هل ذقت مثلي لحظة شوق إلى وطن؟
هل تعرفت مثلي معنى الانتماء إلى أرض بيتك فيها أصبح رمادًا؟
هل شممت مثلي نسيمًا من ذكريات ماض تمنيت لو بقي معك؟
هل تشردت مثلي حاملاً على كتفك صبيًا بلا حذاء وفي رجلك انتعلت أشواك فقر وجوع وذل؟
هل تحمّلت مثلي صور ولدك وهو يحرق أمامك وحمم صراخ زوجتك من سفاح أمام عينيك وبحار من دم الألم الذي ذبح أمام ألمك وفقد معناه لهول مصابك؟
هل تضورت جوعًا في ليلة باردة لا ماء فيها ولا نور وكلاب ووحوش الإنس تترصد همسك فتقطع نفسك خشيةً من سماعه وتستيقظ صباحًا فتفاجأ بتجمّد فلذة كبدك ولا تعثر على أشبار من أرض تواري فيها جسده؟
هل تمنيت مثلي أن تؤخذ روحك ومزجت بين حزن وفرح عند موت أحبتك حزنا على فراقهم وفرحا لانتقالهم إلى عالم الآخرة وتركهم لهذا العالم الخائن؟
يا أيها الإنسان يا أيها الحيوان يا أيها الحجر مأساتي لا كلمات ترويها ولا صور من فيديو تزيلها ولا صرخات من بعيد تخمد أوارها فيا أيها الكون دع السماء بنجومها تعكسها على الأرض يا أيتها الشمس انكسفي أنت وقمرك فمأساتي ما عاد كون يطيق حملها فملوحتها تفوق ملوحة البحر وأمواج هجماتها تعصف بأمواجه حتى الجبال بقوتها وثبوتها لا تقوى على حملها مأساتي لون آخر من مآسي الكون لون للحجر يبكيه وللصخر يفنيه. مأساتي شاخ بها ولداننا فنطقوا بالحكمة التي من معانيها صوت من جوف جفّ من الجوع وصرخة من حلق امتزج بالدم ونظرة من عين بريق الدمع دائما باد فيها… مأساتي فاقت الألم والحزن والبكاء فالآهات ما عادت تحصيها مأساتي إلى الله وحده أشكيها أناديه في جوف ليل بهيم يا باري يا رحمن يا رحيم المآقي طوال اليوم تسيل مجاريها فمن غيرك يا رحمن إلى الفرج يهديها روحي يا خالقي تدمرت ونفسي تحطمت وأما جسدي صار لا يقوى على الحركة شكوت حالي إلى الخلق فجحودهم ردني إليك انتظرت العون منهم فعدت مستغفرا تائبا بين يديك معلنا أنه لا مرد إلا إليك حبيبي يا الله: ‘مسّني وأهلي الضر وأنت أرحم الراحمين’.
د. محمد خالد الفجر

JoomShaper