اخبار اليوم
حجبت سحب الدخان الأسود المتصاعد من الأراضي السورية شمس العيد. صمتت غالبية مآذنها المدمرة أصلاً. لا تكبير. ما زالت ضحكات أطفال كانوا يلعبون هنا عالقة على بعض الجدران. هكذا بدا العيد معلّقاً ضمن قائمة انتظار طويلة، ليضاف إلى مناسبات افتقدها السوريون منذ ثلاثة أعوام. وصار مجرّد محطّة لاستذكار الديار والأحباب، الذين استشهدوا أو غيبتهم السجون، أو تفرقوا في بلدان الشتات.
في مخيّم اليرموك جنوبي العاصمة دمشق، حلّ العيد ضيفاً ثقيلاً، حاله حال العديد من المناطق المحاصرة. فالشقاء الموجود داخله لا يمكن وصفه بالكلمات. فعدا عن الحصار الخانق، والحزن المضاعف لفلسطينيي المخيم بسبب ما يحدث في قطاع غزة، ينتشر حالياً مرض "التيفوئيد"، إلى جانب الاشتباكات على الجبهات الجنوبية داخل المنطقة. هكذا اكتفى البعض بغسل أفضل ما يملكون من ثياب، وتظاهروا بأنها جديدة.في المقابل، حاول آخرون رسم ابتسامة على وجه المخيّم المتعب. إذ نشطت هيئات الإغاثة والجمعيات الأهلية. قدمت إحداها المال للأيتام لشراء ثياب العيد، فيما نظمت أخرى كرنفالاً متواضعاً للأطفال. واللافت أن معظم المساحات الفارغة التي كانت تُستخدم كساحات للّعب، تحولت إلى حقول تنمو فيها "الكوسا والبندورة".
وقال الناشط قاسم لـ "العربي الجديد" إنه "بعد الانتفاضة التي شهدها المخيم ضد الدولة الإسلامية، وخروج مقاتليها منه، قلّ التوتر. وبتنا نرى بعض مظاهر الفرح مثل الدبكة الفلسطينية، أو بعض المهرجانات".
حلب بلا حلويات
رغم استنزاف شهر رمضان غالبية أهالي حلب المنهكين أصلاً، إلا أن بعضهم أصرّ على ادخار جزء من المال لاستقبال العيد، متحدين ارتفاع الأسعار. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية المحال التجارية (نحو 80 في المائة) أغلقت أبوابها بسبب كثافة القصف الذي تشهده المدينة. أما العشرين في المائة الأخرى، فتبيع ما تبقى لديها استعداداً للإغلاق بشكل كامل.
غابت الحلويات عن محال المدينة بسبب امتناع الأهالي عن الشراء نظراً لارتفاع أسعارها. ووصل سعر الكيلوجرام الواحد من صنف "المبرومة" إلى 2000 ليرة سورية، فيما ارتفع سعر "الفستق الحلبي"، المكوّن الرئيسي لأغلب الحلويات الحلبية.
وتواجه غالبية الجمعيات الخيرية صعوبة في العمل بسبب الأوضاع الأمنية المتردية. وقال المنسق في جمعية "إيثار" الخيرية محمد حافظ إن "الجمعيات تعاني شللاً تاماً"، لافتاً إلى "الاستهداف المتكرر للشاحنات المتجهة إلى المدينة". وأكد ضرورة "مساعدة الفقراء وخصوصاً في أيام العيد".
في هذا الوقت، كشف عضو مجلس مدينة حلب الحرة محمد جليلاتي لـ "العربي الجديد" عن "خطة قام بها المجلس بالتنسيق مع إحدى الجمعيات الخيرية، لتوزيع ملابس الأطفال على العائلات الفقيرة". فيما أعلن عضو مجلس ثوار بستان القصر أميروف الحلبي لـ"العربي الجديد" وضع ألعاب للأطفال في بعض الأحياء طيلة أيام العيد، وذلك في أماكن مغلقة حتى لا يتم قصفها من سلاح الطيران التابع للنظام.
كذلك، أعلن الجانب التركي المسؤول عن معبر "باب السلامة" السماح للسوريين الذين لا يمتلكون جوازات سفر بدخول الأراضي السورية عن طريق الهوية الشخصية حتى انتهاء أيام العيد، لمن يرغب بزيارة ذويه.
المخيّمات تبتكر
في مخيّم "ييلاداغي" على الحدود السورية ــ التركية، اختُصرت العديد من طقوس العيد، واقتصرت على أداء صلاة العيد في إحدى الخيم، تلاها اجتماع للرجال في الساحة الرئيسية لتبادل التهاني. قالت سمية (32 عاماً) من ريف إدلب: "لولا وجود الأطفال، لكان يوم العيد كغيره". وأضافت بحرقة: "ليس هناك فرحة إلا بعودتنا إلى الوطن".
وسعى العديد من سكان المخيم إلى التواصل مع من بقي من الأصدقاء والأقارب في الداخل للاطمئنان عليهم. فيما أقام آخرون بسطات لبيع الألعاب البلاستيكية للأطفال، وبعض السكاكر. أرادوا الإيحاء بأن العيد مرّ من هنا.
وبدا أن إرادة الحياة هنا دفعت البعض لمحاكاة أجواء العيد. أبو زياد الذي هُجِّر من حمص، تحدث عن التغييرات التي طرأت على العيد بعد سنتين من الإقامة في المخيم. قال:"عادة ما أدعو أصدقائي لتناول إفطار العيد سوياً، كما كنت أفعل مع أخوتي وأقاربي في حمص. نجتمع في الخيمة ونأكل وتستذكر العيد في بلادنا، وكيف وصلت بنا الحال إلى هنا".
أما أطفال مخيم "نزيب" في مدينة غازي عنتاب، ورغم عدم وجود ملابس جديدة وغياب "العيدية" التي كانوا يحصلون عليها من الأهل والأقارب صبيحة يوم العيد، إلا أنهم بدوا مصرين على الفرح. قال رامي (12 عاماً) الذي جاء إلى المخيم من مدينة حلب برفقة أسرته: "نلعب في ساحة المخيم. علماً أنه لا تتوفر الألعاب التي كنت أستمتع بها عندما كان والدي يصحبني لمدينة الألعاب أول أيام العيد. لكن بعض سكان المخيم وزعوا علينا الحلوى لدى مرورنا أمام خيامهم".
من جهتها، رأت أم رنا أن "كبار السن في المخيم ليس لهم نصيب من العيد. إذ يكتفون بزيارة بعضهم بعضا. حتى أننا لم نعد نستطيع إعداد حلويات العيد كما في السابق، بسبب ضيق الأحوال المادية. ولكن يبقى مشهد الأطفال يتجولون بين الخيام ويلعبون، يفرح القلب ويشعرنا بالعيد".
يحاول السوريون جاهدين أن يجدوا طعماً للفرحة وسط الظروف التي أجبرتهم على مغادرة ديارهم. إلا أن جميعهم يؤكدون أن الفرحة الكبيرة هي بالعودة إلى سورية.