلات» لتسجيل وثيقة ولادة طفله في لبنان. لكنه، مع ذلك، كان يملك جرأة تخدير طفله ووضعه في حقيبة لتسهيل مروره عند معبر المصنع، وتسجيله في بلاده بلا تكلفة. كان يمكن لذلك الطفل أن ينام نومته الأبدية في الحقيبة، والوالد أكثر من يعرف ذلك، ولكنه خاطر في حياة ابنه حدّ الموت، ولم يرض «بالشنشطة بين حنا وحنين وقباض الرواح».
الحظ أسعف عمران. لم يدفع الثمن حياة ابنه. قطع حدودين وعاد إلى بلد لجوئه حاملاً طفله بلا حقيبة وبوثيقة «إثبات وجود»، لم تكلفه «سوى إفادة من أحد الأطباء بأن زوجتي ولدت طفلاً ذكراً، سجلت على أساسها ابني في دائرة النفوس في دمشق».
عمران ليس استثناء. ما فعله هو، فعله كثيرون من اللاجئين السوريين. حملوا أطفالهم في حقائب إلى سوريا. بعضهم عاد ومعه ابنه «على دفتر العائلة» والبعض الآخر عاد حاملاً عبء ما فعله، بعدما شاعت أخبار عن اختناق أطفال بتلك الطريقة «السوريالية». هذه الصورة التي كنا نراها في الأفلام ولا نصدقها، صارت واقعاً مع اللجوء. سنسمع في ما بعد قصصاً عن مواليد قضوا في حقائب أو تحت مقعد حافلة، لأن عائلاتهم لم تقدر على الاستحصال على ورقة رسمية تثبت وجودهم في بلد نزوحهم. والأسباب كثيرة، منها «الكلفة المادية للتنقلات والإجراءات البيروقراطية في الدوائر الرسمية اللبنانية»، والأهم من ذلك كله الإهمال. كل تلك العوامل قد تفسّر النتيجة التي خرجت بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في دراستها عن المواليد الجدد من النازحين السوريين، والذين بلغ عددهم ما بين آذار العام 2011 وأواخر تشرين الأول الماضي حوالى 8 آلاف ولادة «من بين المسجلين كنازحين في المفوضية فقط، ستصل أواخر العام الحالي إلى 10 آلاف»، كما تقول المعلومات الصادرة عن المكتب الإعلامي في المفوضية. وبحسب هذه الدراسة التي شملت «عينة من 781 طفلاً حديثي الولادة تبين أن 23% فقط يمتلكون وثائق ولادة مسجلة». وهي نسبة تضعنا أمام السؤال عن البقية؟ فماذا عن الـ77% المتبقية؟ والأهم من ذلك، ماذا عن الإجراءات التي أوصلت إلى تلك النسبة المتدنية جداً؟ وماذا عن الخطر المقبل المتمثل بانعدام الجنسية مثلاً للمواليد الجدد؟
فلنبدأ من العام. نسبة الـ23% ليست كافية للتمثيل. فهي تعني تلك الشريحة المسجلة في المفوضية، والتي تبلغ 836 ألف نازح سوري. ولذلك لا يمكن أن تكون كافية في ظل أرقام أخرى تتداولها المؤسسات الرسمية عن وصول عدد النازحين إلى المليون ونصفه. وبحسب تقرير مستشفى تعنايل البقاعية، وهي المخصصة للولادات، فثمة مولودون جدد «تتخطى أعدادهم الخمسة عشر ألفاً في البقاع»، يقول شادي بدر، مدير المستشفى. وفي الشمال أيضاً، تشير منسقية شؤون اللاجئين إلى أن عدد المواليد هناك يبلغ 5 آلاف. وفي سجلات السفارة السورية في لبنان، هناك «ما يقرب من 500 ولادة تسجل شهرياً»، بحسب فراس الشنتا، السكرتير الثاني في السفارة. أي حوال 6000 آلاف ولادة في السنة «لنازحين ومقيمين في لبنان». مع ذلك، هي ليست أرقاماً نهائية، فثمة مولودون لا نعرفهم «ولدوا في المنازل على يد داية مثلاً»، تقول إحدى العاملات في المفوضية. وهذا أمر مفروغ منه. وينعكس الأمر نفسه على نسبة الـ23% التي تمثل المسجلين وحدهم. لكنها، مع ذلك قد تكون مدخلاً للبحث عن الأسباب التي دفعت إلى نتيجة كهذه. وهنا، في شرح الأسباب، تتقاطع المفوضية مع السفارة السورية في الحديث عن الإهمال لدى عائلات بعض المواليد. وفي هذا الإطار، يشير الشنتا إلى هذا الإهمال الذي يدفع بعض العائلات إلى التغاضي عن التسجيل على اعتبار أن هناك حالة حرب مثلاً في سوريا. لكن، هل سأل هؤلاء مثلاً عما يدفع الأهالي للإهمال؟ وهي الدوافع التي يمكن أن تكون أسباباً أخرى لا يقدر على توصيفها إلا النازحون أنفسهم. وفي هذا الإطار، سيتحدث هؤلاء عن الكلفة المادية التي سيتكبدونها «لبرمة العروس»، يقول ابراهيم. و«برمة» العروس، على الطريقة القانونية، تفترض أن يكون للطفل إفادة من المستشفى أو الداية تثبت تاريخ ولادته ومن ثم تثبت عند مختار المحلة وتصدق وتنفذ في دائرة الأحوال الشخصية، يستتبعها التصديق في وزارة الخارجية، ومنها إلى السفارة السورية لإتمام العملية. هذه تحتاج «إلى كلفة مالية وروحات وجيّات من شان الإجراءات الروتينية، وأنا إلى الآن صرت دافع 200 ألف ليرة لبنانية وما خلصت، بوقت قالولي بخلصها بألف ليرة بسوريا»، يتابع ابراهيم. ولهذا مثلاً، يستعيض الكثيرون عن تلك التكلفة بتهريب الأطفال في حقائب مثلاً وتسجيلهم في سوريا، وأعداد هؤلاء كبيرة جداً، بحسب المفوضية.
ثمة أسباب أخرى، منها «أنني موجود في لبنان بطريقة غير شرعية»، يقول محمد. أما الأسوأ، فهو «الخوف من التصنيف السياسي»، يقول أبو علاء، المقيم في مخيم تعلبايا، وهو ما تستغربه السفارة السورية التي تقول ان البعض جاء والرعب في عينيه ولكنه حصل على اوراقه في اليوم التالي.
لهذا السبب، سنجد في الخلاصة أن النسبة في لبنان «منطقية»، يقول الشنتا. ولا نعود في بعض الأحيان نستغرب ما يفعله هؤلاء، إذا عرفنا مثلاً بحالات زواج «لأ بأس بها لم يتم تسجيلها»، بحسب المفوضية. ما يعني أن مواليد هؤلاء لن يسجلوا بطبيعة الحال، قبل تثبيت الزواج. وهذه «برمة» أطول. وهنا الخوف من انعدام جنسية الأطفال. وقد يضاف هؤلاء إلى «أكراد سوريا منعدمي الجنسية منذ العام 1960 والذين صارت أعداد مواليدهم في لبنان حوالى 840 طفلاً من بين المسجلين في المفوضية»، تختم جويل عيد، العاملة في المكتب الإعلامي هناك.

JoomShaper