بعد مساعي هيئة العلماء المسلمين التي أفضت الى الهدنة بين المسلحين وبين الجيش اللبناني في عرسال، وفور سريان مفعولها، تم اجلاء 44 جريحا وجريحة من المدنيين (غالبيتهم من النازحين السوريين)، نقلتهم سيارات الصليب الاحمر اللبناني، وغالبيتهم في حال خطرة بعدما نفذت من المستشفيات الميدانية الادوية والمواد الطبية والصحية.
ومع خروج الجرحى، تكثر الروايات عما حصل داخل البلدة التي لفّها «زنار نار» على مدى خمسة ايام على وقع المواجهات الضارية بين الجيش اللبناني ومسلحي «جبهة النصرة» و«داعش» على أطراف البلدة كما في داخلها الذي تعرض للقصف.
وتروي (السورية) «ام عدنان» لـ «الراي» ان اصابتها بحروق في يدها وخاصرتها، جاءت جراء قذيفة سقطت في مخيم النازحين السوريين في وادي ارنب، في عرسال، وقالت: «ما حسينا الا بصوت القذايف معبي الدني، ما عرفنا شوبدنا نعمل، ما في مجال نروح على مطرح، غير انو نصلي لله يحمينا بحسنة هالاطفال»، قبل ان تبدأ الخيم بالاشتعال والنار تأكل كل شيء، «الولاد بتفرفر، في ناس نسيت ولادها جوا الخيم، من الوهلة، الله ستر من مجزرة».
وتحاول المرأة الاربعينية ان تخفي المها، لتبادر «ما في اوجع من الذل، ونحن انذلينا شو ذنبنا اننا هربنا من الموت». «الموت افضل من اني أعيش ومحدا معترف في انسان»، جملة توضح مدى حال اليأس التي وصل اليها المواطن السوري النازح، الذي ما كان يظن أن نزوحه من بلده سيستغرق هذا القدر من الوقت الطويل والانتظار على قارعة الامل بانتصار احد الطرفين المتنازعين، ليفك اسره من واقع مأسوي اشبه بـ «الموت البطيء» على حد تعبيره.هو «حسين» الجريح الخمسيني القابع في مستشفى شتورا، لمعالجة اصابته في رجله جراء سقوط قذيفة في المخيم الذي كان يأويه، والقريب من وادي حميد. روايات كلها تنم عن مدى الواقع النفسي المرير الذي يسيطر على غالبية النازحين.
«ابو هلال» القابع في مستشفى جب جنين في البقاع الغربي، يشرح أن ما فرض عليهم البقاء في عرسال هو أن السلطات اللبنانية كانت تمنع خروج كل مَن ليست لديه اوراق ثبوتية تؤكد دخوله شرعياً الى لبنان، ويقول: «يا عمي نحن فتنا من جهة الجرد هربنا من الموت، لا قبلانين يرجعونا لبلادن ولا قبلانين يطلعونا من عرسال». واضاف: «فجأة شعرنا بأن في عرسال معركة مع الجيش، وبدأ الرصاص والقذائف تنهمر من كل حدب وصوب».
رغم اصابته، استطاع «ابو هلال» ان يجلي عائلته من المخيم الى وسط عرسال ليخضع للاسعافات الاولية في مستشفى ميداني، وقال «ما في سرير فاضي، نزلوني الملجأ وبقيت على حالي حتى وقف اطلاق النار»، سائلاً «اذا اردتُ العودة الى بلدتي يبرود، هل توافق السلطات اللبنانية والسورية؟».
اما «منى» العرسالية الجريحة والتي نقلت الى احدى مستشفيات شتورا، فتبدي تضامنها مع جيش بلدها، ولكنها لم تُخْف عتبها عليه على خلفية «القصف العشوائي الذي طال المنازل والمخيمات والشوارع»، وقالت «القذائف سقطت علينا من جهة الجيش وحزب الله ولم يراعوا وجود مدنيين، نحمد الله انهم توصلوا لتهدئة وانسحاب المسلحين من البلدة، الحصار قتلنا. هذا انتقام من عرسال».
ولا يختلف حال «هند» عن غيرها وإن كانت ابنة تسع سنوات وأصيبت بشظية من احدى القذائف التي سقطت على المخيم. وتروي مدى الالم الذي استحملته طوال اربعة ايام، دون ان تجد حبة مسكن، وقالت والدمعة تسيل من عينيها، «نحن مو ارهابية حتى يقوصونا، بدنا نروح بيتنا، ما بدي موت».