الإثنين, نوفمبر 17, 2014

مواطنون فروا من المعاناة وويلات حرب لا تبشر بمستقبل لهم أو لأولادهم، فهربوا إلى مكان تخيلوا أنه سوف يكون أكثر أماناً ليبحثوا فيه عن الاستقرار والمستقبل، تاركين ورائهم بيوتهم المهدمة ومستقبلهم الذي طالما كانوا يخططون له والأهم من كل ذلك هويتهم الخاصة، ليجدوا أنفسهم يواجهون ويلات أخرى لا تقل قسوة عن ويلات الحرب التي واجهوها في بلادهم.

اللاجئون السوريون كغيرهم ذاقوا الأمرين في بلدهم بعد اندلاع الأزمة والحرب الطاحنة هناك واستمرت تلك المعاناة في البلاد التي وصلوا إليها لاجئين، فمع تصاعد الأزمة السورية بحلول مايو 2013، تم تسجيل أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوري في دول الجوار خاصة الأردن ولبنان وتركيا، وبجانب هذه الأرقام يوجد عشرات الآلاف من اللاجئين الغير مسجلين، حيث يقدر عدد من ينتظرون التسجيل بحوالي 227 ألف شخص.

تتفاقم يوماً تلو الأخر معاناة اللاجئين السوريين في دول العالم، يفتقرون لأدنى مقومات الحياة، حيث يمكث اللاجئون تحت رحمة فتح الحدود أو غلقها، أو وصول المساعدات أو منعها، اهتمام الدولة المستضيفة أو إهمالها، بالإضافة إلى استغلال البعض لضعف وضع اللاجئين وخاصة النساء والأطفال، الأمر الذي يجعلهم عرضه للزواج القسري والتسول.

في لبنان، تجاوز عدد اللاجئين حاجز المليون شخص سوري، فبات الآن يساوي تقريباً ربع سكان لبنان، وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين “أنطونيو غوتيريس”، إن “تدفق مليون لاجئ على أي بلد هو أمر هائل، ولكن بالنسبة لبلد صغير يعاني من صعوبات داخلية كلبنان، فهو أمر مذهل”.

نتيجة لارتفاع عدد اللاجئين بهذا الشكل، باتت قدرات البنية التحتية الحيوية على شفى الانهيار، ليطال تأثيرها اللاجئين واللبنانيين على حد سواء، كما ضعفت بشدة إدارة الصرف الصحي والنفايات، ولم تعد العيادات والمستشفيات قادرة على تحمل الضغط في الوقت الذي نضبت فيه إمدادات المياه، أما الأجور فهي في انخفاض بسبب ارتفاع العرض من العمالة.

اللاجئون السوريون الذين نجحوا بالدخول إلى لبنان لم يكن وضعهم أفضل حالاً ممن لم يكتب له الوصول إلى داخل الأراضي اللبنانية، فقد تعرضت مخيمات اللجوء للفيضانات وانجرافات التربة خلال أسبوع واحد فقط من الشتاء حيث هطلت منذ عدة اسابيع أمطار غزيرة أدت إلى سيول جارفة أغرقت عدداً من المخيمات بشكل كامل، وأتلفت خيما ومحتوياتها فيما بات اللاجئون تحت العراء يقارعون الرياح والبرد والعواصف، لافتقار الكثيرين منهم إلى سقف يؤويهم وعائلاتهم بعدما افترشوا البساتين وعاشوا في خيام بدائية أشهر الصيف، حيث يضطر السكان للتنقل عدة مرات داخل البلاد بحثا عن الأمان.

تركز مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين على تقديم مواد الإغاثة بما في ذلك البطانيات الحرارية، والملابس الشتوية والأغطية البلاستيكية الإضافية، وتعزيز الملاجئ الجماعية وخاصة تلك التي تؤوي حاليا آلاف الأسر النازحة.

في هذه الأثناء، فإن الغالبية العظمى من الأطفال لا يرتادون المدرسة لتنحسر آفاق مستقبل أفضل كلما طال بقاؤهم خارج الصفوف الدراسية، حيث يشكل الأطفال نصف عدد اللاجئين السوريين في لبنان، ويتجاوز عدد الأطفال في سن المدرسة 400,000 طفل، وهو أعلى من عدد الأطفال اللبنانيين في المدارس العامة، وقد فتحت هذه المدارس أبوابها لنحو 100,000 لاجئ، لكن القدرة على استيعاب المزيد باتت محدودة للغاية، ونتيجة لهذه المعاناة أعلنت مؤخراً الوزارة المكلفة بمتابعة ملف اللاجئين السوريين في لبنان، أنه لن يدخل أي لاجئ سوري جديد إلى البلاد سوى الحالات الاستثنائية، كما ستعمل الحكومة اللبنانية على تشجيع اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم أو بلدان أخرى.

في الأردن، تجاوز عددهم المليون و300 ألف سوري، ويشكل السوريون في الأردن 14 بالمائة من سكان المملكة، نحو 25% منهم أي 600 ألف لاجئ يتوزعون في مخيمات اللاجئين، فيما يتوزع 75% في المدن والمحافظات.

افتتحت السلطات “مخيم الزعتري” في محافظة المفرق، قبل سنتين، إضافة إلى مخيمات “مريجيب الفهود” المعروف بالإماراتي، و”حدائق الملك عبد الله” و”السايبر سيتي” في الرمثا، و”منشية العليان”، ومؤخراً تم افتتاح مخيمٌ في منطقة الأزرق شمال شرق العاصمة عمان، ويبعد نحو 90 كيلو مترا عن الحدود السورية، ليكون بذلك أكبر مخيم من حيث المساحة في البلاد يضم أكثر من 400 لاجئ.

لم تختلف معاناة اللاجئ السوري في الأردن عن نظيرة في لبنان، بل زادت بتخفيض منظمة الغذاء العالمي بشكل مفاجئ مساعدات اللاجئين السوريين، وتقليص حصتهم من المساعدات الغذائية، ودفع هذا القرار أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ سوري مقيمين في الأردن إلى العودة إلى سوريا، بسبب توقف المساعدات الغذائية عنهم.

في تركيا، يناهز عدد اللاجئين السوريين في المخيمات الـ192 ألف نازحٍ، وهم يتوزعون على 8 محافظاتٍ تركية، هناك خمس مخيمات في “هاتاي”، مخيمان في “شانلي أورفا”، ثلاثة مخيمات في “غازي عنتاب”، ومخيم واحد في كل من “قهرمان مرعش”، و”عثمانية” و”أضيامان”، و”أضنه”.

يواجه اللاجئون السوريون في تركيا مشكلتين رئيستين، تتمثل الأولي بشكل أساسي في عدم قدرة المخيمات علي استيعاب الأعداد الكافية من اللاجئين ومع الأعداد الضخمة تبدأ ظهور مشاكل الرعاية الصحية لاسيما للأطفال وتوفير الماء والصرف الصحي والكهرباء وإمكانية تفشي الأمراض الوبائية، ومشاكل الأمن الصناعي والبيئي وإمكانية نشوب حريق يلتهم الخيام جراء استخدام أجهزة التدفئة والطبخ داخل الخيام، إلى جانب أن طبيعة مناخ تركيا قارس شتاءً ويصاحبه سقوط الثلوج، وهو ما يؤدي إلى تدمير المخيمات ودخول المياه للخيام مع ذوبان الثلج.

تتثمل المعضلة الأخرى في وجود أعداد من اللاجئين الذين يعيشون بالمناطق الحضرية خارج المخيمات وهؤلاء يعانون من مشاكل وأعباء تتعلق بتوفير الاحتياجات المالية اللازمة لمواصلة الحياة، فضلاً عن المعاناة الأمنية، حيث منهم دخل تركيا بشكل غير رسمي أو غير مسجل، وهو ما يعني حرمانهم من أي دعم مادي تقدمه المفوضية الأممية، وبالتالي تبدأ معاناتهم من حيث توفير السكن والعمل، إلى جانب ارتفاع معيشة الحياة في داخل تركيا.

أعلنت الحكومة التركية أنها ستمنح قريبا تصاريح عمل لعدد محدود من اللاجئين السوريين، كما تعتزم الحكومة إصدار بطاقة هوية للاجئين السوريين دون منح جنسية لأي منهم.

انعقدت الكثير من المؤتمرات لدعم اللاجئين أبرزها ما كان في الكويت، وانتهى بتعهدات تقديم أكثر من 2.4 مليارات دولار لإغاثة الشعب السوري، بعد أن انعقد بهدف جمع 6.5 مليارات دولار، والآخر انعقد في اسطنبول في نوفمبر الماضي وخرج بسلسلة توصيات لا تزال حتى الآن بمثابة وعود، أما الثالث انطلق في مخيم الزعتري في الأردن ويهدف إلى حث المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لدول جوار سوريا، لتتمكن من القيام بواجبها الإنساني تجاه استضافة اللاجئين السوريين في بلادهم، وما بين انعقاد المؤتمرات والوفاء بالوعود تستمر معاناة اللاجئين السوريين دون انقطاع.

JoomShaper