كارثة على المنطقة
نجاح شوشة
تسببت الحرب الدائرة في سوريا على مدار سنوات ثلاث في تشريد جيل كامل من أبناء هذا البلد، وأطلق النظام لجيشه العنان قتلا وفتكا بكل أنواع السلاح بما في ذلك الغازات السامة والسلاح الكيماوي، وكأنه أُعطي الضوء الأخضر من القوى العظمى، ومن أمن العقوبة أساء الأدب.
وفي هذا الصدد أشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إلى أن جيلا كاملا من السوريين يواجه الضياع بعد مقتل أكثر من مائة ألف إنسان وتشريد قرابة العشرة ملايين إنسان أي نحو 40% من عدد السكان.
وفي ظل مجهود هزيل من المنظمات الإغاثية، حذرت منظمة إنقاذ الطفولة وصندوق الأمم المتحدة للطفولة من أن الهجرة القسرية بهذا الحجم وهذه السرعة سيكون لها أثر مدمر على المدى الطويل على الأطفال السوريين وأنه يمكن أن تئول الأحوال في النهاية إلى ظهور ما يعرف بـ (الجيل الضائع).

وفيما يلي نستعرض أهم مشكلات هذا الجيل من أطفال سوريا، والذي سيمثل كارثة على سائر المنطقة العربية بكل المقاييس، وليس على بلاد الشام فحسب – بحسب المراقبين-.
1ـ القتل بدم بارد
منذ بداية الثورة ودبابات النظام لا تفرق بين شاب أو طفل وبراميله المتفجرة عمياء لا تبصر، لكنها شديدة الفتك والتدمير، والأبشع من كل ذلك، المجازر التي نفذها الأسد وشبيحته لأطفال أعمارهم لا تتجاوز الأشهر بالسكاكين والحراب في دوما والحوله وغيرهما من عشرات المجازر.

وقد وثقت الإحصائيات 6325 شهيداً من أطفال وذلك حتى تاريخ 15/5/2013 وهذه الإحصائيات المؤلمة، هي الأخف ضررا رغم ما تحمله من ظلم وقسوة.

2ـ العاهات المستديمة

الناجون من القتل قد يجدون أنفسهم ممن بترت سيقانهم أو أيديهم أو فقأت أعينهم؛ هذا مع افتراض أنه لم يفقد أحد أبويه أو كلاهما، أو أحد إخوته؛ وإذا فكرنا للحظة في أثر تلك الإعاقة على الحالة النفسية للطفل فإننا أمام نفسية مدمره، تحمل في قلبها جبالا من الحقد والإحساس بالرغبة في الثأر من القاتل، وممن سكت على القاتل حتى نفذ جريمته أمام سمع العالم وبصره.

إننا أمام طفل يحمل أسئلة لا تنتهي، ويحتاج إلى إجابات شافية وأسرة واعية ومجتمع يحسن التعامل معه، وإذا توفرت سائر الظروف لنشأة هذا الطفل، فلن يسلم على الأرجح من السلوك العدواني وعدم الثبات الانفعالي.

3ـ اعتقال الأطفال وتعذيبهم

إذا رجعنا بالذاكرة ثلاث سنوات، تذكرنا سبب غضب السوريين، عندما اعتقل عاطف نجيب قريب بشار الأسد عددا من أطفال درعا، كتبوا أحلامهم على جدران مدارسهم، فالنظام لا يعبأ باعتقالهم، واستخدامهم كدروع بشرية للضغط على ذويهم لتسليم أنفسهم، للنظام لذلك تضج مخيمات اللاجئين بقصص تعذيب الأطفال بسجون الأسد مما تقشعر له الأبدان.

وعلى أجسادهم الغضة تجد آثار البطش والجبروت، في أظافر قد اقتلعت وأسنان قد كسرت وآثار حروق وندوب.

4ـ الرغبة في الانتحار

بعض هؤلاء الأطفال لديهم حساسية مفرطة، ولا ينسون الإساءة ولا يقبلون الضيم، وقد تلتصق بأذهانهم مشاهد الإهانة والألم، ويترجمونها إلى رغبة عارمة في فقدان الحياة أو الانتحار؛ حتى يلحقوا بآبائهم وأمهاتهم –حسب ما يصور لهم  تفكيرهم الطفولي؛ لهذا تلاحظ كثرة أسئلتهم عن مصير الشهداء وما آلوا إليه –وإنا لله وإنا إليه راجعون-

5ـ مشكلة التشرد

بعد فقدان العائلة يجد الطفل نفسه هائما على وجهه في البلاد وفي العراء يفترش الأرض ويلتحف السماء، دون منزل يؤويه تحت المطر والثلج، وقد يضطر إلى مغادرة المدينة التي لجأ إليها هربا من القصف والدمار إلى مدينة أخرى أو دولة مجاورة.

6ـ الإدمان المبكر

الأطفال الأكبر سنا قد يجدون في أنفسهم ميل للتدخين والإدمان والانحرافات السلوكية المختلفة، أو حمل السلاح للانتقام أو الانخراط في جماعات مسلحة ليثأر لمن قضى من أهله وأسرته.

7ـ الجوع يقضى على المستقبل

تؤكد الدراسات الطبية أن سوء التغذية لدى الأطفال، لاسيما نقص الحديد دون سن الثانية يؤدي إلى ضعف عام فور وصولهم سن الدراسة.

كما أن دماغ الطفل يتأثر في السنوات الأولى من عمره بالفقر والجوع و كلاهما يغير طريقة تكوين وتشكيل الدماغ بصورة واضحة وهذا يصاحبه في بقية حياته ويؤثر سلبا على القدرة على التعلم مدى الحياة.

وعلى مستوى الصحة النفسية فقد اعتبر مؤتمر الأطباء النفسيين في اليابان أن السبب الأول للأمراض النفسية هو الفقر وكلما زاد الفقر والجوع زاد المرض النفسي مثل الاكتئاب و الوسواس القهري والادمان .... فعواقب الجوع وسوء التغذية في السنوات الأولى للحياة تظهر في اضطرابات التعلم السلوك على مدار سنوات عمره.

فإذا كان الأطفال هم المستقبل، وأصبحوا اليوم مكبلين بهذه المعضلات، فهل فقدنا مستقبلنا بضياع جيل من الأطفال؛ أم أنه ما زال يحدونا الأمل في تجاوز هذه المحنة القاسية لنعبر إلى مستقبل مشرق؟.

JoomShaper