السبيل- لم تكن زيارة السورية سامرة زيتون قبل نحو 3 سنوات، لمخيم الزعتري للاجئين شمال شرقي الأردن الذي يضم عشرات الآلاف من أبناء جلدتها، مجرد مرور عابر، لكنه كان بمثابة مولد فكرة، يستفيد منها حاليا أعداد من السوريين الذين دفعتهم حرب أهلية مشتعلة في وطنهم، منذ ما يقارب من 4 سنوات، إلى تجريب مرارة اللجوء والغربة.
فبعد أن زارت زيتون وهي سيدة أعمال سورية تحمل الجنسية البريطانية، المخيم ولمست أوجاع سكانه عن كثب، عادت محملة بـ"هم" تقديم المساعدة لهم، وفي وقت قصير، بلورت فكرة تأسيس مركز لتقديم المساعدات الطبية، وتناقشت مع عدد من السوريات في دول أوروبا وأمريكا الشمالية والخليج العربي، لإطلاق المركز بشكل فعلي.
وفي هذا الإطار، تقول زيتون التي كانت تعيش في بريطانيا قبل انتقالها للعيش إلى الأردن للإشراف على المركز "جائتني فكرة إنشاء المركز، بعد زيارة مخيم الزعتري، ورؤية الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون".وتضيف في حديث لمراسل وكالة "الأناضول" من داخل مقر المركز بعمّان "طرحت الفكرة أمام سيدات سوريات في دول الخليج وكندا وبريطانيا، واتفقت مع 4 منهن على تأسيس المشروع بتمويل خاص قبل نحو 3 أعوام والقدوم للأردن والإقامة فيه للإشراف عليه، وبالفعل خرج المركز للنور بعدها بوقت قصير، باسم سوريات عبر الحدود".
ويقدم المركز الواقع في شارع الرشيد بعمان والمؤلف من 3 طوابق، خدمات طبية وجلسات علاج طبيعي لمصابي الحرب في سوريا، وخصوصا حالات الشلل النصفي والاصابات الحركية التي لحقت بالسوريين بسبب قذائف ورصاص قوات النظام في بلادهم إضافة إلى عدد من المرافق الملحقة، وفقا لمدير المركز، عامر الحافظ.
ويقول الحافظ لـ"الأناضول" إن قسم الاستشفاء في المركز "يضم 20 سريراً للرجال و10 أخرى مخصصة للنساء والأطفال"، وأضاف "يتم استقبال المصابين وفق معايير خاصة، على رأسها استقرار الحالة الصحية للمصاب بعد علاجه في المستشفيات، وانتقاله للمركز لمباشرة بدء العلاج الطبيعي والعناية بالجروح".
ووفق المصدر ذاته، فإن المركز يتعاون مع أطباء نفسيين ومتطوعين لـ"منح المصاب كافة أنواع الراحة، واعادة تأهيله قدر المستطاع لإعادة دمجه في المجتمع".
إلا أن مؤسسي المركز يخشون من عدم القدرة على مواصلة العمل الإغاثي للاجئين بسبب "طول الأزمة وعدم توافر القدرة المادية الكافية لتقديم الخدمة للمصابين"، على حد قول حافظ.
وفي مقر المركز، شاهد مراسل "الأناضول"، عدداً من المصابين، خلال تلقيهم العلاج الطبيعي، وتعلو ملامحهم علامات التفاؤل، تعكس إصراراً على تحدي الإصابة والعودة إلى وطنهم بعد انتهاء الأزمة.
ومن بين المصابين، الطفل إبراهيم الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، ويعاني إصابة في قدمه، ووفق حافظ "لم يتبق لإبراهيم غير والده، بعد أن أخذت الحرب والدته وأخوته إلى غير رجعه"، في إشارة إلى وفاتهم بطريقة لم يبينها.
وإلى جانب إبراهيم، يجلس الطفلان عبد الرحمن وشقيقته سلام، اللذان يقربانه في العمر ونالت من أطرافهما شظايا برميل متفجر ألقته طائرات النظام على محافظة درعا جنوبي سوريا قبل أشهر، حسب المصدر ذاته.
ويمثل هؤلاء السوريين الجرحى٬ عينة من آلاف مواطنيهم الذين فروا من بلادهم إلى دول الجوار كلاجئين٬ لتقطع السبل بهم أو لعدم وجود الرعاية الصحية اللازمة لهم في بلادهم بعد تدمير عدد كبير من المرافق الصحية والمشافي نتيجة الصراع الذي حصد حتى اليوم ما يقارب من 200 ألف شخص، بحسب إحصائيات أممية إلى جانب آلاف الجرحى والمعتقلين والمفقودين.
ويقول مدير مركز "سوريات عبر الحدود"، إن المركز عالج منذ إنشائه ما يزيد على 200 مصاباً من مختلف المناطق في سوريا٬ منهم من وقف على قدميه من جديد٬ ومنهم ما يزال يخضع للتأهيل".
ولا يقتصر دور المركز على تقديم المساعدة الطبية للمصابين، بل يقدم فرص عمل في مجالات مثل الطبخ والحرف اليدوية ضمن مشغل يعمل فيه عدد من اللاجئات اللاتي فقدن معيلهن.
كما يخصص المركز قاعة لطلاب الثانوية العامة من المصابين يحصلون خلالها على دروس للتقوية تؤهلهم للنجاح ودخول الجامعة بعد أن يصبحوا قادرين على الانخراط في المجتمع.
ولجأ الى الأردن مئات آلاف السوريين جراء الحرب المشتعلة في بلادهم منذ مارس/آذار 2011، وتم تخصيص عدد من المخيمات لهم٬ إلا أن قسما كبيرا منهم يعيش في المدن والقرى في مختلف مناطق المملكة.
ويصل عدد السوريين في الأردن إلى أكثر من مليون و300 ألف، بينهم أكثر من 600 ألف لاجئ مسجل لدى الأمم المتحدة، في حين دخل الباقي قبل بدء الأزمة السورية، بحكم علاقات عائلية وأعمال التجارة.
ويوجد في الأردن 5 مخيمات للسوريين، هي مخيم الزعتري، ومخيم الأزرق، والمخيم الإماراتي المعروف "بمريجيب الفهود"، ومخيم الحديقة في الرمثا، ومخيم سايبر ستي، الذي يأوي عددا من فلسطينيي سوريا بالإضافة إلى لاجئين سوريين.(الاناضول)