علي الرشيد
عندما تنظرون إلى أولادكم وهم حولكم، في أمن وأمان، وسلامة واطمئنان، تجتمعون بهم تحت سقف واحد، تحيطونهم برعايتكم، وتهتمون بشؤونهم المادية والمعنوية، وتسعون لتوفير سبل الحياة الطيبة لهم، وتخططون ليكون مستقبلهم زاهرا، أرجوكم في هذه اللحظات أن تتذكّروا أطفال سوريا المقهورين، وعددهم وصل إلى الملايين، بعد انقضاء ألف يوم من عمر الثورة السورية، ممن يهيمون على وجوههم بين صحراء اللجوء وبيداء النزوح.
المحنة في سوريا تبدو طويلة، وهي حقيقة مؤلمة لابد من الاعتراف بها، وهو ما يعني أن جيلا كاملاً ولد من رحم هذه المعاناة، أو نشأ أو سينشأ في ظل آلامها ومعاناتها الفظيعة، الأمر الذي يضع الجميع أمام مسؤولية أخلاقية، على اعتبار أن الأطفال والناشئة والشباب هم الأمل المرجو للمجتمعات والأمم، وبالتالي فإن إهماله أو تجاهله أو غضّ الطرف عما لحق ويلحق به، يرقى إلى أن يكون جريمة إنسانية بحق الشعب السوري ومستقبله المنظور، تضاف جرائم التقصير الذي يلحق عارها بكل ذوي القربى أو غيرهم عبر العالم، على مستوى اللحظة الراهنة، والماضية التي مضت عليها قرابة ثلاث سنوات.
ثمة تحذيرات أممية من أن تتسبب الأزمة السورية بخلق جيل من السوريين المدمّرين، حرم الكثير منهم من التعليم، وأي مظهر من مظاهر الحياة الأسرية أو الطفولية العادية، ومن هذه التحذيرات تحذير وكالة الأمم المتحدة للاجئين الذي جاء فيه: "على العالم أن يتحرك لإنقاذ جيل من الأطفال المصدومين نفسيا والمعزولين الذين يعانون من الكارثة، وإذا لم نتحرك بسرعة فإن هذا الجيل من الأبرياء سوف يصبح من الإصابات الدائمة للحرب".
الأرقام مهولة بالفعل، والصور مؤثرة، وهو ما يتطلب من الجميع، أفرادا ومنظمات إنسانية ومؤسسات تطوعية، أن يفكروا بشكل مختلف وأن نضع الطفولة والشباب في صدارة أولوياتنا، وأن تتبنى مشروعات تنموية طويلة الأجل، تهتم بتعزيز الجانب النفسي وبناء القدرات والتعليم واستنفار الطاقات والعزائم، وإطلاق المبادرات الواسعة لصالحهم.
ولإدراك حجم الكارثة بحق الطفولة في سوريا، وأهمية التحرك لإنقاذها وإنقاذ مستقبل سوريا.. أضع بين يديكم بعض الإحصاءات والحقائق الهامة:
- أعداد الأطفال السوريين اللاجئين هم نصف عدد اللاجئين السوريين إلى دول الجوار عموما (أي 1.5 مليون طفل)، وعدد الأطفال السوريين النازحين عن ديارهم نصف عدد النازحين عموما (أي ما يزيد على 3 ملايين طفل)، وهو ما يشكل في الخلاصة حوالي 5 ملايين طفل سوري (بنسبة تصل إلى 20% من إجمالي عدد السكان في سوريا).
ورغم هذه الأرقام والحقائق المؤلمة فإن ما يوجّه للطفولة السورية محدود للغاية، ولا يكاد يلبي سوى الحدود الدنيا من الاحتياجات الضرورية الماسة، فيما تبقى القضايا الأخرى، كمشاريع الدعم النفسي والتربية والتعليم والصحة والثقافة والترويح، محدودة للغاية.
ومن خلال متابعتي الشخصية فإن الجمعيات المحلية المتخصصة بمجالات الطفولة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، كما أن المشاريع التي توجهها الجمعيات الإنسانية العربية والدولية الخارجية، محدودة للغاية والأمر يحتاج لعمل الكثير، والتخصص بصورة أكبر مطلوب في هذا المجال.
يحتاج الأطفال منا أكثر من ذلك.. على سبيل المثال لا الحصر مشاريع كفالة الأيتام وأسرهم، وكفالات طلاب العلم، مشاريع الدعم النفسي بسبب ظروف القصف والمجازر، ترميم المدارس وبناء مدارس جديدة وتوفير مستلزماتها من تأثيث ومناهج، مشاريع التطعيم والتحصين الصحي، وغيرها كثير.
أعجبتني مبادرات كثيرة اطلعت عليها، منها على سبيل المثال لا الحصر: توفير المناهج من قبل الهيئة السورية للتربية والتعليم (علّم)، مبادرة "كتاب من القلب إلى القلب" لدار نشر (الأصابع الذكية)، إصدار مجلة للأطفال توزع في الداخل السوري (زيتون وزيتونة)، تركيب أطراف اصطناعية لأطفال بترت أيديهم أو أرجلهم.. ولكن سنبقى بانتظار مزيد من المبادرات والمشاريع النوعية.

JoomShaper